ميشيل سيوفوليتي - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
"انتبه لي بس خل بالك علي.. حطني مابين رمشك والعيون.. ترى من دونك حياتي ولا شي.. وأنا من دونك حبيبي وش أكون"، هكذا يغني المغني العراقي، الذي تحول إلى السعودية، "ماجد المهندس"، أغنيته الأخيرة "انتبه"، التي تدور حول الرومانسية، لكن الشاعر الذي يقف وراء الكلمات قد يكون مفاجئا، فالكاتب هو نفس الرجل الذي يُنظر إليه كشخصية بارزة في صعود القومية في المملكة العربية السعودية، وشريك مقرب من ولي عهدها المحاصر بالانتقادات.
ومع غالبية من الشباب، تحولت المملكة إلى أشكال جديدة من التواصل للوصول إلى سكانها. ويعد أحد أكثر القادة تأثيرا في هذه الحملة هو "تركي آل الشيخ"، وهو أحد أصدقاء الطفولة لولي العهد "محمد بن سلمان".
ويعد "آل الشيخ" شخصية بارزة في الدائرة الداخلية القريبة من ولي العهد. وهو مستشار لدى الديوان الملكي، وكان رئيسا للهيئة العامة للرياضة إلى أن تم تعيينه مؤخرا رئيسا للهيئة العامة للترفيه.
الشعر والقومية
ويعد الشعر جزءا كبيرا من الثقافة في دول الخليج. وفي الآونة الأخيرة، ظهر فيديو للملك "سلمان بن عبدالعزيز" وهو يبكي، حيث كان هو وولي العهد يستمتعان بقصيدة شعرية تقليدية خلال أحد الاحتفالات. ولعدة قرون، تم استخدام الشعر لمعالجة القضايا السياسية والقبلية والقومية. ولعب الفن التقليدي من الشعر "النبطي" دورا مهما في تشكيل الأغاني الشعبية في جميع أنحاء منطقة الخليج.
ويعطى الشعراء تقديرا كبيرا في دول الخليج، ويتم بث برامج شعبية، مثل "شاعر المليون"، على قنوات مثل "إم بي سي"، وغالبا ما يتنافس الشعراء على غناء كلماتهم من قبل المطربين الشعبيين.
وفي أوائل عام 2017، أقامت المملكة أولى حفلاتها العامة الكبيرة منذ أعوام. وتمثل استضافة مثل هذه الفعاليات، التي تقدم مجموعة متنوعة من الموسيقى، جزءا رئيسيا من الإصلاحات الاجتماعية في إطار أجندة الترفيه الخاصة بـ "رؤية 2030".
وفي حين كان عزف الموسيقى في الأماكن العامة موضوعا مثيرا للخلاف منذ فترة طويلة، كان يتم دوما الاستمتاع بالموسيقى من المنطقة وخارجها في خصوصية داخل المنازل، بما في ذلك الحفلات الخاصة للنخبة. لكن هذا الانفتاح الجديد على العروض العامة قد وسع نطاق صناعة الموسيقى.
دور الأغاني في السياسة
وفي يونيو/حزيران 2017، بدأت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر مقاطعة قطر المجاورة، بسبب مجموعة من القضايا القديمة. وفي خضم النزاع، انتشرت الأغاني من فنانين خليجيين بارزين يروجون لموقف الحكومة السعودية ضد قطر. وفي حين كان "آل الشيخ" صريحا عبر صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به، فإنه تحول أيضا إلى فكرة تسجيل موقفه عبر الأغاني، بتكليف أكثر المطربين شهرة في المنطقة.
ومن بين هؤلاء "عبدالمجيد عبدالله"، أحد أشهر المطربين في المملكة، الذي صدرت أغنيته "من مثلك" قبل 3 أشهر، وحصدت بالفعل أكثر من 29 مليون مشاهدة على قناته الرسمية. وفي سبتمبر/أيلول 2017، أصدرت "روتانا"، أكبر شركة تسجيلات في العالم العربي أغنية "علم قطر"، وهي أغنية كتبها "آل الشيخ"، وغناها "عبدالله" و6 مغنين بارزين آخرين من المنطقة، والتي تدعم وجهة نظر المملكة العربية السعودية.
ولا يقتصر استخدام المطربين الشعبيين في سياق السياسة الخارجية على النزاع مع قطر. وفي مواجهة النزاعات أو غيرها من النقاشات حول السياسة الخارجية، غالبا ما يطلق الفنانون الرئيسيون أغانٍ لدعم حكوماتهم.
ويتم أيضا إطلاق الأغاني الشعبية بالتزامن مع وصول القادة الأجانب إلى المملكة. ورحب عرض "حييهم" بالوفد الأمريكي، متفاخرا بكرم الضيافة العربية، حيث شمل المقاطع الغنائية باللغتين العربية والإنجليزية، خلال زيارة الرئيس "دونالد ترامب" الرسمية إلى الرياض.
وتردد بعض الكلمات باللغة الإنجليزية ترويجا لـ"رؤية 2030"، وتكون هذه الأغاني مصحوبة بمقاطع فيديو موسيقية حية تعرض زيارات الدولة وولي العهد والملك، وغالبا ما تُغنى باللهجة السعودية.
أنت ملك
ولعل أكثر الأغاني القومية شهرة هي "عاش سلمان"، التي غناها "عبدالله" و"راشد الماجد"، و"أنت ملك"، من غناء "رابح صقر".
وجذبت "عاش سلمان" نحو 20 مليون مشاهدة، و"أنت ملك" 27 مليون مشاهدة، على "يوتيوب"، فقط على قنوات الفنانين الرسميين.
وفي حين يتم غناء الأغاني في احتفالات العيد الوطني، فهي أيضا شعبية على نطاق واسع في جميع الشوارع. وتعد هذه الأغاني هي الأناشيد غير الرسمية للمملكة. وروجت السعودية مؤخرا لسلسلة الحفلات التي رافقت أحد سباقات الفورمولا "إي"، التي تمت إقامتها في مدينة "الدرعية".
وضمت الفعاليات فنانين عالميين مثل "إنريكي إغليسياس"، و"عمرو دياب"، وفريق "بلاك آيد بيز"، بينما رقصت على الأنغام حشودا مختلطة من الجنسين. وفي واحدة من الحفلات الموسيقية الأخيرة في هذه الفعالية، شغل دي جي "ديفيد غيتا" الفرنسي نسخة إلكترونية من "عاش سلمان".
وبينما يستمتع الكثير من الناس بالاستماع إلى هذه الأغاني، فإن المجتمع السعودي، مثله مثل أي مجتمع آخر، يضم مجموعة متنوعة من الأذواق الموسيقية، من الأغاني التقليدية إلى موسيقى الراب مرورا بالبوب.
وفي حين أن بعض هذه الأغاني هي بلا شك تعد شكلا من أشكال الدعاية، إلا أن انتشار هذه الأغاني التي تغذي المشاعر القومية يعد أمرا قويا للغاية، في ضوء السياسة الجديدة المتمثلة في السيطرة على المجال العام واختراق وسائل التواصل الاجتماعي.
ولا تأتي شعبيتها واسعة الانتشار فقط بسبب كلمات الأغاني، ولكن للشهرة والشعبية المطلقة التي يتمتع بها المطربون في جميع أنحاء المنطقة.
وفي أي احتفال وطني رسمي تقريبا، يحتمل أن يكون هؤلاء المغنون حاضرين. وبمعنى آخر، لقد نجحت الحكومة السعودية في جعل الموسيقى القومية أكثر عصرية.
ومن نواح عديدة، يدين هذا التقليد بالكثير لمصر في ستينيات القرن الماضي، عندما أضافت المغنية الشهيرة "أم كلثوم" أغنيات قومية لموسيقاها الأوبرالية التقليدية للاحتفال بمبادرات الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي للرئيس "جمال عبدالناصر".
وفي الوقت الذي كانت فيه هذه الأغاني تعالج قضايا مصرية، فإنها أصبحت شائعة في جميع أنحاء العالم العربي، بسبب شعبية "أم كلثوم".
ولا يقتصر صعود الأغاني القومية في موسيقى البوب الخليجية على نفوذ "تركي آل الشيخ". ومع ذلك، وباعتباره مقربا من ولي العهد، فإن لنفوذه في مجتمع الموسيقى أهمية خاصة.
ولا يمكن التقليل من أهمية شخصية عضو في الدائرة الداخلية لـ "محمد بن سلمان" في المشهد الموسيقي السائد، خاصة الآن بعد أن أصبحت الأمور علنية.
وتعد الموسيقى عنصرا مؤثرا في أي مجتمع، ولا سيما في أوقات التغيير الاجتماعي، والمملكة ليست استثناء.