ملفات » الطريف إلى العرش

التغييرات الحكومية السعودية تعزز سلطة الفرد الواحد.. ولكن

في 2019/01/04

عماد حرب - المركز العربي واشنطن دي سي-

ما يمكن استخلاصه من التعديل الوزاري الأخير، الذي أجراه الملك "سلمان" في المملكة العربية السعودية، هو أنه يأتي كخطوة على طريق تعزيز موقف ولي العهد، الأمير "محمد بن سلمان" كحاكم بلا منازع، في طريق صعوده إلى العرش.

ويجري هذا التغيير أيضا في الوقت الذي تعمل فيه المملكة على إعادة تأهيل صورتها وسمعتها في أعقاب الاضطراب الدولي الهائل الناجم عن مقتل الصحفي السعودي في "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالإضافة إلى العديد من قرارات السياسة الخارجية غير المستنيرة.

وفي الواقع، كان الغرض الرئيسي من التعديل هو المساعدة في إعادة توجيه الضغط الدولي على "بن سلمان"، الذي خاض في الآونة الأخيرة تجربة غير سارة في اجتماع مجموعة العشرين في الأرجنتين، حيث تجنب العديد من قادة العالم التفاعل معه.

وبعد أن خسرت على ما يبدو معركة العلاقات العامة، التي دارت بشكل أساسي في الخارج، لغسل يدي "بن سلمان" من دماء "خاشقجي"، ربما فكرت القيادة السعودية بأن إجراء تغيير حكومي قد يجلب المزيد من الموالين الذي قد يساعدون في تقوية مكانة ولي العهد المحلية، حتى يتمكن من مقاومة الضغط الدولي.

وفي حين مس التعديل جوانب عديدة من الحياة السعودية، كانت التأثيرات الأكثر أهمية في وزارة الشؤون الخارجية، ووزارة الحرس الوطني السعودي.

وتتعلق الأولى بعلاقات المملكة مع المجتمع الدولي، بينما تتعلق الثانية بركن مهم من أركان الاستقرار والولاء العائلي للأسرة المالكة.

مهمة" العساف"

وقد تم تحريك السفير السعودي السابق في واشنطن ووزير الخارجية، "عادل الجبير"، ليصبح وزير دولة للشؤون الخارجية، وحل محله وزير المالية السابق "إبراهيم العساف".

وسيواصل "الجبير" تقديم المشورة فيما يتعلق بالمصالح المتنوعة للمملكة في جميع أنحاء العالم، خاصة في الولايات المتحدة، حيث واجهت الرياض انتقادات لا هوادة فيها بشأن حرب اليمن، وكذلك بشأن سجلها في الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، فضلا بالتأكيد عن قتل "خاشقجي".

وفي هذه المعارك مع المجتمع الدولي، أظهر "الجبير" قدرة هائلة على التمسك برسالة الرياض بشأن مواجهة إيران، والحفاظ على العلاقات مع الحلفاء، خاصة الولايات المتحدة، والدفاع عن التدخل في اليمن، وإنكار مسؤولية "بن سلمان" عن قتل "خاشقجي".

لكن كانت مهمته شبه مستحيلة بالنظر إلى تقلب الرأي العام الدولي حول الأعوام القليلة الماضية من السياسات السعودية الداخلية والخارجية، والتي رسمها ونفذها ولي العهد ومجموعة من مستشاريه غير المتمرسين.

وربما كان ما لم يستطع "الجبير" الترويج له بشكل جيد هو بيع "رؤية 2030" للخارج، وتأمين الاستثمارات الأجنبية اللازمة لمشروعاتها العديدة. وقد يكون لدى العساف، على الأرجح، أوراق الاعتماد المطلوبة للفترة المقبلة.

وقد كان "العساف" على دراية بالأمور المالية للمملكة العربية السعودية لأكثر من عقدين من الزمن، ويدرك المقايضات المطلوبة بين الاقتصاد الريعي في المملكة، وعقدها الاجتماعي، وعلاقاتها بين التجارية، ومعايير التعاقد الدولية.

ويمكن القول إن طول فترة ولايته سيعتمد على مدى نجاحه في الوظيفة التي كان "الجبير" قد حاول أداءها دون جدوى، من خلال جذب الدعم اللازم الذي يحتاج إليه برنامج التنويع الاقتصادي الطموح.

ويعرف "العساف" مركزية العائلة المالكة، وعلاقة الدولة السعودية بالموارد الهيدروكربونية، باعتبارها الركائز الأساسية للاستقرار الاقتصادي. كما يدرك أهمية العقد الاجتماعي بين الحاكم، باعتباره الراعي، والمحكوم كمستهلك، لا ينبغي له أن ينشغل بالصيغة السياسية للمملكة الهادفة للخصخصة والتحول الاقتصادي.

وأخيرا، تسمح له خبرته المالية، ومعرفته بالمؤسسات والقواعد والمعايير النقدية الدولية، بجلب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها، وغني عن القول إن هذه المهمة لن تكون سهلة بالنظر إلى السمعة السيئة التي تحيط بـ "بن سلمان" كحاكم متهور ذو رأي أوحد. 

إعادة تشكيل العلاقات

ومن ناحية أخرى، يظهر تغيير قيادة "الحرس الوطني" نية واضحة لإعادة تشكيل العلاقات داخل العائلة المالكة، من أجل منع المعارضة تماما، وتأمين الولاء القبلي لفرع "سلمان" وقائده المنتظر "محمد بن سلمان".

وفي الترتيب السياسي السعودي السابق، كان "الحرس الوطني" إقطاعية وقاعدة دعم للملك الراحل "عبد الله" (2005-2015)، وابنه "متعب بن عبد الله"، إلى أن تم اتهام الأخير بالفساد وإقالته في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. وكان قد حل محله الشاب الصغير، "خالد بن عبد العزيز العياف"، وقد حل محل هذا الأخير، في التعديل الجديد، نائب أمير منطقة مكة، الأمير "عبد الله بن بندر"، الذي ليس لديه مؤهلات خاصة أو مكانة، ومن المرجح ألا يسبب أي صداع لولي العهد.

وقد سبقت الإطاحة بـ "متعب" إزالة ولي العهد السابق "محمد بن نايف"، ابن شقيق الملك "سلمان"، الذي سيطر أيضا على وزارة الداخلية، وهي معقل والده "نايف"، لعقود.

وتم استبدال "بن نايف" كوزير للداخلية، ليحل محله ابن أخيه الصغير وغير المعروف، "عبد العزيز بن سعود". وقد تسبب اختفاء "متعب بن عبد الله" و"محمد بن نايف" من المشهد، وصعود "بن سلمان"، في حرمان جميع الأفرع الأخرى داخل العائلة المالكة من أي وضع مؤسسي أو تاريخي.

بالإضافة إلى ذلك، تتم إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية الأخرى بهدف وضع جميع السلطات بشكل كامل في يد ولي العهد. وإذا كان لأحداث الـ "ريتز كارلتون"، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أي دلائل، فهي أن "بن سلمان" لا يبدي أي تهاون بشأن استخدام سلطاته الواسعة ضد جميع المعارضين والنقاد في العائلة المالكة، أو في المجتمع الأوسع.

وفي الواقع، يبدو تعديل الملك "سلمان" في وزارتي الشؤون الخارجية والحرس الوطني كأي عمل آخر قام به منذ صعد إلى الحكم، وهو مساعدة ابنه على إرساء حكمه كفرد واحد مطلق. ويؤكد اختيار "العساف" على وجود رغبة لتعزيز محفظة السياسة الخارجية كمؤسسة إعلانية لخطة ولي العهد الاقتصادية، بينما يؤكد تعيين "بن بندر" اليقين بأنه لا يمكن لأي عضو ملكي آخر حشد سلطة تتحدى "بن سلمان".

ويبقى الوقت فقط هو الحائل الوحيد لنعلم إذا كانت خطوات "سلمان" ستجدي، لكن العائق الرئيسي أمام خطته يظل مزيجا من الموقف الدولي السيئ لـ "بن سلمان"، وسجله في خنق أي معارضة لبرامجه المحلية وسلطته الاستبدادية.

والأهم من ذلك، أن أفضل طريقة حاول بها الملك "سلمان" تحويل الانتباه المتواصل عن مسؤولية "بن سلمان" عن قتل "جمال خاشقجي" لن تنجح على الأرجح.

وفي حين يصر المجتمع الدولي على الشفافية الكاملة في هذه القضية، التي لم تتعاون فيها الرياض حتى الآن، تواصل تركيا، حيث وقعت جريمة القتل، التحقيق الخاص بها، وتضغط من أجل تحقيق دولي تحت إشراف الأمم المتحدة.

ومن المؤكد أن تطلعات "بن سلمان" المستقبلية، وخططه الكبرى، سوف تتعرض دوما للتدقيق بسبب مسؤوليته عن إسكات أحد منتقديه بلا رحمة، وذلك على الرغم من مساعي الملك "سلمان" ومحاولاته.