عماد حسن- DW- عربية-
لم يكن هذا هو الخبر الأول من نوعه عن "خلاف" وقع بين الملك سلمان وولي عهده. بيد أنه جاء هذه المرة في سياق آخر. إذ تتحدث المصادر التي سربته عن تقليص لصلاحيات ولي العهد الطامح للجلوس مكان والده. فهل لهذا "الخلاف" من أصل؟
عاصفة كبرى أثارها خبر نشرته صحيفة "غارديان" البريطانية عن وجود خلاف وقع بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ونجله وولي عهده الأمير محمد تسبب في غياب الابن عن المشهد لفترة مع سحب عدد من الملفات الهامة منه.
الملك وولي عهده .. تناغم تام؟
وكثيراً ما تعترض السعودية على ما ينشر في الصحف الغربية بشأن العلاقة بين الملك وابنه، ويؤكد صحافيون وإعلاميون وتنفيذيون سعوديين على أن ما يرد لوسائل الإعلام الغربية ماهي إلا معلومات مغلوطة.
محمد بن عبدالله آل زلفه العضو السابق بمجلس الشورى السعودي أكد أن ما نشر لا يعدو كونه "مجرد أمنيات للبعض وضعها في إطار المعلومة وأرسل بها للصحفية التي لم تدقق في مدى صحة ما وردها". وأضاف في مقابلة مع DW عربية: "بحكم متابعتي وقربي من الأحداث يمكنني القوي إن الملك في حالة انسجام كامل مع ولي عهده".
ويتفق علي الدبيسي، الناشط الحقوقي السعودي المقيم في ألمانيا ورئيس الجمعية السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان، مع ما ذهب إليه آل زلفه في عدم مصداقية ما نشرته الغارديان لكن من منطلق مختلف تماماً، فهو يؤكد على أن الملك لا يتمتع بصحة ذهنية مناسبة تؤهله لاتخاذ قرارات بسحب ملفات معينة من ولي عهده "ما يجعل الشخص يتشكك كثيراً في هذه النوعية من الأخبار والمعلومات".
الدبيسي قال في مقابلة مع DW عربية إنه "إذا حدث ذلك فلا بد أن يكون حول الملك متنفذون لديهم قوة ما وهم من جعلوه يتخذ قراراً بتقليص صلاحيات ولي العهد، هذا إن صحت تلك المعلومات من الأصل."
حد من الصلاحيات.. أم امتصاص للغضب؟
صحيفة "غارديان" البريطانية قالت إن المعلومات التي وصلتها عبر مصادر لم تسمها تفيد بأن الملك سلمان قد بدأ في تجريد ولي عهده من بعض سلطاته المالية والاقتصادية وأن هذا الأمر جاء امتداداً "لغضبه" من قضية خاشقجي ولما أشيع بعدها عن تعيينات أجراها ولي عهده دون عمله فيما كان الملك يحضر مؤتمر شرم الشيخ بمصر.
بدوره يقول المعارض والناشط السعودي حمزة الحسن المقيم في لندن والمختص في الشؤون السياسية السعودية لـ DW عربية إن أخبار كهذه نشرت من قبل، "لكن الحقيقة أن كل هذه الأخبار ليس لها أصل وبنيت على معلومات ليست صحيحة وأن الحقيقة التي لا تُنازع أو تناقش هي أنه يوجد تنسيق شديد بين الأب والابن ولا توجد أدلة أو معطيات تتحدث عن أي خلاف بينهما".
وقد يبدو ما يقوله الناشط السعودي متعارضاً مع الواقع، فعلى سبيل المثال شدد الملك سلمان في القمة العربية الأخيرة على قضية القدس ودعم الرياض للقضية الفلسطينية، في الوقت الذي تتواتر فيه الأنباء عن تقارب سعودي-إسرائيلي خفي، ألمحت إليه صحف إسرائيلية مختلفة
في هذا السياق يؤكد الناشط السعودي حمزة الحسن على أن هذه الاستراتيجية اتبعها الملك أكثر من مرة، "فبعض القرارات التي قد يظهر للعامة أن ولي العهد اتخذها عاد الملك وأوقفها وكأنه غير راض عن الأمر، لكنه في الحقيقة رأى ارتدادات سلبية للقرار فتراجع عنه، وهذا ما حدث في قضية القدس والتطبيع الخفي، فهذان خطان متوازيان يستهدف الأول تنفيذ القرار وتسويقه فيما يستهدف الثاني امتصاص الغضب".
غياب مدروس عن المشهد
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتغيب فيها ولي العهد محمد بن سلمان عن عدد من الفعاليات واللقاءات الهامة. وفي كل مرة تنتشر الشائعات وتسري سريان النار في الهشيم.
ويرى آل زلفه أن "ولي العهد معروف عنه أنه رجل عملي لا يظهر إلا حينما يجد الوقت مناسباً لذلك، كما أنه لا يريد أن يكون حاضراً في كل مناسبة لأنه متفرغ تماماً لعمل يومي يمتد إلى 18 ساعة ويفضل البقاء في خلفية المشهد ولا يولي اهتماماً كبيراً للظهور الإعلامي بعكس آخرين".
فيما يرى المعارض حمزة الحسن أن قصة ابتعاد ولي العهد عن المشهد خلال الأيام الماضية أمر مرتب بعناية، "فمحمد بن سلمان منذ قضية خاشقجي وحتى اليوم خفض خروجه الظاهري برغبته إلا في مكان واحد كان فيه شيء من التحدي الظاهر للغاية وهو مشاركته في قمة G20 بالأرجنتين بهدف كسر الحصار المفروض عليه وقد كسره بالفعل، وأن ولي العهد فضل عدم حضور مؤتمر شرم الشيخ لأن الحاضرين أوروبيون وهم أكثر قسوة عليه من غيرهم وهو لم يكن يحتاج لهذا التواجد فذهب الأب بنفسه
قرارات الملك.. أم قرارات ولي العهد؟
رغم ما قد يبدو من ظاهر الأمور أن الملك قد فوض ولي العهد في إدارة عدد من الملفات، لكن هناك من يرى الأمر بوجهتي نظر مختلفتين. البعض يقول إن الملك يعاني من تدهور مستمر في الصحة ولم يعد يقوى على إدارة كافة الملفات بنفسه فترك بعضها لولي العهد، لكن آخرين يقولون إن الملك من الأصل غير مدرك لما يدور من حوله لاعتلال أصاب ذهنه
ويتفق كل من آل زلفه وحمزة الحسن على أن الملك يتمتع بصحة عقلية ممتازة وأنه مطلع على كافة الملفات الهامة في الدولة، بيد أن الحسن يذهب في اتجاه آخر تماماً. ويرى إن كل ما جرى في السعودية من انعطافات أساسية كقضية التحول في الاقتصاد من ريعي إلى ضريبي وتغيير نمط الوراثة للحكم ومن تحولات اجتماعية تتعلق بقيادة المرأة للسيارات أو الترفيه وغيرها من القضايا كلها لا يمكن أن تتم بدون هندسة وخبرة الملك سلمان نفسه.
ويضيف أن الملك كان قبل سفره لمؤتمر شرم الشيخ قد منح ابنه صلاحية القيام بالتعيين نيابة عنه وليس أن ولي العهد اتخذ فرصة عدم وجود الملك فاتخذ مثل هذه القرارات.
ويؤكد الحسن على أن "من يقول إن هذا عمل محمد بن سلمان وحده فهذا أمر غير صحيح وإنما الذي حدث أن هناك توافقاً بين الأب وابنه ، فالأب يضع ابنه في المقدمة ويتخذ القرارات لكن هذه القرارات متفق عليها مسبقاً ولا يستطيع الابن أبداً اتخاذ مثل هذه القرارات من دون الرجوع لأبيه.
ويختتم الحسن لقاءه مع DW عربية بالقول إن رواية أن الوضع الذهني للملك غير سليم هي واحدة من أكبر الشائعات الكاذبة ومصدرها الأساس والأول هو معهد واشنطن المقرب من الخارجية الأمريكية ومن بعده وقع الجميع في الفخ، "فكل الحقائق من داخل القصر الملكي تشير إلى أن الملك بالفعل ضعيف صحياً ومتعب بسبب كبر السن والتقدم في العمر لكنه عقله يعمل بكفاءة تامة وأنه لا يوجد قرار حاسم في قضية مصيرية إلا وكان القرار فيها للملك سلمان نفسه".