فؤاد السحيباني- خاص راصد الخليج-
يستطيع أي متابع للشأن العربي، والخليج خصوصًا، أن يقول باطمئنان، أن ساعة الأزمة بالنسبة للنظم الحاكمة في الخليج حلت بالفعل، لا راد لها من تحالفات أو سلاح، ولا تأجيل يمكن أن تمنحه بعض التنازلات الإصلاحية المؤقتة، فالدول المرسومة على الخرائط، قبل أن ترى النور على الأرض في الجغرافيا، مدعوة لأن تأخذ خطواتها الآن بنفسها، قبل أن تقوم الشعوب بذلك.
عمليات الترقيع، التي جرت وتجري، بدفع من رغبة حاكم في الترويج الغربي لنفسه، فشلت بشكل ذريع، خلال الفترة التي أعقبت الربيع العربي، وباتت التطلعات الشعبية مع صدامها الدائم بالإحباط تنظر لأبعد من إصلاح جزئي في الإطار ذاته، الذي يحكم عملية السيطرة وصنع القرار، وأصبح التغيير فريضة، لن تصل بالمساومة عليها إلا إلى تغيير شامل وكامل.
والبداية من المملكة السعودية، السابقة إلى عمليات إصلاح اقتصادي واجتماعي، غير مسبوقة في تاريخها، تزامنت –ليس صدفة بالتأكيد- مع التصعيد الصاروخي لولي العهد الحالي، الأمير محمد بن سلمان، خلال إعلان توليه مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وهو المجلس المختص بإصلاح الاقتصاد والتنمية، يهدف تنسيقها ووضعها في إطار يساعد الدولة على توحيد توجهاتها بكل ما يتعلق بشؤون الاقتصاد والتنمية، وبالشكل الذي يمنع الازدواجية، ويحقق مزيدًا من الارتباط بين الوزارات المعنية بأعمال المجلس، والمنشأ في يناير من عام 2015، أي منذ 3 أعوام كاملة.
والمجلس الذي عهد إليه وضع ملامح المستقبل للدولة، والبحث عن مرتكزات مالية جديدة تقلل من الاعتماد الكلي على الصادرات النفطية، إضافة إلى تنويع الاقتصاد من خلال ابتكار واستحداث مشاريع جديدة، بدأ عمله باجتذاب مؤسسات تطوير دولية، رسمت ووضعت وخططت لمستقبل الاقتصاد السعودي، ودشنت خطط مثل "التحول الوطني 2020"، و"رؤية المملكة 2030".
وبعد 3 سنوات، يصبح التقييم ضرورة لازمة، إذ أن الخطوات والموارد اللازمة للعمل، قد توفرت تمامًا، فلا تأخير يمكن أن يقف أمام تأشيرة الملك أو ولي العهد، وكل من على قمة مسرح السياسة قد سقطوا أو ابتعدوا، وكل جهات الدولة قد جندت لتحقيق الأهداف التي وضعها ولي العهد، كميثاق عمل وطني، يريده إنجازه الأكبر، قبل صعوده المنتظر إلى سدة الحكم,
وبعيدًا عن الترفيه والرياضة، التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ويستطيع أي نظام حكم يملك الموارد أن يأتي بأفضل رياضي في العالم للاستعراض أمام شعبه، كما فعل ديكتاتور زائير سابقًا –الكونغو حاليًا- موبوتو سيسيكو، حين استضاف "مباراة القرن" في ملاكمة الوزن الثقيل، بين أسطورة اللعبة على مر العصور محمد علي كلاي، وجورج فورمان، على لقب بطل العالم، وتكلفت 50 مليون دولار، وقتذاك، لم ينفقها "سيسيكو" لإطعام شعبه الجائع، أو لبناء مستشفى، أو إنشاء مدرسة، قائلًا: "إن العالم كله سيعلم بعد هذه المباراة أن هناك دولة مهمة اسمها زائير"!.
لكن الوضع في المملكة مختلف، والزمن قد جاوز السبعينات، بكل ما فيها، ومباراة من هذا النوع قد تشغل مواقع التواصل الاجتماعي، بل وتشعلها، لكنها لن تكفي أبدًا للتغطية على فشل خارجي، اتضحت معالمه في اليمن وسوريا، وعجز داخلي، يظهر في حسابات موازنة تتراجع إيراداتها الهائلة أمام مصروفات جنونية عامًا بعد الآخر.
وتشير بيانات الموازنة للعام الحالي 2019 إلى أن العجز سيرتفع فوق مستوى تقديرات الحكومة السعودية، حيث توقعت أرقام الإيرادات والمصروفات انكماش العجز بهامش بسيط فقط إلى 131 مليار ريال، أو ما يعادل 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي لسنة 2019.
والخطر الأكبر على الموازنة يأتي من عدم معاودة أسعار النفط للارتفاع، خلال العام الحالي على الأقل، إذ من المرجح أن يرتفع العجز إلى حدود 10%، لو استمرت المصروفات بنفس وتيرة ارتفاعها الحالي، خصوصًا العقود العسكرية المستقبلية، والموقعة بالفعل.
وتواجه وزارة المالية خطر عدم تحقيق المستوى المستهدف لعام 2023، والمتمثل في القضاء على العجز بهامش كبير، مما قد يجدد مخاوف الأسواق بشأن متانة الأوضاع المالية للمملكة، أو التعرض لضغوط لتبني إجراءات تقشف قاسية الفترة من 2020 إلى 2023 لتحقيق المستهدفات المعلن عنها سابقًا.
ومع استمرار تأثير القضايا الخارجية، وفي مقدمتها حرب اليمن، وتداعيات مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، فإن الاستثمارات الأجنبية لا ترغب حتى الآن في المجيء إلى هنا، وبالتالي فإن خطط توفير وظائف لملايين العاطلين من المواطنين تبقى قيد التأجيل، وهو ما يدفع بشدة إلى التحذير من عاصفة على الطريق.