واشنطن بوست-
كتب المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس عن المسؤول الأمني السعودي سعد الجبري الذي وصفه بـ “البطل” ولكنه أصبح هدفا لحملة محمد بن سلمان الوحشية. ويقول إن الضباط في مجال الإستخبارات يشعرون بحس من الخوف للتخلي عن زملاء لهم ساعدوا في قتال الأعداء المشتركين. كما ويشعرون بحس من الخيانة والثقة المحطمة واختراق القواعد غير المكتوبة للتجارة/ الاستخبارات.
وقال إن عددا من قادة الاستخبارات الغربيين يراقبون بحس من لا يصدق مصير زميل لهم أسهم في بناء القدرات الاستخباراتية السعودية بمجال مكافحة الإرهاب، وزود الوكالات الغربية بمعلومات لا تقدر بثمن في معركة مقاتلة الإرهاب.
وفي مقابلة نجل المسؤول سعد، الدكتور خالد الجبري، أخصائي القلب الذي يقيم مع والده في تورنتو بكندا، قال فيها إن الأمن السعودي اعتقل شقيقه وشقيقته كورقة ضغط لإجبار والده على العودة إلى السعودية.
ويقول إغناطيوس إن محمد بن سلمان بات يلاحق واحدا من أعمدة الاستخبارات في السعودية، حيث روج حلفاؤه لاتهامات تقول إن الجبري كان يعرف عن سرقة مرتبطة بولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف وأنه متعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين.
ويرفض خالد الجبري الاتهامات ويقول إنها “مزاعم باطلة ولا أساس لها ولدينا ما يثبت أنها ذات دوافع سياسية، وأيا كانت الإتهامات التي يروجون لها فلا تبرر الاحتفاظ بالأولاد كرهينة.
ورفض سعد الجبري التعليق وكذا مسؤول سعودي بارز تم الإتصال به ليلة الخميس.
ويرى أصدقاء الجبري أن على الحكومات التي ساعدها الجبري على مدى السنوات الماضي المسارعة لدعمه. وقال مسؤول أمني بريطاني، عبر عما في ذهن زملائه “من الناحية الأخلاقية فعلينا واجب لمساعدته في وقت الشدة”. وقال القائم بأعمال مدير “سي آي إيه” السابق مايكل موريل “ما يحدث له ولعائلته غير صحيح”. وأضاف في رسالة نصية “ساعد عمله على حماية أرواح السعوديين والأمريكيين في المملكة وخارجها وأضع حياتي وحياة عائلتي في يده. ولا أفهم أبدأ أنه سيفكر يوما بالتآمر ضد حكومته”.
وعبر جورج تينت الذي عمل مديرا للـ”سي آي إيه” في عهد كل من بيل كلينتون وجورج بوش عن نفس الثقة بالجبري ” كان رجلا قويا”. وعمل تينت مع الجبري في بداية 2003 لإعادة بناء المخابرات السعودية كي تكون قادرة على مواجهة تنظيم القاعدة واختراق فرعها في اليمن. وقاد الجبري جهود اختراق الشبكة التي كانت تخطط لإرسال قنابل مخفية في محابر الطابعات على متن طائرات أمريكية.
وبمساعدته في الكشف عن هذه المؤامرة ساعد الجبري على حماية حياة آلاف الأمريكيين وغيرهم. ويعلق إغناطيوس ” في الحرب ضد القاعدة كان الجبري واحد من الأبطال العرب، واليوم أصبح هو وعائلته ولسبب غير مفهوم هدفا لحملة وحشية، فيما وقفت الحكومات الغربية متفرجة”. ويقول الكاتب إن الجبري ينتمي إلى عائلة سعودية ثرية ومترابطة وكان رجل شرطة به رغبة عارمة لدراسة علم الكمبيوتر. وتوفي والد الجبري في حائل، عندما كان صغيرا، ولمساعدة عائلته انضم إلى أكاديمية الشرطة وتدرج ليصل إلى رتبة ضابط وعمل في الطائف بالحجاز.
وفي أوقات فراغه درس الإنكليزية وعلم الكمبيوتر ليحصل في الثمانينات من القرن الماضي على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر من كلية في الظهران. ولعب دورا في إنشاء وحدة الكمبيوتر بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض، وهي الكلية التي دربت فيها وزارة الخارجية رجال الأمن. ولأنه ظل مغرما بعلوم الكمبيوتر فقد واصل دراسته للدكتوراة عام 1993 في جامعة أدنبرة التي تخرج منها عام 1997 متخصصا في مجال الذكاء الصناعي. وكان يرغب بعد تخرجه بالعمل في شركة أرامكو لكن الأمير نايف، وزير الداخلية اراد أن يعمل هذا الطالب الموهوب معه ويدرس في الكلية الأمنية. ومنذ ذلك الوقت ارتبط مصير الجبري بنايف وابنه محمد الذي كان مساعدا لوزير الداخلية ثم مديرا لمكافحة الإرهاب ثم وزيرا فوليا للعهد. واعتقل محمد بن نايف في بداية آذار/مارس قبل عشرة أيام من اختفاء ولدي الجبري.
وعندما انضم الجبري إلى وزارة الداخلية كانت تدار بطريقة محافظة ومتخلفة. وحاول الأمير نايف بناء توازن غير مريح بالمؤسسة الدينية وقام أسلوب إدارته على شراء الإوغاد بالمال. وخلق الدعم السعودي للحرب الأفغانية تيارا من الجهاديين الذين حاولوا استفزاز العائلة المالكة، حتى أيار/مايو 2003 عندما استهدفت القاعدة مجمعا للعاملين الغربيين قتل فيه 35 شخصا منهم 10 أمريكيين.
وسافر تينت إلى الرياض برسالة إلى ولي العهد في حينه الأمير عبد الله وحذره من أن العائلة والمملكة في خطر. وعندها فهم السعوديون الرسالة وبدأ محمد بن نايف ببناء وحدة أمن حديثه اسمها المباحث” وأصبح فيها الجبري كرئيس لطاقم محمد بن نايف نقطة التواصل مع المخابرات الغربية. وساعد على بناء الخدمة وعمليات البحث عن البيانات والرقابة والمشاركة بالمعلومات والتنسيق مع المخابرات الغربية. وتم إرسال أكثر من 30 من الضابط الشباب إلى بريطانيا لتلقي التدريب، حيث ساعد في ترتيب العملية أحد أساتذة الجبري السابقين هناك. واعتقلت المباحث المتعاطفين السعوديين مع القاعدة، وبدلا من تعذيبهم تم إدخالهم في برامج تأهيل. وبدأت المباحث بالتحقيق في تمويل القاعدة باليمن. وقام رجال الجبري بتجنيد متعاونين من المجتمع اليمني الكبير بالمملكة. وكتب تينت في مذكراته عام 2007 “العالم ليس آمنا بعد ولكنه أكثر أمنا اليوم لأن السعوديين اتخذوا إجراءات قاسية”. وتذكر مسؤول بريطاني عمل مع الجبري “فجأة، بدأنا نتعامل مع جماعة مهنية تحظى بدعم سياسي. وكان سعد هو الشخص الذي قدم الرابطة التي أدت لإنجاز الأمور”. وقام الجبري ومديره محمد بن نايف بإنشاء بيوت لتأهيل الجهاديين. وساعد مارك سيغمان، المحلل النفسي والضابط الشاب في “سي آي إيه” على بناء برامج مكافحة الإرهاب حيث تعاون مع الجبري. وقال سيغمان عنه “كان يتعامل مع الحقائق لا التحيزات”.
وأصبح محمد بن نايف ومساعديه الكبار هدفا للقاعدة. ويقول خالد الجبري إن والده نجا من محاولة اغتيال نظمها تنظيم القاعدة في الجزيرة عام 2005 وذلك عندما كان أفراد فريق الهجوم يقوم بتغيير لوحات السيارات في موقف سيارات. وتعرض لمحاولة اغتيال عام 2006 فيما أصيب محمد بن نايف إصابة بالغة في محاولة لاغتياله في آب/أغسطس 2009 عندما دخل انتحاري إلى مجلسه. وكان الجبري بالإضافة لمواجهة القاعدة من أول الذين فطنوا لخطر إيران على المصالح النفطية. ففي برقية سربتها ويكيلكس، وتشير إلى اجتماع في نيسان/إبريل 2007 مع مسؤولي السفارة بالرياض، وجاء فيها أن الجبري “عبر عن قلقه المستمر عن التهديد الذي تمثله إيران على البنى النفطية السعودية”.
ويرى إغناطيوس أنه في لعبة العرش السعودي فإن الناس العاديين مثل الجبري يصعدون ويهبطون مع رعاتهم الأمراء. فبعد تولي الملك سلمان العرش عين الأمير محمد بن نايف وليا للعهد، إلا أن الأخبار السيئة هي تعيين نجل الملك محمد بن سلمان نائبا لولي العهد. وبدأت لعبة السلطة، ويتذكر خالد شعور والده بالمشاكل القادمة. وقال الجبري لولده “لا أريد أن أتورط في “لعبة العروش””. وكانت مشكلة الجبري أنه عارض قرار محمد بن سلمان شن حرب اليمن عام 2015 ويتذكر خالد كيف قال والده “لو ذهبت إلى الحرب فستكون مصيدة موت ومأزقا”. وبعد خمسة أعوام توصل السعوديون إلى نفس النتيجة.
أما المشكلة الثانية فهي محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي الذي كان يشك بالجبري. وعندما زار محمد بن سلمان، أبو ظبي في نيسان/إبريل 2015 حذره من أن الجبري على علاقة سرية مع الإخوان المسلمين. وهذا بحسب مصادر سعودية وبريطانية. ورفض خالد الجبري الاتهامات وقال “والدي رجل ملتزم بالدين” و”اتهام شخص استهدفه تنظيم القاعدة بإقامة علاقة مع الإخوان تثير السخرية”. ويرى الكاتب أن الشرخ بدأ عندما كان الملك سلمان يصطاف في المغرب وحل محله في الواجبات محمد بن نايف، حيث صادق على رحلة للجبري إلى مقر المخابرات الأمريكية في لانغلي حيث اجتمع مع مديرها جون برينان وتوقف في لندن حيث اجتمع مع وزير الخارجية فيليب هاموند. وما دار في هذين الاجتماعين غير معروف إلا أن محمد بن سلمان شك في كونها محاولة من محمد بن نايف للتآمر من خلف ظهره. وزادت مشاكله بعد شهر عندما زار البيت الأبيض برفقة خالد بن سلمان، الذي كان المحلق العسكري في السفارة السعودية في واشنطن ثم السفيرلاحقا لمناقشة حرب اليمن. وسافر الجبري إلى تامبا لمقابلة الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية في ذلك الوقت. وقدم الجبري تقريرا عن الزيارة لمحمد بن نايف والديوان الملكي لكن لم يرض هذا محمد بن سلمان.
وأعفي الجبري من منصبه في 10 أيلول/سبتمبر 2015 بعد عودة الملك سلمان ومحمد من زيارة لواشنطن واجتماعهما مع باراك أوباما. وترك الجبري العمل في الحكومة ولكنه بقي لمدة عامين مستشارا لمحمد بن نايف و “كان يعرف الكتابة على الجدار” كما يقول ابنه.
وفي 17 أيار/مايو 2017 وقبل زيارة الرئيس دونالد ترامب ذهب الجبري في إجازة لبيته في تركيا ومنه هرب إلى تورنتو. وحاول السعوديون ترحيله بتهمة إساءة إدارة المال في الاستخبارات، ولأنه عرف بالقادم فقد حاول إخراج معظم أبنائه من المملكة ولكن ظل عدد منهم هناك.
ويقول خالد الجبري إن الأمير محمد بن سلمان أوصل لوالده في 18 حزيران/يونيو رسالة مفادها هي أنه يريد عودته إلى الرياض وسيعرض عليه وظيفة أفضل من تلك التي كان يشغلها. وحاول الجبري اللعب على الوقت وتأخير العودة وقال لولي العهد إنه سيعود بعد أسبوعين. وغادر خلالها ابنه صالح أما ولده عمر وسارة فكانا ينتظران تأشيرات السفر إلى الولايات المتحدة. وحدث الانقلاب في 20 حزيران/يونيو حيث اختفى محمد بن نايف لساعات لكي يظهر وهو يعلن البيعة لولي العهد الجديد محمد بن سلمان. وفي صباح اليوم التالي حجز عمر وسارة رحلتهما للسفر إلى الولايات المتحدة حيث تم إيقافهما بالمطار بناء على أوامر من المباحث. واتصل بن سلمان بسعد الجبري مرة أخرى في أيلول/سبتمبر بعد نشره مقالا من خلال مركز بيلفر للشؤون العلمية والدولية بمدرسة كيندي بجامعة هارفاد ثمن فيه مواقف ولي العهد الحازمة ضد إيران.
وطلب سعد الجبري السماح لأولاده السفر إلى أمريكا ومواصلة دراستها في بوسطن لكن محمد بن سلمان ربط سفرهما بعودته إلى السعودية. وبقيت العائلة صامتة لمدة عامين ونصف، حيث درس عمر وسارة في مدرسة بالرياض وحصلا على علامات جيدة. وحاول مسؤولون أمريكيون التدخل بهدوء دونما نتيجة.
فمحمد بن سلمان يريد عودة الجبري وكان يحضر لزيادة الضغط. وعندما اعتقل محمد بن نايف في آذار/مارس اعتقد أن “الدور قادم على الأطفال”، وكان محقا، فبعد 3 أيام حقق الأمن مع سارة وعمر لمدة 90 دقيقة. وكان الهدف كما يقول خالد من التحقيق هو محاولتهما إقناع الأب بالعودة. وبعد 3 أيام أخذا إلى مكتب أمن الدولة وبعد يوم حضرت عدة سيارات أمن صباحا واعتقلتهما من البيت ونقلا إلى مكان مجهول دون توجيه اتهامات “وهما رهينتان” كما يقول خالد و “الفدية هي والدي”.
وخافت العائلة لو تكلمت أن يحدث أمر لهما ولكن ماذا ستفعل عندما يختطف أولادك ولم تعمل الحليفة الأمريكية أي شيء. ويقول خالد الجبري “والدي وطني وهو رصيد للعالم في الحرب على الإرهاب” و “لن يفكر أبدا بتهديدأحد ووضعنا في موضع لا خيار فيه إلا حماية عائلتنا بكل الوسائل المتاحة”.