فؤاد السحيباني- راصد الخليج-
تحت لافتة براقة، عنوانها برنامج التحول الوطني 2020، جرى تقديم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى مجتمعه والعالم، بوصفه قائد الغد، القادر على مقارعة الأخطار العديدة التي رآها كل متخصص أو مهتم تحيق بالاقتصاد السعودي، في عالم يجري بحثًا عن عالم ما بعد النفط، وفي ظل حقيقة راسخة تقول إن النفط ثروة متبددة، والحل الأفضل في تأسيس دولة صناعية تستطيع الصمود أمام أي متغير.
عبر شركة ماكينزي آند كومباني الأميركية، والمختصة بالاستشارات، قدم ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية –وقتذاك- محمد بن سلمان، ورقتين للإجابة عن سؤال المستقبل، الأولى برنامج التحول الوطني 2020، والثانية أبعد قليلًا رؤية المملكة 2030.
ولأن السنوات الأربع مرت، منذ إعلان بن سلمان عن ورقة التحول 2020، وأصبحنا بالفعل على أعتاب العام المنشود، وأصدرت وزارة المالية بالمملكة موازنة العام الجديد بالفعل، فمن المفيد والطبيعي قراءتها، وتمحيص أرقامها، للحكم على برنامج رصد له خلال عامه الأول (2017) نحو 268 مليار ريال، واستمر في ابتلاع الأموال طوال هذه السنوات، ثم يجري بموازاته برنامج آخر أضخم، يلقي بالمزيد من الأعباء على المواطنين، ويترك السوق السعودية نهبًا لموجات من التضخم المنفلت، ثم في النهاية لا نجد إلا كلمات من وزارة المفترض أن مسؤوليتها هي الأرقام لا الشعارات.
البداية مع ما يهم المواطن العادي، بعيدًا عن أرقام العجز والإنفاق والإيرادات، وأهم ما يشعل الشارع حاليًا هو وحش اسمه البطالة، أصبح ضيفًا كئيبًا في كل بيت سعودي، مع ارتفاع النسبة، وتزايد إغلاق الشركات، والأهم تخفيض الإنفاق العام الموجه لمشروعات صناعية حكومية، اعتمادًا على قيام قطاع خاص أو استثمارات أجنبية بدور بطل هوليوود المنقذ في نهاية الفيلم، لكن السعودية ليست إستديوهات، والأفلام الواقعية كلها لا تنتهي نهايات سعيدة.
النمو الاقتصادي الضعيف حطم آمال تقليل البطالة، والتي تبلغ في المملكة نحو 9-10%، وهي واحدة من أعلى المعدلات العربية، والأعلى على الإطلاق في الخليج، وبررت "المالية" العجز عن توفير الوظائف بقولها: إن "تحقيق معدلات نمو مرتفعة، وتوفير فرص عمل جديدة ومتزايدة ومجدية للمواطنين فيي القطاع الخاص من أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد"، مضيفة: أنه "على الرغم من تركّز جهود الحكومة على تنمية ورفع معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي، فإن النتائج الإيجابية ستظهر بشكل أكبر على المديين المتوسط والطويل، عند استكمال تنفيذ المشروعات والإصلاحات والمبادرات".
أي أن الوزارة أفلتت يدها تمامًا من القضية، وصار المستقبل منوطًا بحلها، حين تنتهي المشروعات ستجدون الوظائف، قبل هذا لا وجود لوظائف جديدة.
وأضاف حديث الأرقام شجونًا أعمق، موازنة ضخمة، يتجاوز الإنفاق فيها ترليون ريال، نحو 1020 مليار ريال، شهدت نموًا بنسبة 1.1% فقط، مدفوعًا بنمو للقطاع غير النفطي بلغ 2.5%، مع توقعات متشائمة حيال مستقبل أسعار النفط بالعام الجديد.
الإنفاق العام بموازنة العام المقبل، انخفض بشكل طفيف عن العام الحالي، والذي بلغ 1048 مليار ريال، لكن في مقابل خفض الإنفاق، وما يعنيه من تقليص المشروعات والخدمات الحكومية الموجهة لعموم المواطنين والمناطق، فإن الموازنة الجديدة شهدت عجزًا يبلغ 185 مليار ريال (نحو 50 مليار دولار) ارتفاعًا من 131 مليار ريال -العجز في 2019- أي 35 مليار دولار فقط.
استمرار العجز للعام الخامس على التوالي يعني –وبشكل واضح مباشر- أن كل جهود الحكومة فشلت في إيقاف النزيف، بل الأنكد أنها زادت من تفاقم الوضع، ليتحقق إجمالي عجز عن السنوات الخمس الماضية يبلع نحو 385 مليار دولار، تزامنت مع مصروفات حرب اليمن، ثم دعم الديكتاتوريات العربية المجاورة.
الغريب أن الموازنة تباهت بالإنفاق السياحي والترفيهي والعقاري، في أغنى بلد عربي، وأكثره بؤسًا، التقارير غير الرسمية تتحدث عن فقراء يتجاوز عددهم الملايين الثلاثة، أي 10% من عدد المواطنين، وأغلبهم يعاني من حياة مأساوية، ويعيشون في أكواخ من الصفيح، بجوار البنايات الحديثة الفخمة، وهؤلاء ليس لهم صوت ولا يعلو صراخهم، مثل الراقصين والراقصات في ليالي جدة المغمورة بالأضواء.
منظمة أوكسفام البريطانية، والمعنية بتوزيع الدخول، كشفت في تقاريرها أن نسب الفقراء في المنطقة العربية تتزايد باضطراد، ثم إن نسبة "حيتان الثروة" تزيد هي الأخرى، في مفارقة كارثية على مستقبل الدول العربية كلها، والسعودية جزء من كل يئن ويتوجع.
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا"، أعلنت الشهر الماضي، أن 40% من سكان الدول العربية تحت خط الفقر، إضافة إلى 25% من السكان أيضًا معرضون للفقر، أي أننا نتحدث عن ثلثي سكان المنطقة العربية، إما فقراء بالفعل أو في طريقهم للطبقة المسحوقة.
وبالإضافة للفقر، وما يستتبعه من فرض علاقة قهر على طبقة بعينها، تخرج من تحت مظلة رعاية الدولة، سواء بالدعم غير الموجود أو شبكة الحماية الاجتماعية الغائبة، فإن توزيع الدخل في المنطقة العربية هو الأسوأ على الإطلاق، حيث يحوز أثرى 10% من السكان على ما يفوق 65% (ثلثي) الدخل القومي، بينما يحصل 90% من السكان على الثلث فقط، وبالمقارنة بأوروبا القريبة، فإن أغنى 10% من السكان لا تزيد حصتهم في الدخل القومي عن الثلث فقط.
أي أن فقراء المملكة يعانون في ظل موازنة تضيق عليهم عامًا بعد عام، ويتحملون عجزها، كما يتحملون ضغطها، وفي المقابل فإن مصروفات الترفيه تتزايد وتتسع، لتشمل المطربين ولاعبي الكرة من مشارق الأرض ومغاربها، أموال البلد حلال لهم، حرام على أبنائه.