ملفات » الطريف إلى العرش

الوظائف ستحدد مستقبل حكم بن سلمان

في 2019/03/02

فاينانشيال تايمز-

يجيب "فهد الشهراني" على هاتفه وعينيه تلمعان، مثل شخص قد أحرز انتصاره الأول للتو. وكان الرجل، البالغ من العمر 27 عاما، متحمسا لكيفية تحول ديناميكيات سوق العمل السعودي، حيث يشرف ولي العهد "محمد بن سلمان" على ما يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه أكبر حملة في المملكة لتأمين التوظيف في القطاع الخاص للشباب السعودي. وقبل ذلك، كان يرسل سيرته الذاتية إلى 30 شركة ولا يتلقى أي ردود، كما يقول.

وفي مشهد آخر، في متجر الساعات نفسه الذي التحق به "الشهراني" للتو، حيث بدأ الشباب السعوديون يقبلون للعمل هناك قبل شهر واحد فقط، يلاحظ "نضال شعبان"، المدير السوري للمتجر، أن أحدث موظفيه يبحث عن وظيفة أفضل. وقد تمت إضافة متاجر الساعات من بين 12 قطاعا للبيع بالتجزئة، تتراوح من محال النظارات الطبية إلى منافذ قطع السيارات، أضيفت إلى ما يسمى برنامج "السعودة"، في نوفمبر/تشرين الثاني، وهو ما يعني أن المواطنين السعوديين يجب أن يمثلوا 70% على الأقل من موظفيها. ويعرف مدير المتجر أن سياسة الحكومة، على الأقل حتى الآن، تعمل لصالح "الشهراني" وأقرانه.

ومع ذلك، يتناقض تفاؤل "الشهراني" مع العقبات الضخمة التي تواجه جهود الرياض لإصلاح نظام العمل، الذي يعتمد منذ عقود على الملايين من العمال المغتربين من جميع أنحاء المنطقة وآسيا، الذين هم على استعداد عادة للقيام بمزيد من العمل مقابل أجور أقل. ويقول الخبراء إنه من بين جميع تعهدات "بن سلمان" بتحديث وتنويع الاقتصاد الذي يعتمد على النفط، فإن مشكلة التوظيف تمثل التحدي الأكثر صعوبة وحساسية.

ويقول "جون سفاكياناكيس"، كبير الاقتصاديين في مركز الخليج للأبحاث ومقره الرياض: "يأتي خلق فرص العمل في صلب إصلاحات ولي العهد، وهو عامل مهم لازدهار واستقرار البلاد على المدى الطويل. ففي نهاية المطاف، تكون قدرتك على إنتاج العمالة والدخل هي ما يشكل صورتك عند الشعب".

لا يبدو جيدا

لكن الوضع الظاهر لا يبدو جيدا. وحتى في الوقت الذي وجد فيه المزيد من السعوديين وظائف في القطاع الخاص، كانت البطالة بين السكان المحليين في مسار صعودي حاد في الأعوام الثلاثة منذ أطلق ولي العهد خطته الطموحة للإصلاح "رؤية 2030". وارتفعت معدلات البطالة من 11.5% في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2016، إلى 12.9% في يوليو/تموز من العام الماضي، وهو أعلى مستوى على الإطلاق. وتصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 40%، وهي أعلى بكثير بين الشابات.

وقد أدت الإجراءات التي اتخذتها الرياض لتسريع إصلاح العمالة إلى زيادة التكاليف التي تواجهها الشركات، التي تعاني بالفعل من النمو الباهت، منذ أن أدى تراجع أسعار النفط عام 2014 إلى تعثر الاقتصاد.

وبالإضافة إلى إجبار القطاع الخاص على التوسع في توظيف السعوديين، زادت الحكومة الرسوم التي يجب على الشركات دفعها مقابل كل عامل أجنبي، من 200 ريال (53 دولار) شهريا، إلى 300 ريال، في الشركات التي توظف عددا أكبر من السعوديين مقارنة بالمغتربين، و400 ريال شهريا لتلك التي تستخدم عددا أقل من المواطنين السعوديين. كما فرضت الرياض رسوما شهرية قدرها 100 ريال سعودي يدفعها المغتربون مقابل كل معال لديهم في عام 2017، وتمت مضاعفتها العام الماضي.

وكان الهدف من هذه الإجراءات هو البدء في سد الفجوة بين تكلفة توظيف السعوديين والأجانب، حيث يحصل الأول عادة على 1.5 ضعف إلى ثلاثة أضعاف أجر العامل الأجنبي.

وكانت النتيجة الأكثر وضوحا للإصلاحات أن المواطنين السعوديين أصبحوا يقفون وراء عدادات المتاجر (الكاشير)، وأكشاك البرجر المنتشرة في مراكز التسوق في جميع أنحاء البلاد، أو يعملون في إصلاح الهواتف النقالة، أو بيع قطع غيار السيارات أو الأجهزة الكهربائية. لكن العديد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم اضطرت إلى الإغلاق، وفقا للمحللين والتقارير الإعلامية السعودية، بسبب تكاليف العمالة المضافة في ظل النمو الباهت.

ويقول أحد التنفيذيين السعوديين: "أنت تحاول تحسين التوظيف، وهو ما يحدث، ولكن في الوقت نفسه تفرض تكلفة أخرى، وهذا يخلق ضغطا على الشركات يدفع بعضها إلى الإغلاق".

ويصر هو وآخرون على أن الحكومة تفعل الصواب بعد أعوام من التقاعس والتراخي في الوقت الذي تدفقت فيه دولارات النفط. وكانت المحاولات السابقة للسعودة في التسعينات، والعقد الأول من القرن الـ 21، بلا جدوى. ولم تقدم مزايا الدولة السخية للعاطلين، التي قد تصل إلى ثلثي الحد الأدنى للأجور في القطاع العام، حافزا كبيرا للسعوديين للبحث عن عمل.

واليوم، يقوم مسؤولو وزارة العمل بدوريات على المحلات للتأكد من أنها تلتزم بالحصص المفروضة. ويواجه المخالفون غرامة مالية قدرها 20 ألف ريال سعودي. ومع ذلك، لا تظهر أي علامة على أنه سيكون هناك أي انخفاض في معدل البطالة "في المستقبل المنظور"، وبدلا من ذلك، يشكل مجرد بقاء البطالة بالمعدل الحالي في الأعوام القليلة القادمة تحديا.

ولدى الإصلاحات بالفعل تأثير كبير على العديد من العمال الأجانب، البالغ عددهم 10 ملايين، في المملكة التي يبلغ عدد سكانها 33 مليون نسمة. وإلى جانب مشاكل قطاع البناء المتعثر، والنمو الضعيف، أدت الإصلاحات إلى هروب المغتربين. وقد غادر أكثر من 314 ألفا بين الربعين الثاني والثالث من العام الماضي، ليصل العدد الذي غادر المملكة منذ بداية عام 2017 إلى أكثر من 1.4 مليون مغترب. ولأعوام، قدمت المملكة منفذا للباحثين عن عمل في البلدان غير المصدرة للنفط في العالم العربي والدول الآسيوية، التي توفر الجزء الأكبر من وظائف البناء والمساعدة المنزلية في البلاد. ولا يتوقع أحد أن يقوم السعوديون بأدوار في هذه القطاعات، وسوف يستمر الأجانب في تشكيل شريحة كبيرة من القوى العاملة فيها.

لكن كلما زاد عدد السعوديين العاملين في قطاعات الخدمات، كلما حلوا محل العرب من الدول المجاورة، مما يهدد بإضعاف الربط الاقتصادي الحيوي بين دول المنطقة المصدرة للنفط والدول الفقيرة مثل مصر والأردن. وانخفضت تدفقات التحويلات من المملكة العربية السعودية، من ذروة بلغت 38.8 مليار دولار عام 2015، إلى 36 مليار دولار في عام 2017، وفقا لبيانات البنك الدولي.

معضلة الرياض

وبالنسبة للرياض، تكمن المعضلة في كيفية المضي قدما في الإصلاحات دون إلحاق المزيد من الضرر بالقطاع الخاص الذي يتكلف بشكل زائد عبر تشغيل السعوديين. ويعاني الاقتصاد منذ أن هوت أسعار النفط عام 2014، وانزلق إلى حالة من الركود في عام 2017. وارتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3% العام الماضي، لكن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يتباطأ مرة أخرى إلى 1.8% في عام 2019.

وقد تفاقم الوضع بسبب التحركات الحكومية التي أضرت بمشاعر المستثمرين الهشة. وأرسلت حملة "بن سلمان" المزعومة على الفساد، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والتي تم خلالها جمع أكثر من 300 من الأمراء ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين السابقين في مقر اعتقال بفندق ريتز كارلتون، موجات من الصدمة عبر المملكة. وأدى الغضب العالمي الناجم عن مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، في أكتوبر/تشرين الأول، إلى إضعاف الاهتمام الدولي، في الوقت الذي تسعى فيه المملكة إلى الحصول على دعم خارجي لمشاريع الأمير الضخمة.

وفي يناير/كانون الثاني، أطلقت الرياض خطة بقيمة 450 مليار دولار مدتها 10 أعوام تركز على التعدين والصناعة والخدمات اللوجستية والطاقة، على أمل خلق 1.6 مليون وظيفة بحلول عام 2030. لكن ذلك، مثل الكثير من خطط ولي العهد، سوف يعتمد على .. المملكة لمستويات ضخمة من الاستثمار.

وتقول بعض الشركات إنه في أعقاب مقتل "خاشقجي"، تولي القيادة اهتماما أكبر للمخاوف المحلية. وقد وافق الملك "سلمان"، في فبراير/شباط، على خطة بقيمة 3.1 مليار دولار لتخفيف أعباء الرسوم على العمالة، في محاولة لتحفيز النمو. وستعفي الحكومة بعض الشركات من دفع رسوم عام 2018، أو تسديد ما دفعته بالفعل، بشرط أن تحرز تقدما في توظيف السعوديين. ويقر المسؤولون بأن بعض أهداف الإصلاح كانت طموحة بشكل مبالغ فيه.

وفي الوقت نفسه، أعادت الحكومة ضبط هدفها بخفض معدل البطالة السعودية إلى 9% بحلول عام 2020، إلى 10.5% بحلول عام 2022، كما يقول المحللون.

لكن المملكة في سباق حقيقي مع الزمن. وقد قدر تقرير صدر في عام 2015 من قبل شركة "ماكنزي" الاستشارية، التي تقدم المشورة للحكومة، أن ما يصل إلى 4.5 مليون من السعوديين في سن العمل سيدخلون سوق العمل بحلول عام 2030 لتصل القوى العاملة المحلية إلى ضعف الرقم الحالي، بواقع حوالي 10 ملايين. وقال التقرير إن استيعاب التدفق سيتطلب خلق ما يقرب من 3 أضعاف الوظائف السعودية التي تم إنشاؤها خلال الطفرة النفطية بين عامي 2003 و2013.

وفشلت وتيرة خلق فرص العمل بالفعل في مواكبة نحو 400 ألف من الشباب السعوديين الذين يدخلون سوق العمل كل عام، منهم 230 ألفا من خريجي الجامعات. ويحسب "سفاكياناكيس" فإنه من أجل تلبية هدف البطالة البالغ 10.5% بحلول عام 2022، سيحتاج الاقتصاد إلى استيعاب نحو 30 ألف وظيفة في القطاع الخاص كل شهر، مقارنة بـ 4 آلاف إلى 6 آلاف وظيفة في الشهر حتى الآن ويتطلب الأمر أيضا تخفيف بعض القيود الاجتماعية المفروضة على النساء في الدولة المحافظة للغاية.

وسوف يكون أحد الاختبارات المهمة هو ما إذا كان المواطنون السعوديون، الذين غالبا ما يتم انتقادهم، سيعطون نفس إنتاجية هؤلاء الذين يحلون محلهم.

وباستخدام هاتفه، يتحقق "الشهراني" من تاريخ توظيفه على موقع التأمين الاجتماعي الحكومي، ويكتشف أنه كان موظفا لمدة 27 شهرا خلال الأعوام التسعة منذ أن أكمل دبلومة في دراسات الكمبيوتر. وقد أمضى بعض الوقت في شركة سيارات، لكنه شعر بعدم الارتياح، لأن معظم الموظفين الآخرين كانوا من الأجانب. وانتهت وظيفته في مكتب الجمارك لأن التنقل كان طويلا جدا، كما حاول العمل على "كاشير" سوبر ماركت، لكنه "كان عملا يمتد لساعات طويلة"، و"متعبا جدا" على حد وصفه.

ويكسب "الشهراني" الآن 3 آلاف ريال سعودي شهريا في متجر الساعات، لكنه يخطط للانتقال بمجرد أن يجد وظيفة أفضل أجرا. ويرفض فكرة أن السعوديين لديهم أخلاقيات عمل سيئة، قائلا إنها "مجرد صورة نمطية".

وعلى الجانب الآخر من المتجر، تستقر "أفراح هلال"، البالغة من العمر 23 عاما، في دور جديد في إدارة كشك لبيع العطور، وقد بدأت العمل بعد 24 ساعة من مغادرة العاملة السابقة لها. وتقول: "لقد تم طردها في الصباح، وجئت إلى هنا في المساء، وبدأت العمل في اليوم التالي".

وتضيف: "كانت بعض الشركات تكره توظيف السعوديين، ولكن هذا قد تغير، وأصبح العمال من السعوديين أكثر جدية. في السابق، لم يكونوا ليستمروا طويلا، حيث يبقون لمدة شهرين إلى ثلاثة أشهر، ويحصلون على بعض المال، ويشترون شيئا ويغادرون. لكن الآن هناك أخلاقيات عمل أفضل بكثير".

لكن البعض الآخر أقل اقتناعا. ويقول مدير تنفيذي سعودي: "السعوديون الشباب ليسوا على استعداد للعمل. لا يمكن أن يحدث التغيير الاجتماعي والثقافي بين عشية وضحاها. الإصلاح صعب. وهو ليس مهمة سهلة".