بلومبرغ- ترجمة علي النجار -
قالت وكالة "بلومبرغ" الأمريكية، إن التداعيات الناجمة عن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، تتصاعد على ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في الخارج والداخل.
وأوضحت أنه بعد أن نأي بعض المستثمرين الذين كانوا يتوددون لولي العهد، عن تجمعه البراق "دافوس في الصحراء" في الرياض الأسبوع الماضي، ها هي الولايات المتحدة الأمريكية، الآن، تصدر إشارات بتبدل موقفها من "محمد بن سلمان" الرجل المدلل من قبل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".
وذكرت الوكالة أن اثنين من كبار المسؤولين في واشنطن طالبا بوضع حد للحرب التي قادتها السعودية في اليمن، وبدء محادثات في نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتم الإعلان عن ذلك بلغة، نادرا ما كانت تستخدم في العلن.
ونقلت الوكالة عن 3 أشخاص مطلعين، بينهم مسؤول أمريكي، قولهم إن إدارة "ترامب" تضغط أيضا على السعودية لحل أزمتها مع قطر.
وقال دبلوماسي عربي، لم تسمه الوكالة، إن "محمد بن سلمان" أصبح يبدو بمثابة خطر في نظر القادة الغربيين الذين يعيدون، في الوقت الحالي، التفكير في التعامل مع الحاكم السعودي صاحب الـ33 عاما، والذي صدمت سياسته الخارجية المتهورة الحلفاء والأعداء على حد سواء.
وأضافت الوكالة أنه حتى أنصار "بن سلمان" يقولون سرا، إنه يجب أن تكون هناك فترة تغيير، بينما تحاول السعودية إعادة بناء ثقة الحلفاء التي اكتوت بنيران هذا النوع من التقلب غير المألوف على السياسة الخارجية للمملكة.
وقال مسؤول عربي بارز للوكالة، إن الضغط الوحيد الذي يوضع في الاعتبار من قبل السعوديين هو الضغط الأمريكي.
ولفتت الوكالة إلى أن "محمد بن سلمان"، تم تبنيه كمصلح، بوصفه الحاكم الفعلي للمملكة منذ عدة سنوات، غير أن مقتل "خاشقجي"، كبح الصعود بالغ السرعة لولي العهد.
وذكرت أن ولي العهد لايزال بأمن في وطنه، بسبب قيامه بإزاحة منافسيه جانبا.
وأشارت إلى أن محاولات المملكة وحلفائها في اليمن فشلت في إجبار المتمردين الشيعة الموالين لإيران على الجلوس على مائدة التفاوض عبر حملة عسكرية متسمرة منذ 2015.
وكان التحالف الذي قادته السعودية في البداية يضم قطر، التي سعت الرياض و3 عواصم عربية أخرى لعزلها بعد ذلك بعامين، لاتهامها بتمويل الإرهاب، وفي الأسبوع الماضي، حول "بن سلمان" نبرته تجاه الدوحة، وأشاد بالاقتصاد القطري.
وقال "كامران بخاري"، المحاضر البارز في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط في جامعة معهد التنمية المهنية في أوتاوا: "لقد أعطت جريمة قتل خاشقجي الولايات المتحدة نفوذا على المملكة العربية السعودية.. ولذلك فالسعوديون أكثر تقبلا من أي وقت مضى للتأثير الخارجي على سياساتهم.. ولكن إلى أي مدى سوف تستغل إدارة ترامب هذا الفرصة لتغيير سلوك المملكة؟ هذا ما سوف نراه".
وأشارت الوكالة إلى أن الحقيقة الثابتة هي أن عملية قتل "خاشقجي" تمت بإشراف أو رعاية ولي العهد، ومع ارتكاب الحماقات لابد أن تأتي العواقب.
وأوضحت الوكالة أن الحديث مع السعوديين والدبلوماسيين والأشخاص المطلعين على العائلة المالكة يبين حجم رأس المال الذي فقدته المملكة منذ اختفاء "خاشقجي" فى الثاني من الشهر المنصرم، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول.
واستطردت الوكالة أنه هناك بعض الهمهمات داخل بيت آل سعود، أن "محمد بن سلمان" يحتاج إلى قص جناحيه، لكي يتم الحفاظ على النفوذ الرئيسي للحكم السعودي.
وفي الخارج، سيكون هناك تراجع عن السياسة الخارجية العدوانية التي جرت في نزاعات مع قطر وكندا وألمانيا، وفقا لشخص قريب من الحكومة السعودية، رفض الكشف عن اسمه، بحسب الوكالة.
وأضاف هذا الشخص أنها فرصة للأمير لتجديد دائرته الداخلية وجلب أفراد لديهم فهم للشؤون الخارجية بشكل جيد.
وبينما كان الأمير "محمد بن سلمان" يحاول إبراز نفسه في ثوب المصلح على المسرح العالمي، والقيام بأكبر عملية إصلاح شاملة للاقتصاد السعودي في تاريخه الحديث، لكن رؤيته المسماة 2030 تعتمد على الاستثمار الأجنبي لأنه يقلل الاعتماد على النفط.
وفي هذا الصدد قال المحلل المتخصص بالشرق الأوسط، "تربوجورن سولتفيدت"، إن "الضجة الدولية من أجل خاشقجي تجعل تحدي التنوع الاقتصادي أكثر صعوبة، وبالتالي قد يؤدي إلى إضعافه في الداخل".
وأضاف: "بعد قضية خاشقجي، أصبحت مهمة الترويج لرؤية 2030 أكثر صعوبة، بالنسبة للمستثمرين، فإن الموازنة بين المخاطر والمكافآت قد تغيرت، وبعبارة أخرى فإن خطر ضرر السمعة والعلاقات السلبية يقاس الآن بشكل أكبر".
ووفقا لشخصين قريبين من العائلة المالكة، تحدثا لـ"بلومبرغ"، فإنه نتيجة للأزمات التي تسبب فيها ولي العهد يقوم الملك "سلمان" بدور أكثر نشاطا، حيث عزل الملك أحد كبار مستشاري "محمد بن سلمان"، في حين أمر باحتجاز 18 متورطا بقضية "خاشقجي".
وزادت الوكالة الأمريكية أن أحاديث تتردد في الرياض بأن شقيق الملك الأمير "أحمد"، الذي عاد إلى المملكة يوم الثلاثاء الماضي من لندن، قد يكون أحد أولياء العهد أو قد يتم تعيينه في منصب رفيع، في محاولة للحد من نفوذ "محمد بن سلمان".
وذكرت الوكالة أن كل الجهود التي بذلتها الرياض لتحسين صورتها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 ذهبت سدى مع قيام 15 مسؤولا سعوديا بتفيذ اغتيال "خاشقجي".
وفي هذا الصدد قال أحد السعوديين للوكالة إن هذه الجريمة عززت الصورة النمطية السلبية المأخوذة عن السعودية حول العالم.
وبالنسبة للولايات المتحدة الحليف الذي طالما كان الأكثر أهمية للسعودية، فقد جعلت واشنطن تنظر إلى الرياض باعتبارها حليفا يجب الحذر منه، كما قالت "سوزان رايس" مستشارة الأمن القومي في عهد "أوباما" في ولايته الثانية.
وكتبت "رايس": "هذه السلسلة من الجنون تظهر أن ولي العهد لم يعد شريكا موثوقا للولايات المتحدة وحلفائها"، داعية إلى وجوب معاقبته مباشرة، لأن الاكتفاء باستهداف المحيطين به سيؤدي إلى أن يتجرأ أكثر على اتخاذ إجراءات متطرفة.
كما أنه سيستمر في توجيه بلاده نحو الهاوية، ولو قامت أمريكا بمعاقبته، فمن المرجح أن يتهور أكثر بهدف إثبات استقلاليته وانتقامه الصارم ضد شركائه الغربيين السابقين.