ملفات » الطريف إلى العرش

هل بدأ الانهيار التاريخي في العلاقات السعودية الأمريكية؟

في 2019/03/28

حسين إبيش - المركز العربي واشنطن دي سي-

كما كان متوقعا، أثبت الكونغرس الأمريكي الجديد أنه بيئة غير مواتية للمملكة العربية السعودية وبعض حلفائها الخليجيين، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة.

وعلى الرغم من البداية البطيئة للدورة 116، بسبب الإغلاق المطول للحكومة الأمريكية، فقد تم بالفعل معالجة عدد من القضايا من قبل كل من مجلس النواب، صاحب الأغلبية الديمقراطية الواضحة، ومجلس الشيوخ، ذي الأغلبية الجمهورية الأقل حجما.

وكان هناك جلسات استماع ومراسلات رسمية وبيانات صحفية واتصالات مع السلطة التنفيذية أو وسائل الإعلام تتعلق بالشؤون الخليجية.

وتمت قيادة هذه الجهود من قبل مزيج من الديمقراطيين الذين يسعون إلى نقد الإدارة على أساس حزبي، وكذلك الجمهوريون الذين يسعون لدفع الإدارة في اتجاه أكثر تشددا تقليديا تجاه القضايا المرتبطة بالخليج، خاصة فيما يتعلق بالسعودية.

وكما هو متوقع، فإن الارتباط الوثيق بين الحكومة السعودية وإدارة الرئيس "دونالد ترامب" وعائلته يترك الرياض هدفا سياسيا مكشوفا ينال حصته المحفوظة من النقد الموجه للإدارة بشأن مجموعة من القضايا.

وتعكس هذه القضايا فجوة متزايدة بين السعودية والكونغرس، فضلا عن تأثيرها على العديد من دول الخليج العربية الأخرى.

حرب اليمن

وتعد أكبر قضية تعصف بالعلاقات بين الولايات المتحدة والخليج العربي هي حرب اليمن، التي يتم استخدامها من قبل المعارضين الديمقراطيين للإدارة، والجمهوريين الموالين للدولة، للضغط على السلطة التنفيذية.

وفي منتصف شهر مارس/آذار، عارض مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون، "ترامب" بشأن قضيتين، حيث فرض عليه سحب التواجد الأمريكي من الحرب اليمنية، وعكس إعلان الطوارئ الوطني لبناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وقد تلاقى الاستياء المتزايد بسبب مشاركة الولايات المتحدة في اليمن مع شعور أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين بأنه كان هناك اغتصاب للسلطات التشريعية في إعلان الجدار والمشاركة في الحرب، ما أدى إلى تصويت تاريخي ضد رغبة الإدارة.

وكان القرار مجلس الشيوخ الصادر في 13 مارس/آذا هو المرة الأولى التي يستخدم فيها الكونغرس قانون سلطات الحرب لعام 1973 منذ إقراره، في مساعٍ لإصدار أمر بسحب القوات الأمريكية من نزاع ما.

وإذا تمكن مجلسا النواب والشيوخ من الاتفاق على نفس الصيغة وتمرير ذلك في الفترة المقبلة، فسيكون ذلك أول جهد كبير من جانب الهيئة التشريعية للرد على احتكار السلطة التنفيذية المتزايد لقرار الحرب باستغلال الصلاحيات التي يمنحها الدستور للكونغرس، وليس للبيت الأبيض.

ومع ذلك، من المرجح أن يكون التأثير العملي على الدعم العسكري الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في النزاع اليمني ضئيلا للغاية، إن وجد.

وتتضمن الصيغة النهائية إعفاءات لمهمات مكافحة الجماعات المتطرفة مثل تنظيمي القاعدة في شبه الجزيرة العربية والدولة الإسلامية، والتي تعد جزءا رئيسيا من المشاركة الأمريكية في مكافحة التمرد إلى جانب الإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن.

والأهم من ذلك، من شبه المؤكد أن "ترامب" سيستخدم حق النقض ضد أي إجراء من هذا القبيل، وليس هناك ما يشير إلى وجود أغلبية ساحقة في أي من المجلسين لتجاوز الفيتو وإصدار هذا القانون، لذا فإن التأثير المنتظر سيكون رمزيا إلى حد كبير.

ويمثل الانسحاب من حرب اليمن خرقا خطيرا للتحالف الأمريكي مع السعودية، على الأقل من جانب الكونغرس، حيث ربط العديد من الأعضاء أصواتهم برغبتهم في عقاب المملكة على مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، وغيره من المخاوف بشأن قيادة المملكة.

وكان التصويت تتويجا لعامين من التشريعات المعلقة في كل من مجلسي النواب والشيوخ، والتي تضافرت في نهاية المطاف في منتصف مارس/آذار.

ويتعين على دول الخليج المشارِكة بشكل رئيسي في هذا الصراع، وهي السعودية والإمارات، أن تدرك المخاطر التي تنعكس من هذا الرد غير العادي على البيت الأبيض من قبل الكونغرس، بما في ذلك 7 من أعضاء مجلس الشيوخ من حزب الرئيس الجمهوري.

وعلى المدى الطويل، يشير ذلك إلى أن أي إدارة ستخلف "ترامب" ستظهر تقريبا رفضا مماثلا وتصميما على عدم الانخراط في هذا الصراع، إذا استمر إلى ما بعد الإدارة الحالية.

وتتعرض مبيعات الأسلحة إلى الإمارات للتهديد أيضا، وفق التقارير التي تفيد بأن الأسلحة الأمريكية التي تم توفيرها للإماراتيين قد تم اكتشاف وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في جنوب اليمن. باختصار، في اليمن، لم يعد الكونغرس حليفا للسعودية أو حتى حليفا للإمارات.

مقتل "جمال خاشقجي"

ولا يزال الجدل المستمر حول مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول، في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مصدرا رئيسيا للتوتر بين الولايات المتحدة والسعودية، وبين الكونغرس والبيت الأبيض.

وقد شكك الرئيس ووزير الخارجية وغيره من كبار المسؤولين مرارا وتكرارا في قدرة الولايات المتحدة على تحديد درجة مسؤولية كبار المسؤولين السعوديين، خاصة ولي العهد "محمد بن سلمان".

وكانت الضغوط متصاعدة لدرجة أن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية "عادل الجبير"، في أوائل فبراير/شباط، طلب علنا من الكونغرس حجب القرار والسماح للعملية القضائية السعودية بالسير في طريقها قبل الوصول إلى أي استنتاج، ولا سيما قرارات فرض عقوبات إضافية على المملكة أو مسؤوليها الحكوميين، كما يقترح بعض المشرعين.

لكن قرارا صدر عن الكونغرس أواخر عام 2018 يفرض على البيت الأبيض تفعيل قانون "جلوبال ماغنيتسكي"، الذي يقضي بفرض عقوبات على أي مسؤول أجنبي متورط في انتهاكات حقوق الإنسان.

ولم تقدم إدارة "ترامب" تقريرها رغم مرور الموعد النهائي في 7 فبراير/شباط، وهو ما رآه كل من الجمهوريين والديمقراطيين على أنه فشل في الالتزام بالقانون.

وأصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تقييما استخباريا يوحي بأن ولي العهد كان مسؤولا على الأرجح، لكن هذا التقييم لم يتبناه الرئيس. لذلك، من المحتمل أن تظل قضية "خاشقجي" مصدر قلق كبير بين واشنطن والرياض، وربما بين الكونغرس والبيت الأبيض.

قضايا المعتقلين

ومن مصادر التوتر الوثيقة ذات الصلة بين دول الخليج - ولا سيما السعودية - والكونغرس الجديد هي المخاوف المعتلقة بحقوق الإنسان، ولا سيما الاعتقالات ومعاملة بعض المحتجزين، وفي مقدمتهم ناشطات حقوق المرأة اللاتي تعرضت العديد منهن للتعذيب أثناء الاحتجاز. وخلال الجزء الأكبر من عام 2018، نمت القضية في واشنطن، ولكنها لم تحظ باهتمام كبير من الكونغرس، ومع ذلك، يعد عام 2019 بأن يكون مختلفا.

وفي 13 فبراير/شباط، دعت مجموعة من المشرعين من الحزبين السعودية إلى "الإفراج فورا ودون قيد أو شرط" عن المعتقلات، بمن فيهن "هتون الفاسي" و"عزيزة اليوسف" و"لجين الهذلول".

كما أدان المشرعون بشدة اعتقال ومعاملة الناشطات في مجال حقوق المرأة، وفي 1 مارس/آذار، طلب عضوان من الكونغرس رسميا من وزير الخارجية "مايك بومبو" التدخل شخصيا في قضية "عزيزة اليوسف".

وقد لاحظ العديد من المراقبين، بما في ذلك وسائل الإعلام البارزة، وجود صلة بين هذا القلق المكثف ومقتل "خاشقجي"، وبالنظر إلى أن بعض النساء المعتقلات على الأقل يتم محاكمتهن الآن بتهم خطيرة للغاية، فمن المرجح أن يزداد الاهتمام بهذه القضية.

وقد أعرب الكونغرس عن مخاوف مماثلة فيما يتعلق بمواطن سعودي أمريكي مزدوج الجنسية، وهو الدكتور "وليد فتيحي"، الذي قيل إنه تم احتجازه دون توجيه تهم إليه.

وقد أكد نجل "فتيحي"، عندما تحدث في مؤتمر صحفي في "الكابيتول هيل" استضافه السناتور الديمقراطي "باتريك ليهي"، أن والده تعرض للتعذيب.

وفي جلسة يوم 6 مارس/آذار، المخصصة للموافقة على تعيين سفراء جدد للسعودية والعراق، أعرب أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين عن قلقهم البالغ بشأن المعتقلين، بما في ذلك "فتيحي".

وفي الواقع، وصف السيناتور الجمهوري البارز "ماركو روبيو" "محمد بن سلمان" بأنه "يتبع نهجا يشبه نهج العصابات"، ووصفه بأنه "متهور" و"لا يرحم".

وثمة مسألة ذات صلة تثار في الكونغرس وهي الاتهامات المستمرة التي تنفيها المملكة بأن مسؤوليها الدبلوماسيين كانوا يساعدون المواطنين السعوديين على الفرار من محاكمات في جرائم خطيرة في الولايات المتحدة.

وقد أثيرت هذه القضية رسميا مع وزارة الخارجية من قبل العديد من المشرعين، بما في ذلك السيناتور "رون وايدن" من ولاية "أوريغون".

وإذا لم يتم حل هذه المشكلة على نحو مرضٍ، وتم الكشف عن المزيد من الحالات، فقد تنضم لاعتبارات حقوق الإنسان لتفاقم الفاتورة المتزايدة للخلافات بين الكونغرس والرياض.

المبيعات النووية

وتوجد مسألة أخرى توغر صدر الكونغرس الجديد من كل من السعودية والبيت الأبيض، وهي المقترحات المقدمة من إدارة "ترامب" لبيع التكنولوجيا النووية إلى المملكة، لتطوير برنامج سعودي للطاقة النووية يستند إلى الحاجة إلى الحفاظ على الهيدروكربونات للتصدير والاستفادة من احتياطي اليورانيوم في البلاد لاستهلاك الطاقة المحلي.

ويتبع اتفاق عام 2010 مع الإمارات البروتوكول التقليدي "123"، الذي يمنع مشتري المفاعلات من تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم، لمنع خطر انتشار الأسلحة النووية

. ومع ذلك، تعد السعودية واحدة من الدول القليلة التي لديها احتياطيات كبيرة من اليورانيوم يمكنها أيضا استخدامها على نطاق واسع للمفاعلات لتوليد الكهرباء الخاصة بها.

ويلاحظ النقاد أن المملكة يمكنها شراء اليورانيوم المخصب بتكلفة أقل من إنشاء عملية تخصيب خاصة بها، لكن المملكة ترى أن الحق في التخصيب قد تم الاعتراف به في خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الصفقة النووية مع إيران، وكذلك معاهدة حظر الانتشار النووي.

ولن تقبل الرياض قيودا أكثر مما تم فرضها على طهران، علاوة على ذلك، كما تلاحظ إدارة "ترامب" بشكل متكرر، يمكن للمملكة شراء مفاعلات من مجموعة واسعة من الموردين المحتملين الآخرين، بما في ذلك كوريا الجنوبية، ومع ذلك، قالت المملكة مرارا وتكرارا إنها تفضل جعل الولايات المتحدة شريكها الرئيسي في تطوير صناعة الطاقة النووية المحلية الخاصة بها.

وفي سياق الحرب اليمنية وغيرها من المخاوف، تم استقبال هذا الاحتمال بقلق كبير في الكونغرس والكثير من وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية.

وفي 19 فبراير/شباط، أصدرت لجنة الرقابة والإصلاح التابعة لمجلس النواب تقريرا قال إن "العديد من الأشخاص المطلعين يثيرون قلقا عميقا بشأن جهود البيت الأبيض لنقل التكنولوجيا النووية الأمريكية الحساسة إلى السعودية".

ويثير التقرير مخاوف جدية حول المحسوبية والفساد من جانب مسؤولي الإدارة الحاليين والسابقين المشاركين في المحادثات، بما في ذلك مستشار الأمن القومي السابق "مايكل فلين".

ويقول الديمقراطيون إنهم بدأوا تحقيقا واسع النطاق في مجلس النواب حول خطط بيع التكنولوجيا النووية الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية "مع أو بدون" اتفاق "123".

ولكن من المثير للاهتمام في الوقت نفسه أن الكونغرس التزم الهدوء إلى حد كبير على عملية بيع نظام الدفاع الصاروخي "ثاد" إلى السعودية بقيمة 15 مليار دولار.

وربما يعمل الحجم الكبير للعقد، والطبيعة الدفاعية لنظام "ثاد"، ووجود بدائل مثل النظام الروسي المضاد للصواريخ "إس-400" على حماية استمرار البيع على الرغم من تنامي غضب الكونغرس من السياسات والسلوكيات السعودية.

أجراس الإنذار تدق

ويعد سلوك الكونغرس الجديد أخبارا سيئة بالنسبة للرياض وحلفائها في الخليج، خاصة الإمارات، وهو مقياس واضح لمدى الضرر الذي أصاب التحالف الأمريكي السعودي منذ فترة طويلة.

ويقترب رد الفعل من الإجماع بين الديمقراطيين، وغالبا ما يشمل جمهوريين رئيسيين كان بعضهم من المؤيدين الرئيسيين لعلاقات وثيقة مع السعودية.

ورغم أن من شبه المؤكد أن مشروع قرار صلاحيات الحرب في اليمن سيتم نقضه ولن يصبح قانونا، لكنه أقوى مؤشر على أن الانهيار التاريخي في العلاقات الأمريكية السعودية قد بدأ بالفعل ذاهبا إلى ما هو أبعد من الأزمات السابقة، مثل حظر "أوبك" النفطي عام 1973، وهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

وتدرك الرياض وشركاؤها في الخليج أنهم متورطون في مجموعة من القضايا المذكورة، والعديد من القضايا المعلقة التي قد تثار خلال جلسات الكونغرس، وأنهم فقدوا تعاطف العديد من أعضاء الكونغرس من كلا الحزبين.

وربما تكون العلاقة مع الحزب الديمقراطي عدائية تقليديا، لكن سيتعين على دول الخليج العربية أن تولي اهتماما وثيقا لعلاقتها بالديمقراطيين، الذين ما زالوا جزءا قويا من الحكومة الأمريكية، الذين يسيطرون مرة أخرى على مجلس النواب، ويتمتعون بوضع جيد لاستعادة مجلس الشيوخ في عام 2020.

وعلى الرغم من "خيبة أمل" دول الخليج من ولاية "باراك أوباما" الثانية، والعلاقات القوية مع إدارة "ترامب" حتى الآن، من الضروري أن نضع في اعتبارنا أن تحالفهم مع الولايات المتحدة، وليس مع السلطة التنفيذية، وبالتأكيد ليس مع إدارة "ترامب"، ناهيك عن "دونالد ترامب" وعائلته.

ويجب أن تكون الحكومة الأمريكية ككل، وكذلك المجتمع الأوسع، هم الجمهور المستهدف لإعادة المشاركة الإيجابية.

ويجب أن يكون لدى أي حليف فعال للولايات المتحدة علاقات جيدة مع كل من الديمقراطيين والجمهوريين، أو سيخاطر بأن يصبح في خضم المسائل الحزبية، وبالتالي يمر بفترات متقلبة بشكل كبير، حيث تتأرجح السلطة بشكل مستمر في السياسة الداخلية للولايات المتحدة.

ولا يمكن الحفاظ على صحة الشراكة بين الولايات المتحدة والخليج العربي إلا عن طريق أخذ حساسيات كل منهما على محمل الجد، واحترام كل طرف مصالح وقيم الطرف الآخر، وإلقاء الضوء بقوة على الأهداف المشتركة لمستقبل الشرق الأوسط التي لم تتغير.

خلاف ذلك، تشير أجراس الإنذار إلى تحول تاريخي في هذه الشراكة بشكل قد يدمر التحالف العربي الأمريكي.