حسن البراري- الشرق القطرية-
في الأخبار أن في جعبة جاريد كوشنر وصفة سحرية لحل القضية الفلسطينية عن طريق توفير الأموال التي قد يسيل لعاب المتهافتين من العرب عليها، وهو بذلك يحوّل القضية من قضية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره أسوة بباقي شعوب الأرض إلى سلعة تباع وتشترى.
المضحك المبكي في القصة هو أن كوشنر لن يدفع من جيبه، فهناك دول عربية ثرية سيطلب منها دفع فاتورة تصفية القضية الفلسطينية، والحديث هنا عن علاقة مريبة بين كوشنر وولي العهد السعودي الذي استثمرت فيه أمريكا كثيرا.
إذ يعتقد الكثير من الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء بأن الأمير السعودي قادر على دفع المنطقة لصالح الحل المفصل على مقاس اليمين الإسرائيلي.
رغم الإنكار السعودي لما يتم تداوله إلا أن مواقف السياسيين السعوديين تفضح أمرهم، فهذا أخيرا رئيس مجلس الشورى السعودي يتحدث في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي محتجا على ورود بند يطالب بوقف التطبيع مع إسرائيل.
وتأتي حجة رئيس مجلس الشورى السعودي ضعيفة وهشة لكنها في واقع الأمر تعكس هشاشة الموقف السياسي السعودي برمته وبخاصة بعد أن انكشف المستور. لن أكرر هنا مقولات قومية بخصوص فلسطين، فهي ليست ملكا لأي نظام عربي ليتم التفريط بها، وهي ليست ورقة مقايضة لتحقيق أحلام بعض الطامحين من القادة العرب.
لكن سأشير إلى حقيقة أن الشارع العربي ليس عديم الحيلة، ولا يمكن أن يقبل بأي حل يساهم في تصفية القضية الفلسطينية لصالح دولة الاحتلال الإسرائيلي. أقول ذلك وأنا أعرف جيدا أن الشارع ربما لم يتحرك في السابق بالشكل المأمول لكن هناك استفاقة واضحة تعكسها تعبيرات العرب تجاه قضية فلسطين.
ما يبعث على التفاؤل وسط هذا الجو المحموم هو العزلة التي يعاني منها بعض القادة العرب وبخاصة الذين يرغبون في تقديم فلسطين لقاء المُلك!
فأينما يتجهون لا يجدون التقدير ولا الترحيب ولا الاحترام حتى لو أنفقوا كنوز الأرض، ففي السياسة يكون للانطباع تأثير كبير على سلوك ومواقف الآخرين، ولا يمكن لمن يقتل أبناء شعبه وجيرانه ويلاحق خصومة إلى أي منطقة في العالم لتصفيتهم لا يمكن له أن يقود المنطقة وفقا لأهواء الجانب الإسرائيلي أو وفقا لنزواته.
بشكل عام، يمكن القول بأن الجو العام في المنطقة هو ضد سياسات محمد بن سلمان، ولو أجري استطلاع رأي علمي ومحايد الآن لكشف لنا عن التدهور الكبير في مكانة ولي العهد السعودي وهو أمر كان ينبغي أن يدق ناقوس الخطر عند الجانب السعودي لكن الأمر بالنسبة له كمن يقول أنا ومن بعدي الطوفان.
صحيح أن السعودية بلد مقتدر اقتصاديا لكن هذا لا يمكن تحويله إلى قوة تأثير أو إقناع عندما تتسم السياسات الرسمية بالتهور وانعدام الإحساس بالمسؤولية.
على الأرجح أن يخفق كوشنر في مهمة تصفية القضية الفلسطينية وفقا لأفكاره الساذجة، لكن هذا لا ينبغي أن يقودنا إلى التقليل من خطورة ما يقوم به، وعلينا بالتالي أن نأخذ بالحسبان أمرين:
- أولا، أن كوشنر كشف لنا دون أن يقصد أكذوبة التضامن العربي الرسمي مع القضية الفلسطينية،
- ثانيا، أن أمريكا لن تكون وسيطا نزيها في عملية السلام وعلى العرب تبعا لذلك أن يقرروا إن سيستمرون في الركض خلف سراب الوساطة الأمريكية.
بكلمة، يمكن لكوشنر وغيره أن يطرحوا ما يريدون من أفكار، لكن التعاطي العربي الرسمي مع هذه الأفكار ربما سيدفع الشعوب إلى نقطة لا يمكن تخيلها، وحينها سيقولون بلغ السيل الزبى.