صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية - ترجمة منال حميد-
تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن فترة استياء كبير من قبل الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، تجاه ولي عهده آنذاك سلمان بن عبد العزيز، بسبب توجهه نحو تقليد ابنه محمد مناصب حساسة في المملكة، رغم صغر سنه، وقلة خبرته.
ونقلت الصحيفة في تقرير بعددها الصادر، اليوم الثلاثاء، عن مصدر دبلوماسي غربي سابق أن الملك الراحل، قام بتشكيل محكمة ملكية للنظر في قيام بن سلمان في استثمارات كبيرة في سوق الأسهم، حيث أدانته ووجهت اللوم له.
وبينت الصحيفة أن حالة من الغضب الشديد أصابت الملك الراحل، بعد قيام بن سلمان بفصل عدد كبير من الضباط في وزارة الدفاع كونه مستشاراً أعلى لوزيرها، مؤكدةً أنه أصدر أمراً بمنعه من دخول هذه الوزارة .
وأرجعت الصحيفة الأمريكية، موجة الاعتقالات الكبيرة التي طالت أبناء الملك عبد الله، بعد وفاته من قبل بن سلمان، إلى حملة انتقام منه ضد أبناء الراحل، كعقوبة على ما قام به والدهم حين كان ملكاً وعاقبه على عدد من تجاوزاته.
وذكرت الصحيفة أن الخلاف بين أبناء الملك الحالي سلمان والراحل عبد الله تعود لسنوات عديدة، ولكنها برزت بعد صعود بن سلمان السريع إلى السلطة.
وكانت أبرز الخلافات حول وصول بن سلمان، هو غضب الأمير تركي بن عبد الله بعد سيطرته على وحدة التحقيق الخاصة بوزارة الداخلية التي يمكن استخدامها لتلفيق كل التهم، كما عبر عن ذلك شخص مقرب من العائلة.
وأوضحت الصحيفة أنه بمجرد وصول بن سلمان إلى الحكم، انتقم من أبناء الملك، من خلال اعتقاله الأمير متعب بن عبد الله (65 عاماً) الذي كان قائد الحرس الوطني، والذي أقيل من وظيفته، و الأمير فيصل بن عبد الله (40 عاماً)وهو رئيس سابق لهيئة الهلال الأحمر السعودي، والأمير مشعل بن عبد الله، المحافظ السابق لمكة المكرمة.
ويرى العديد من الأشخاص الذين لهم علاقات بالعائلة المالكة إن تركيز بن سلمان على عائلة عبد الله كان جزء من مساعيه لتهميش منافسيه والاستيلاء على السلطة وعلى صندوق مؤسسة الملك عبد الله الذي يشرف عليه الأمير تركي والذي تقدر قيمته بنحو 20 مليار دولار.
وتشير الصحيفة إلى أن الملك سلمان بدأ بتهيئة ابنه للعب أداور كبيرة منذ أن كان أميراً على منطقة الرياض، حيث عينه مستشارا كبيراً وهو لا يزال في العشرينات من عمره، وعندما أصبح سلمان ولياً للعهد عام 2012، وكان وقتها يشغل منصب وزارة الدفاع، فعين ابنه مستشارا أعلى له.
وإلى جانب التوترات العائلية بين أجنحة آل سعود، أكد بعض المراقبين، أن بن سلمان قام بعمليات تصفية ضد عائلات سعودية ثرية، بعضها يعود لمنافسات إقليمية تاريخية لعبت دورا في تلك الاعتقالات.
ونقلت الصحيفة عن المؤرخ البريطاني روبرت لاسي قوله إن: " هذه العائلات هي التي ساعدت عبد العزيز في توحيد البلاد وبناء الدولة في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، واليوم يعاملون كمجرمين".
تواصل الاعتقالات
وعن حملة الاعتقالات ضد أبناء العائلة المالكة في السعودية والنخب، أكدت صحيفة "واشنطن بوست" أن 45 شخصاً لا يزالون معتقلين بأمر من ولي العهد بن سلمان، رغم حديثه عن وجود 10 فقط داخل السجون.
وبينت الصحيفة أن من بين المعتقلين، أمراء، وأثرياء، ووزراء ومسؤولين، وهو ما عرف عنهم بمعتقلي حادثة الريتز كارلون.
ونوهت الصحيفة أن من بين المعتقلين الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز، وهو طيار مقاتل وحاصل على درجة علمية متقدمة في هذا المجال من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وكان يعتبر الحاكم القوي لمدينة الرياض، ثم المدير التنفيذي لمؤسسة الملك عبد الله التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات والتي تمول أعمالاً خيرية حول العالم.
ويتهم بن سلمان تركي بعقود فساد تتعلق ببناء مترو الرياض، وهو محتجز دون أي تهم رسمية، كما قُبض على رئيس أركانه، الجنرال علي القحطاني الذي توفي أثناء الاعتقال في ظروف غامضة، وفق الصحيفة.
وأوضحت أن من بين المعتقلين الذي تم الافراج عنهم مؤخراً الأمير خالد بن طلال، (56 عاماً)، شقيق الوليد، وابن عم محمد وتركي، وهو رجل أعمال بارز ورجل محافظ، عارض ما قام به بن سلمان من تغييرات لتقليص نفوذ المؤسسة الدينية الفاعلة في البلاد.
وحول اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية، وموجة الغضب الدولي تجاه بن سلمان بسببها، أكدت الصحيفة أنه سيعمل على تلميع صورته من خلال الافراج عن المزيد من المعتقلين لتهدئة الرأي العام الدولي، وإرضاء الولايات المتحدة.
ويرى المعارض السعودي المقيم في لندن، يحيى عسيري، أن بن سلمان يتعرض لضغوط من أجل الافراج عن المعتقلين في السعودية، مشيراً إلى أن الافراج عن الأمير خالد هدفه تدعيمه داخل الأسرة الحاكمة.
ويعتقد آدم كوغل، الباحث في الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش أن ولي العهد السعودي بإفراجه عن الأمير خالد يحاول أن يظهر تماسك الاسرة الحاكمة.
ويرى أحد المقربين من العائلة الحاكمة، أن بن سلمان يعتقد ان هذه الشخصيات قوتها وسطوتها تأتي من مالها، وإذا جردتها من المال تكون قد سلبت قوتها.
وكان العديد من معتقلي الريتز قد وافقوا على تسليم جزء كبير من ثرواتهم مقابل الافراج عنهم. ويرى محللون أن ما تسرب من تقارير حول عمليات التعذيب التي تعرض لها معتقلو الريتز تمثل جانباً وحشياً غير معهود في السعودية، وهي خطوة أراد من خلالها بن سلمان ان يرسخ سطوته، وهو أمر يتماشى مع ما فعله ولي العهد مع المئات من معتقلي الرأي والدعاة والنشطاء.
وينكر مسؤولون سعوديون وجود حالات تعذيب، مؤكدين أن السعودية لا تلجأ إلى مثل هذه الأفعال.
ومن بين الأشخاص الذين مازالوا رهن الاعتقال وهم ليسوا من العائلة السعودية المالكة، وفق الصحيفة عادل فقيه، (59 عاماً)، ووزير الاقتصاد والتخطيط السابق، ووليد فتيحي، (54 عاماً) وهو طبيب بارز وكان لديه برنامج تلفزيوني طبي شهير واسس مستشفى في جدة ويحمل الجنسية الأمريكية.
وأضافت:" كما لا يزال يعتقل عمرو الدباغ (52 عاماً) رئيس مجموعة الدباغ ومقرها جدة والرئيس التنفيذي السابق لهيئة الاستثمار السعودية، ومحمد حسن العمودي، (72 عاما)، وهو رجل أعمال سعودي اثيوبي يملك موجودات مالية تتجاوز 8 مليار دولار ولديه استثمارات بمصفاة نفط سويدية".