هآرتس- ترجمة شادي خليفة -
بالإضافة إلى استثماراتها الضخمة في الغرب، قدمت المملكة العربية السعودية قروضا ومساعدات لإنقاذ بعض الأنظمة.
ويعد هذا جنبا إلى جنب مع السيطرة على أسعار النفط العالمية، أساس الدبلوماسية السعودية.
وبهذه الطريقة، أنشأت المملكة دولا مدينة لها، عليها أحيانا رد شيء ما.
وتشمل هذه الدول لبنان، التي استقبلت استثمارات بمليارات الدولارات من المملكة، ومصر، التي أصبحت تعتمد ماليا بشكل متزايد على الرياض.
وتشمل هذه القائمة أيضا: الأردن والسودان وباكستان والفلبين والمغرب، وتوظف المملكة ملايين العمال من الدول العربية والآسيوية.
وينتظر السعوديون من هذه الدول شيئا في المقابل، وبنفس الطريقة التي تطلب بها من الدول الغربية تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، طلبت المملكة من مصر تسليم جزيرتي "تيران وصنافير" على البحر الأحمر.
وفي عام 2002، أجبرت الرياض جامعة الدول العربية على تبني مبادرة الملك "عبدالله" من أجل السلام في الشرق الأوسط.
وهناك مثال جيد آخر على ذلك، وهو التحالف الذي يقاتل المتمردين الذين تدعمهم إيران في اليمن، وهو تحالف يضم حتى السنغال البعيدة.
وعلى مدى عقود، فضلت المملكة العمل خلف الكواليس، وليس في طليعة الحملات الدبلوماسية أو العسكرية، باستثناء حرب الخليج عام 1991.
وضمنت مبيعات النفط والمعاملات التجارية العملاقة المصالح السعودية في الغرب.
وفي الشرق الأوسط، تركت الرياض الساحة لبلدان مثل مصر أو مؤسسات مثل الجامعة العربية، التي كانت تعرف دائما ما يجب القيام به للترويج للمواقف السعودية.
لكن بعد أن نقل الملك "سلمان" سلطة إدارة البلاد بشكل فعلي لابنه "محمد بن سلمان" في وقت سابق، تغيرت الاستراتيجية السعودية بشكل ملحوظ.
وتتحمل المملكة الآن مسؤولية مباشرة عن حملاتها، التي تم تصميم الكثير منها لإعاقة منافستها الاستراتيجية، إيران.
وهكذا، أصبح الشرق الأوسط ساحة صراع تشارك فيه المملكة العربية السعودية مباشرة.
وكانت الخطوة الأولى لـ"بن سلمان" هي حملة عسكرية في اليمن لم تحقق النصر رغم مرور عدة أعوام، ورغم أن الرياض لديها أفضل الأسلحة الأمريكية.
وفي تلك الحرب، كانت المملكة مسؤولة عن مقتل الآلاف من المدنيين، والكثير منهم ماتوا جوعا.
وأقنع تورط المملكة في هذه الوفيات إلى جانب مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي مجلس الشيوخ الأمريكي بالتصويت لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية.
وحدثت حالة أخرى من التدخل السعودي الصارخ في نهاية عام 2017، عندما أمر "بن سلمان" رئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" بالاستقالة، من أجل الإطاحة بالحكومة التي كان "حزب الله" شريكا فيها، لكن أجبرت الاحتجاجات في لبنان والخارج الرياض على التراجع عن موقفها.
وفي الحرب الأهلية السورية، مولت المملكة الميليشيات التي فشلت في قلب مجرى الأمور، وتمت إعاقة المعارضة السعودية لحكم الرئيس "بشار الأسد" من قبل الروس والإيرانيين، ما أجبر السعوديين على الانسحاب من سوريا.
وفشلت محاولاتهم لإجبار الأردن على السماح لهم بمهاجمة سوريا من أراضيهم بعد أن قالت المملكة الهاشمية إنها لن تصبح نقطة انطلاق لشن هجمات على سوريا.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت المملكة مقاطعة قطر منذ عام ونصف العام، لكن تحالفها مع مصر والبحرين والإمارات العربية المتحدة لم يؤثر على الدولة الصغيرة الغنية التي لا تزال تزدهر.
والآن، تحت الضغط الأمريكي، قد ترفع السعودية هذه العقوبات.
وحتى الآن، يبدو أن استراتيجية "بن سلمان" لم تفد المملكة، وأثارت عملية الانتقال الفاشلة من بلد يعمل خلف الكواليس إلى دولة تقود الحملات أسئلة حول ما إذا كانت المملكة قد بالغت في تقدير قدرتها على إملاء السياسات الإقليمية ومواجهة إيران.
وتظهر الأضرار التي سببتها غطرسة "بن سلمان" في الولايات المتحدة، حيث تبين أن الثروة وحدها لن تضمن الدعم الكامل.
ومن الواضح الآن أن المعضلة السعودية لا تكمن فقط في ما إذا كان بإمكان "بن سلمان" البقاء في منصبه، أو في الحد من الضرر الذي سببه للمملكة بسبب قضية "خاشقجي"؛ بل يجب على الرياض الآن صياغة استراتيجية تعيد لها علامتها التجارية كقوة إقليمية.