الخليج أونلاين-
باتت السلطات السعودية تنتهج سياسة "إرهاب دولة" ضد مواطنيها من رجال فكر ودعاة وحقوقيين، منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد، واستحداث جهاز أمن الدولة كاستنساخ للتجربة المصرية سيئة الصيت.
إذ شنت السلطات في المملكة حملة واسعة على كل من لا يؤيّد سياسة ولي العهد، اعتُقل على أثرها العديد من العلماء والدعاة؛ أبرزهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعلي العمري، ومحمد موسى الشريف، وعلي عمر بادحدح، وعادل بانعمة، والإمام إدريس أبكر، وخالد العجمي، وعبد المحسن الأحمد.
كما اعتقل العديد من الناشطات الليبراليات؛ أمثال لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف، فضلاً عن الناشطة المعروفة المدافعة عن حقوق المرأة هتون الفاسي، التي ألقت السلطات القبض عليها في يونيو 2018، بعدما كانت تخطط لاصطحاب صحفيين في سيارتها للاحتفال بنهاية الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة المرأة للسيارة، والذي ظل مدة طويلة يعتبر رمزاً للقمع في المملكة المحافظة.
وانتقدت جماعات حقوقيّة، منها منظمة "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية"، حملة الاعتقالات السعودية، وطالبت بإطلاق سراحهم فوراً.
كما أحدث اغتيال خاشقجي، في أكتوبر 2018، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، غضباً عالمياً، وسط اتهامات طالت محمد بن سلمان بإعطاء أوامر بتنفيذ الجريمة، ووصفت تقارير ذلك بـ"إرهاب الدولة".
ولم تقف المملكة عند حد الفضائح التي انتشرت، بل سعت لاستدراج مواطنيها في الغرب عن طريق طلب مراجعتهم لسفارات لها في بلدان يمكنها التحرك فيها بسهولة لإخفائهم أو إعادتهم للبلاد.
السعودية تأكل أبناءها
ويشير مصطلح "إرهاب الدولة" إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها "دولة" ما ضد شعبها أو أهداف أجنبية، أو كما كتب المفكر الشهير أرسطو بأن "الإرهاب استخدم من قبل الطاغية ضد رعاياه".
إرهاب الدولة هذا لم يقتصر فقط على خاشقجي، بل وصل إلى أمراء سعوديين؛ فخلال السنوات الثلاث الماضية، اختفى ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا، وعُرفوا بانتقادهم الحكومة السعودية، وهناك تكهنات منتشرة بـأن الأمراء الثلاثة إما اختُطفوا وإما رُحِّلوا إلى المملكة، خاصة مع انقطاع أخبارهم وعدم سماع أي شيء عنهم منذ ذلك الحين.
والأمراء الثلاثة هم: سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر، وثلاثتهم لهم مطالبات كثيرة بالإصلاح واتهامات للأسرة الحاكمة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
وهناك أمير سعودي آخر انشق عن الأسرة المالكة، وهو الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي ذهب إلى ألمانيا وحصل على اللجوء السياسي فيها، عام 2013، وهو أيضاً يخشى أن يُجبر على العودة للرياض.
يقول الأمير خالد في لقاء سابق لـ"بي بي سي": "كنا أربعة أمراء بأوروبا، انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية، فاختُطف ثلاثة منا، وبقيت أنا الوحيد الذي لم يُخطف".
وعن احتمالية أن يأتي الدور عليه لينضم إلى قائمة المختطَفين، يقول الأمير خالد: "أنا مقتنع بذلك منذ زمن طويل. إذا فعلوا ذلك الآن فإنهم سيكونون قد قاموا بذلك من قبل. أنا حذِر جداً، لكن هذا ثمن حريتي".
قتل أمراء بيد "القاعدة"
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل لجأت السعودية إلى تنظيم القاعدة لتصفية 3 من أبناء الأسرة الحاكمة.
وفي شهادة لضابط المخابرات الأمريكي السابق، جون كارياكو، خلال مشاركته في برنامج "ما خفي أغظم" على قناة "الجزيرة"، عُرض مؤخراً، وكشف تواطؤ البحرين مع القاعدة لقمع الاحتجاجات التي اندلعت عام 2011، أكد أن الرياض لجأت إلى القاعدة لاغتيال 3 من أمرائها.
وقال: "وجدنا في مذكرات المدعو أبو زبيدة (أحد عناصر القاعدة) أسماء 3 شخصيات من الأسرة الحاكمة في السعودية، وعندما اتصلت بالمسؤولين في الرياض اختفى هؤلاء ووُجدوا مقتولين".
وأوضح الضابط الأمريكي السابق: "عندما اعتقلنا (أبو زبيدة)، في 22 مارس 2002، وهو وفق تقرير سابق لـ(الجزيرة) كان الرجل الثالث في تنظيم القاعدة وقت اعتقاله على خلفية هجمات 11 سبتمبر، وجدت معه دفتر مذكرات، وبعد فحصها عثرت بها على أرقام هواتف، من ضمنها أرقام لشخصيات من الأسرة الحاكمة في السعودية، فأرسلت التفاصيل في رسالة سرية إلى مقر الاستخبارات المركزية".
وأضاف: "خلال أسابيع قليلة قُتل أحد الثلاثة في حادث سيارة وسط الصحراء، والثاني ذهب للتخييم بالصحراء ومات عطشاً، والثالث اختفى ولم يره أحد بعدها".
وتابع: "بالنسبة إليَّ فقد فهمت أن هؤلاء كانوا يعرفون الكثير عن تورط حكومتهم (السعودية) في تعاملات مع القاعدة، أو على الأقل تورطها في تأسيس التنظيم، أو علاقتها بهجمات سبتمبر 2001، وكان يجب التخلص منهم، وهذا حال بعض الحكومات في المنطقة، حيث تخلق هذا النوع من التطرف ثم تتظاهر بعدم معرفتها به أو تتخلص منه".
ما وراء الإرهاب
ينظر كثيرون إلى الممارسات التي يمارسها بن سلمان على أنها تنبع من مخاوفه من فقدان ولاية العهد، خاصة بعد أن صعد إلى قمة هرم السلطة بسرعة كبيرة، بعد أن كان مجرّد فرد عادي داخل العائلة.
إذ مهّد الملك سلمان طريق العرش لنجله بتحييد منافسيه المحتملين، ووفق مصادر دبلوماسية أمريكية فإن قرار العاهل السعودي بتولي الأمير محمد مسؤولية إعادة هيكلة جهاز المخابرات، بعد اغتيال خاشقجي في أكتوبر 2018، يشير إلى أن ولي العهد لا يزال "من غير الممكن المساس به"، رغم الغضب الدولي الكبير الذي أعقب الجريمة.
وسبق أن اعتبرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية أن ولي العهد السعودي "يزداد عاراً" في كلّ يوم تستمر فيه حكومته باعتقال واحتجاز وإخفاء كل شخص تعتبره تهديداً لحكمه.
وبحسب المنظمة فإن السعودية احتجزت آلاف الأشخاص تعسفاً، دون إحالتهم على المحاكم لإخضاعهم للإجراءات الجنائية.
يقول الأمير المنشق خالد بن فرحان، في حديث صحفي نشر في مايو 2018: إن "بن سلمان لم يكن له وضع مميز داخل العائلة الحاكمة، بينما كان أشقّاؤه يشغلون مناصب أعلى. وبالطبع كان أبناء عمومته أكبر سناً، وأكثر خبرة، وأفضل وضعاً، وأعلى تعليماً، وأحسن حالاً من كل ناحية".
ويضيف أن ذلك "سبّب له مشاكل نفسية؛ لأن محمد بن سلمان كان إذا أراد مقابلة أحد أبناء عمه ممن اعتقلهم فيما بعد يضطرّ لأن يطلب موعداً، وقد يوافق هذا الأمير على لقائه أو لا يوافق، وهو ما أوجد داخله مشكلة نفسية، وها هو اليوم ينتقم من أبناء عمومته".
ولفت الأمير إلى أنه على تواصل مستمرّ مع غيره من أمراء آل سعود، ويصف العائلة الحاكمة بأنها في حالة من "الصدمة" بسبب توقيف واعتقال وإهانة عدد من كبار الأمراء.
ورأى دبلوماسيون أن الأسرة الحاكمة في السعودية "تحشد دفاعاتها" لمحاولة تجاوز تعيين بن سلمان ملكاً خلفاً لوالده، لكن لا توجد بوادر على أن العاهل السعودي يفكر في صعود أمير آخر ليحل محل نجله، رغم كل الاستياء، بل على العكس يحظى بدعمه، الأمر الذي يهدد استقرار المملكة إذا ما استمر الإرهاب الممارس حالياً.