ملفات » الطريف إلى العرش

بدعمه بن سلمان.. ترامب يُعيد "مخلب القط" و"ديكتاتور الكونغو"

في 2018/11/22

أليف عبدالله أوغلو - الخليج أونلاين-

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سجل التاريخ إلى مواقف دعم بلاده لديكتاتوريين شهدتهم حقبة الستينيات والسبعينيات من أجل مصالحها، وذلك بدعمه لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المتورط بجرائم إنسانية.

فترامب تعهد، الثلاثاء (20 نوفمبر)، بأن يظل "شريكاً راسخاً" للسعودية، وذلك على الرغم من معرفته باحتمالية تورط بن سلمان في قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، ومن قبلها مسؤوليته عن جرائم إنسانية نسبت إليه، وانتهاكات داخل المملكة وخارجها.

وعقب تصريحاته المثيرة للجدل، والتي تصدرت صحف يوم الأربعاء (21 نوفمبر)، بدا ترامب وهو يواصل دعم بن سلمان في موقف مشابه لما حصل سابقاً من دعم أمريكا لزعماء ديكتاتوريين بحجة أن وجودهم يضمن استقرار بلادهم، أمثال "موبوتو سيسي سيكو" في الكونغو، و"أوستو بينوشيه" في تشيلي.

وانتقدت "كارين عطية"، مسؤولة صفحة الرأي في صحيفة "واشنطن بوست"، أولئك الذين يجادلون بضرروة بقاء ولي العهد السعودي، بزعم "أنها مصلحة وأهمية لاستقرار المنطقة".

وقالت عطية: "مثل هذا الكلام سمعناه سابقاً عن آخرين مثل سيسي سيكو وبينوشيه، حيث أوهم أولئك الزعماء الديكتاتوريون أن وجودهم ضمانة للاستقرار، وهو نفس ما يروجه أنصار بن سلمان للغربيين".

وبدا ترامب في موقف معارض على نحو صارخ للقيم والمبادئ الأمريكية، والأخلاق وحقوق الإنسان التي نص عليها دستور بلاده، ما أثار غضب العديد من السياسيين المرموقين ببلاده، وأعاد النظر إلى تاريخ أمريكا.

- ديكتاتور لـ37 عاماً

التحق الرئيس السابق للكونغو سيسي سيكو بجيش بلاده، وتولى رئاسة الأركان عام 1960، وقيادة الجيش عام 1961، وصار هو الحاكم الفعلي للبلاد.

وحظي سيسي سيكو بدعم أمريكا عام 1966، حين استولى على السلطة، وتولى رئاسة الدولة والحكومة، وأجرى تغييرات كثيرة في التنظيم الحكومي والسياسي وحلّ البرلمان، ومنع الأحزاب.

وفي 1967 أعلن  قيام "الجمهورية الكونغولية الثانية" القائمة على أساس دستور رئاسي يحصر السلطة الفعلية بشخصه، وانتخب بموجبه في 1970 رئيساً للجمهورية بنسبة 100% من الأصوات.

وتعرض حكم موبوتو لمعارضة مسلحة، لكنه استطاع القضاء عليها بفضل الدعم الأمريكي الهائل الذي تجاوز حدود القواعد العسكرية الأطلسية والمعونات العسكرية والتدريب.

واستمر رئيس الكونغو السابق في الحكم حتى عام 1997، حيث أطاحت به ثورة مسلحة بقيادة لوران كابيلا الذي تولى الرئاسة بعده.

- الضلع الأمريكي الخفي

أما الضلع الأمريكي الخفي، الجنرال أوغستو بينوشيه، الذي كان يعمل لحساب الولايات المتحدة في تشيلي، فقد تخلص من رئيس بلاده الزعيم الاشتراكي سلفادور الليندي عام 1973، بإطلاق الرصاص عليه تلبية لطلب واشنطن.

ولقب البيت الأبيض بينوشيه بعدها بـ"مخلب القط"، لأنه قطع أنفاس الرئيس المناهض للسياسات الأمريكية، والذي كان يهدد مصالحها، ليبدأ بعدها مشوار رئاسته ممتداً إلى 17 عاماً.

الزعيم الثوري الليندي كان يتبع سياسة ضرب مصالح أمريكا في جمهورية تشيلي نصرة للفقراء من شعبه، وعمّق علاقاته مع الاتحاد السوفييتي وكوبا، ما جعل مصالح واشنطن في خطر.

وسَعت واشنطن لإنقاذ مصالحها عبر الاتفاق مع بينوشيه، الذي كان حينها قائد الجيش، إذ حاصر القصر الرئاسي بدباباته مطالباً الرئيس بالاستسلام أو الهرب قبل أن يقتحم القصر.

وعقبها حكم بينوشيه البلاد، وحوّلها إلى "سجن كبير" بناءً على الإملاءات الأمريكية وتماشياً مع مصالح واشنطن بالمنطقة.

وكان مسؤولاً عن قتل أكثر من 3 آلاف مدني وسجن عشرات الآلاف، ما أدى إلى تصدع الصفوف في تشيلي، ونشوء معارضة ضده. 

هذه المعارضة شكلت حركة احتجاجية كبيرة في البلاد، ونشأت على أثرها الحركات العمّالية عام 1983، وكانت أمريكا تراقبها خوفاً على مصالحها في تشيلي، وعقبها أجريت انتخابات رئاسية.

وفاز في انتخابات تشيلي الرئاسية آنذاك زعيم المعارضة ريكاردو لاغورس، وذلك بحصوله على الأغلبية المطلقة، والتي حكمت برحيل بينوشيه عن السلطة عام 1990.

- مصالح أمريكا

وفي هذه الأيام يعيد ترامب دعمه لولي العهد السعودي الذي اشتهر بالعديد من الألقاب دولياً؛ ومنها: "زعيم ديكتاتوري"، "الدب الداشر"، "أبو منشار"، "متهور"، "طائش"، "مريض نفسي"، "عدواني".

ووثقت العديد من المنظمات الدولية جرائم تورطت بها السعودية بعد ظهور بن سلمان، إذ تورط في حرب اليمن التي خلّفت  العديد من الضحايا المدنيين، وما زالت تهدد الملايين.

كما اعتُقل في عهد بن سلمان آلاف المعارضين السعوديين، في حين طالبت منظمات حقوقية دولية بالإفراج عنهم، إلا أن ولي العهد لم يستجب. 

وبعد مقتل خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول من قبل فريق اغتيال مقرب من بن سلمان، طالبت دول عدّة بمحاكمة ولي العهد إثر تورطه بشكل كبير في هذه العملية. 

وعلى الرغم من هذه المطالبات وتأكيد المخابرات الأمريكية المركزية ضلوع بن سلمان في الاغتيال، فإن ترامب ما زال يحارب من أجل المحافظة على علاقته مع السعودية. 

محاربة ترامب بررها بالمصالح الأمريكية التي تأتي من السعودية كـ"حليف قوي"، إلا أنه بذلك يكون قد ضرب بالمعايير الأخلاقية الأمريكية عرض الحائط، وكرر ما فعلته بلاده عبر التاريخ سابقاً.

ومن غير المعروف إلى أي مدى سيدعم ترامب حليفه السعودي ضد كل من يطالب بوقف هذا الدعم، سواء من المسؤولين الأمريكيين أو الزعماء في الدول الأخرى.

ووفق القراءة بالتاريخ الأمريكي، فإنه في حال وجدت أمريكا مصالحها لا تتقاطع مع السعودية، قد يكون مصير بن سلمان كمصير التشيلي بينوشيه، وتتخلى عنه متجهة إلى ما يخدم مصلحتها.