بروس ريدل - المونيتور-
جعل "دونالد ترامب" من المملكة العربية السعودية أول محطة أجنبية خارجية له كرئيس، حيث احتضن القيادة السعودية بوضوح.
وهناك احتمال أن تكون المملكة آخر محطات الرئيس كذلك إذا خسر انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ومن المنطقي بالنسبة لنقاده الآن البدء في تطوير استراتيجية أمريكية جديدة تجاه المملكة.
وعلى الرغم من القلق المتزايد بشأن السلوك المتهور والخطير لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، فقد احتضنه "ترامب" الأسبوع الماضي في "أوساكا" في مجموعة العشرين، تماما كما احتضنه في كل لقاء بينهما.
ويأتي هذا على الرغم من تقرير جديد صادر عن المقرر الخاص للأمم المتحدة لقضايا القتل خارج القانون، وجد أن ولي العهد مسؤول شخصيا عن القتل العمد للصحفي "جمال خاشقجي" في إسطنبول، العام الماضي.
وسوف يتم عقد مجموعة العشرين المقبلة في الرياض بعد أسبوعين من الانتخابات الأمريكية، وقد يكون "ترامب" حينها بلا قيمة للمملكة إذا خسر الانتخابات.
وبغض النظر عن جريمة قتل الصحفي في "واشنطن بوست"، فقد كانت الأزمة الأكبر التي صنعتها السعودية مبادرة سياسة حملت توقيع ولي العهد أيضا، وهي الحرب الدموية في اليمن. وكان الأمير يثق بحماقة في إمكانية فوزه بسرعة وحسم، حيث شرع في غزو اليمن بدون استراتيجية ولا تصور نهائي للدولة قابل للتحقيق.
وبعد أكثر من 4 أعوام، دخلت الحرب في حالة من الجمود الوحشي.
وشن السعوديون وحلفاؤهم أكثر من 20 ألف غارة جوية على اليمن، وأطلق المتمردون الحوثيون الصواريخ وهجمات الطائرات بدون طيار على المملكة، ولم يزر "بن سلمان" عدن، "عاصمة" حلفائه اليمنيين، مطلقا وانسحب معظم حلفائه الآخرين من الحرب بهدوء، وحتى الإمارات العربية المتحدة تسحب قواتها الآن بالتدريج.
وكانت العواقب وخيمة على اليمنيين في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وقد كتب "خاشقجي" في مقالته الأخيرة أن "بن سلمان" هو المسؤول عن المذبحة، ويجب أن تتم مساءلته.
بين بن سلمان وشاه إيران
وتوجد أوجه تشابه مذهلة بين العلاقة الأمريكية مع السعودية اليوم والعلاقة مع إيران الشاه قبل نصف قرن.
وفي كلتا الحالتين، قامت واشنطن ببيع كميات هائلة من الأسلحة إلى مستبدين لا يرحمون، دون إيلاء اهتمام كاف لكيفية استخدامها.
وفي كلتا الحالتين، قامت الولايات المتحدة بالشروع في علاقة ثنائية معقدة بلغت حد التأييد غير المشروط للملك (ولي العهد) أو الشاه، مع رؤى حول مستقبله لا تمت للواقع بصلة.
ومن الواضح أن المملكة لم تتطلع قط إلى أن تكون دولة ديمقراطية، لكن الحكام السابقين سعوا إلى بناء قدر من إجماع بين صفوف العائلة المالكة ومراكز القوى الرئيسية.
وبدلا من ذلك، دمر "بن سلمان" نخبة البلاد تحت شعار مكافحة الفساد، ولا شك أن الكثير منهم كانوا فاسدين، لكن الحملة كانت تهدف فقط لتوطيد سلطة "بن سلمان".
وربما ليس من قبيل المصادفة أن وسائل الإعلام السعودية التي يسيطر عليها "بن سلمان" قد نشرت مقال رأي كتبته حفيدة الشاه.
وفي حالة إيران، كانت الولايات المتحدة عمياء عن نقاط الضعف لدى شريكها الإمبراطوري في إيران، لذا فإنها تظاهرت بأن إصلاحاته كانت حقيقية.
لكن الولايات المتحدة كانت بحاجة لإيران أكثر من حاجتها إلى المملكة العربية السعودية اليوم.
وكانت إيران العقبة الحاسمة أمام الهيمنة السوفيتية على الخليج العربي.
وكانت أمريكا وحلفاؤها في الناتو بحاجة ماسة إلى تدفق النفط من الخليج بأسعار معقولة.
تغير الموازين
وتعد أمريكا اليوم أكبر مصدر للطاقة في العالم، أما السعوديون فهم يكافحون للحفاظ على ارتفاع أسعار النفط في مواجهة توفر الكثير من معروض النفط في السوق.
أما الصفقة التي أبرمها "فرانكلين ديلانو روزفلت" عام 1945 مع الملك "عبد العزيز آل سعود"، التي تتلخص في توفير الحماية الأمنية الأمريكية للمملكة مقابل النفط الرخيص، فقد عفا عليها الزمن.
وبالطبع، لا يزال لدى الولايات المتحدة مصالح تحتاج للتوافق مع المملكة، ولوجود حوار مثمر مع الرياض. ولكن سيكون الوقت قد حان في عام 2021 لإعادة تشكيل العلاقة مع السعودية إذا كان "بن سلمان" لا يزال هو الوريث الظاهر.
وقد تكون البداية من المظاهر المرئية، فلا مزيد من الحاجة للعناق السخيف والمحرج، وعلينا معاملته وفق حقيقته؛ فهو قاتل لآلاف الأبرياء. وهو الأمير الأكثر استبدادا في تاريخ البلاد الحديث، الذي يسجن الجميع، بداية من سلفه في ولاية العهد وصولا إلى النساء اللائي يطالبن بالحق في قيادة السيارة.
ولا يجب أن يتم منح ولي العهد معاملة خاصة في زيارته لأمريكا.
وتتعلق الخطوة الثانية بمبيعات الأسلحة، ولا يجب منح المملكة المزيد من الأسلحة أو الذخائر أو قطع الغيار أو الترقيات أو المساعدة الفنية حتى تتوقف الحرب في اليمن.
وسوف يتعين على السعوديين الالتزام بذلك، فعلى عكس ما يدعيه "ترامب"، لا يمكن للملكة إدارة جيش من الأسلحة الأمريكية من خلال الدعم الروسي أو الصيني.
وإذا انضم البريطانيون للحظر، فإن آلة الحرب السعودية، التي لم تكن مؤثرة بالفعل، ستكون في حالة خلل خطير.
وقد اتخذ الكونغرس بالفعل بعض الخطوات للتضييق على توريد الأسلحة.
ولن ترغب العائلة المالكة في الانفصال عن الولايات المتحدة مهما شهدت العلاقة من جفاف.
ويجب أن يكون التغيير مع السعوديين جزءا من تغيير أوسع في السياسة تجاه المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بإيران.
وكان اتفاق "باراك أوباما" النووي يعمل على وقف طموحات طهران النووية.
ويدفع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق التوترات إلى نهاية خطيرة محتملة، وهي حرب أخرى مفتوحة في الشرق الأوسط ستكلف الولايات المتحدة ثروة من الدم والأموال.
ويجب أن يتم تشجيع السعودية على فتح حوار ثنائي مع إيران، حيث لن تصب أي مواجهة مباشرة بين البلدين في صالح المملكة.
وكانت زميلتي في جامعة كارنيجي، "ياسمين فاروق"، قد طرحت مقاربة أفضل في مقال حديث، قالت فيه إن السعودية لديها الكثير لتخسره من الحرب مع إيران أكثر مما قد تخسره الولايات المتحدة.
ولن تختار واشنطن، ولا ينبغي أن تختار، قيادة المملكة، لكن يجب أن نجعل وجهات نظرنا معروفة بوضوح.
وسيكون من الأفضل إبعاد "بن سلمان" عن المشهد إلى أجل غير مسمى، بدلا من احتضان ملك خطير ذو تطلعات إمبريالية.