"بن هوبارد"- صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية-
ولد عام 1985، أي أنه كان في الخامسة من عمره عندما غزا "صدام حسين" الكويت، ولم يتعد الـ16 عاما، عندما هاجم مواطنه المنشق "أسامة بن لادن" برجي التجارة العالمية وأهدافا أخرى في الولايات المتحدة عام 2001، لكنه الآن يطمح لأن يكون أقوى ملوك السعودية..
ما سبق كان جزءا من الكتاب الذي أصدره، مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية ببيروت، "بن هوبارد"، والذي عنونه باسم "MBS.. قصة صعود قوة محمد بن سلمان"، والذي حاز على اهتمام كبير بين أوساط الإعلام الدولي، بعد صدوره، منذ أيام.
ونشرت "نيويورك تايمز" عرضا شيقا للكتاب، قدمه "كريستوفر ديكي"، مراسل الشرق الأوسط السابق بصحف "واشنطن بوست" و"نيوزويك"، ومحرر الأخبار العالمية لصحيفة "ديلي بيست".
وقال "ديكي" إن قوة الكتاب تكمن في دقة تقاريره الناتجة عن مقابلات أجراها "بن هوبارد" مع مصادر نافذة داخل المملكة، معظمهم رفض أن يكشف هويته خوفا من البطش، وظل "بن هوبارد" يجري تلك المقابلات حتى توقفت السعودية عن إصدار تأشيرات له.
وأضاف أن "بن هوبارد" جعل سؤاله المحوري في الكتاب: "هل سينضج بن سلمان ليصبح ملكا أكثر حكمه، أم سيستمر في أسلوب المفاجآت غير السارة التي تشكل خطرا على مسيرته؟".
معتبرا أن اغتيال الصحفي السعودي، الكاتب بصحيفة "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، عام 2018 ليس سوى أشهر تلك المفاجآت، وهناك أيضا مسألة الاختراق المزعوم من قبل "بن سلمان" لهاتف "جيف بيزوس" رئيس شركة "أمازون" مالك صحيفة "واشنطن بوست".
وألقى "بن هوبارد" الضوء على حظوظ "بن سلمان" للحكم، وفقا لموقعه في العائلة المالكة السعودية، والتي كانت قليلة للغاية، لكن ظروفا غير متوقعة قادته إلى قلب المسألة، بعد أن تولى والده، الملك "سلمان" حكم المملكة في يناير/كانون الثاني 2015.
و"محمد بن سلمان" لديه العديد من الإخوة الأكبر سنا، لكن مع صعود والده إلى العرش، بات هو الأقرب إليه، وقبل ذلك كان ملتصقا به، عندما كان "سلمان" حاكما للرياض.
"لم يدر شركة أبدا"، يقول "بن هوبارد"، ويردف: "لم يكتسب خبرة عسكرية.. لم يدرس في جامعة أجنبية.. لم يتقن لغة أجنبية أو حتى أصبح يعمل بها.. لم يمض وقتًا طويلًا في الولايات المتحدة أو أوروبا أو أي مكان آخر في الغرب، ومع ذلك، فجأة، كان النجم الصاعد في القصر الملكي".
وسرد "بن هوبارد" بداية بطش "بن سلمان" بكل من يضيق به ذرعا، بدءا بوالدته واثنتين من شقيقاتها، حيث حبسهن في أحد القصور، لإبقائهن هادئات.
في يناير/كانون الثاني 2016 أعدمت السعودية 47 رجلا، منهم مرتبطون بتنظيم "القاعدة"، لكن معظمهم كانوا من قيادات الأقلية الشيعية بالبلاد.
وعندما ذهب الرئيس الأمريكي السابق" باراك أوباما" إلى السعودية في عام 2016، وانتقد الإعدامات الجماعية، في لقاء متوتر مع الملك "سلمان"، انبرى "محمد بن سلمان" ليخبر "أوباما" بأنه لا يفهم النظام القضائي السعودي وخصوصيته.
يقول "بن هوبارد": "كانت الصورة التي علقت مع الأمريكيين هي صورة أمير يبلغ من العمر 30 عامًا يقف على قدميه لإلقاء محاضرة على رئيس الولايات المتحدة.. لم يروا أي شيء مثل هذا من قبل".
وبعد شهرين، ذهب "بن سلمان" في جولة إلى الولايات المتحدة، والتقى بالعديد من أغنى الناس وأقواهم هناك، وكان يروج لخطته الاقتصادية، المسماة رؤية 2030، لكنه لم يعتذر عن ميوله الاستبدادية، بل على العكس، قال، خلال نقاش في وادي السيليكون إن نوعية "الملك المطلق" تعطي سرعة في اتخاذ القرارات، والقرار الذي يتخذه هذا النوع من نمط الحكم في خطوة واحدة تتخذه الإجراءات الديمقراطية التقليدية في 10 خطوات".
وألقى الكتاب الضوء على ممارسات "بن سلمان" داخل المجتمع السعودي، بإلغاء الحواجز التي كانت تحول دون الشباب السعودي والترفيه، وقلص مهام وصلاحيات الشرطة الدينية، وأعطى للمرأة الحق بقيادة السيارات، لكنه سجن وعذب الناشطات اللاتي طالبن بهذا على مدار سنوات، لتكون الرسالة واضحة، وهي أن القرارات والمنح تأتي فقط من القصر.
وبعد هذا، نصب "بن سلمان" السيرك للجماهير، من الأوبرا إلى مصارعة المحترفين ودور السينما والحفلات الغنائية.
وعندما تم انتخاب "دونالد ترامب"، كان "بن سلمان" على استعداد لنسج علاقة كاملة مع البيت الأبيض، وفي وقت مبكر، حدد السعوديون مقاربة إدارة "ترامب" للسياسة الخارجية باعتبارها معاملات، يديرها صانعو الصفقات الذين يبحثون عن الحد الأدنى، وليس من قبل الدبلوماسيين الذين يركزون على المصالح طويلة الأجل أو حتى في بعض الأحيان القيم.. كانت لعبة "ترامب" واضحة للسعوديين.
وتطرق الكتاب أيضا إلى علاقات "بن سلمان" بـ"جاريد كوشنر"، صهر "ترامب" الشاب، وإقدامه، بعد شهور من توليه منصب ولاية العهد على قطع العلاقات فجأة مع دولة قطر، زاعما أنها تدعم الإرهابيين وتتعاون مع إيران، وأيد "ترامب"، في البداية، هذه المسرحية، قبل أن يتم تنبيهه بأن أكثر من 10 آلاف جندي أمريكي يستخدمون قطر كقاعدة إقليمية حيوية.
وأشار الكتاب إلى شراء "بن سلمان" يختا ضخما مقابل 456 مليون دولار، وقصرا فخما في فرنسا مقابل 300 مليون دولار.
وتحدث "بن هوبارد"، في الكتاب أيضا، عن الصدمة التي أحدثها "بن سلمان" بين أوساط أمراء ووزراء ورجال أعمال عندما احتجزهم في فندق "ريتز كارلتون" بالرياض، قبل أن يجبرهم على التوقيع على التنازل عن أصول تقدر قيمتها بمليارات الدولارات.
وتناول الكتاب أزمة احتجاز "بن سلمان" رئيسَ الوزراء اللبناني "سعد الحريري" في الرياض، وإجباره على الاستقالة، في مشهد أثار استنكارا دوليا، قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" لإطلاق سراحه.
أما الأزمة الأكبر، والكلام لـ"بن هوبارد"، فكانت القتل الوحشي للصحفي "جمال خاشفجي"، وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية بإسطنبول التركية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.