ديفيد إغناطيوس- صحيفة واشنطن بوست-
قال المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس، إن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي يستخدم قيود المنع من السفر لتوطيد دعائم حكمه.
وقال إن “منع السفر” يقوم على استفزاز آلاف السعوديين من خلال تقييد حركتهم، فقط لأن ولي العهد يتعامل معهم كتهديد سياسي. ويقول خالد الجبري، طبيب القلب السعودي ونجل المسؤول الأمني سعد الجبري المقيم في كندا: “هذه أداة اختطاف رهائن كوسيلة للحكم”.
ومُنع شقيق وشقيقة خالد وكلاهما في العشرينات من العمر من السفر عام 2017، بعد فترة قصيرة من وصول محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد. وجاء منعهما من السفر كوسيلة للضغط على والدهما للعودة إلى السعودية ومواجهة اتهامات فساد، يقول خالد الجبري إنها كاذبة.
وكشف تحقيق حول سياسات منع السفر إلى الخارج بأنها أوسع مما هو معروف، فهي وسائل قمع منظمة للاضطهاد. واستخدم بن سلمان هذه الوسائل لكي يعزز من قبضته على الحكم والسيطرة على مفاصل الدولة من والده، الملك سلمان.
ويقول سعوديون ومحللون أمريكيون، إن عدد الذين مُنعوا من السفر ربما زاد على الآلاف. ولا يعرف الذين مُنعوا من السفر عن وضعهم إلا عندما يذهبون إلى المطار أو يحاولون اجتياز نقاط مراقبة الحدود، حيث يتم وقفهم ويخبرون أنهم لا يستطيعون العبور بناء على أمر من أمن الدولة الذي يدار عبر البلاط الملكي.
وعادة لا يُمنح هؤلاء تفسيرا أو تُقدم إليهم أسباب حول المنع. ويعتقد عدد منهم أن المنع هو محاولة للضغط أو إجبار من يراهم محمد بن سلمان تهديدا عليه للعودة إلى المملكة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تمارس فيه السعودية سياسة منع السفر على مواطنين، وهي ليست الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط. ولكن المحللين السعوديين والأمريكيين يعتقدون أن محمد بن سلمان استخدم سياسة تقييد السفر كجزء من سياسته لقمع أي تحد له داخل العائلة المالكة أو النخبة الاقتصادية.
وتبدأ قائمة المنع من عائلة الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي أدت وفاته إلى “لعبة العروش” والتنافس داخل المملكة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم. وبحسب رجل أعمال غربي قريب من عائلة الملك عبد الله، فقد تم منع 27 ابنا وبنتا من أبناء الملك الراحل من السفر إلى الخارج منذ عام 2017. بالإضافة إلى منع ما بين 52-57 حفيدا وحفيدة من السفر إلى الخارج.
ولم يحدد المصدر الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع عن أسماء أفراد الممنوعين من السفر من عائلة الملك عبد الله. وبحسب التقارير الصحافية المنشورة، فقد تم احتجاز كل من متعب، قائد الحرس الوطني السابق ومشعل، أمير منطقة مكة السابق وفيصل، المدير السابق للهلال الأحمر السعودي وتركي، أمير منطقة الرياض السابق كانوا من ضمن الذين احتجزهم محمد بن سلمان في عام 2017 بفندق ريتز كارلتون بتهم فساد، ولا يزالون قيد الاعتقال أو الإقامة الجبرية ولا يسمح لأولادهم بمغادرة البلاد، وذلك حسب مصادر سعودية وغربية. وينسحب المنع على زوجة وابنتي محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي عزله محمد بن سلمان في حزيران/ يونيو 2017.
وسمح لزوجة محمد بن نايف، ريما بنت سلطان، بمغادرة البلاد لفترة قصيرة من أجل تلقي العلاج، فيما حُظر السفر على ابنتيها سارة ولؤلؤة. وتقول المصادر إن أفرادا من عائلة محمد بن سلمان نفسها لا يسمح لهم بالسفر.
ويعتبر الـ300 شخص أو أكثر ممن اعتقلوا في فندق ريتز كارلتون الجزء الأكبر من مجتمع الممنوعين من السفر. وتشمل المجموعة أسماء رجال أعمال وقادة مال في المملكة، مثل الأمير الوليد بن طلال الذي استثمر في فنادق ومصارف حول العالم. وأفرج عنه مع آخرين بعدما تخلوا عن جزء من ثروتهم التي يزعم محمد بن سلمان أنهم حصلوا عليها بطريقة غير صحيحة.
لكن الذين وافقوا على “تسوية” حالاتهم وعددهم 200 مُنعوا من السفر والتحرك بحرية مع عائلاتهم حسب عدة مصادر. وقدّر مصدر من عائلة ممنوعة، عدد الذين حظر عليهم السفر من سجناء ريتز كارلتون وأفراد عائلاتهم بأنهم ما بين 2.000 – 2.500 شخصا، ولكن الرقم لم يتم التأكد منه.
وبالإضافة لحالات فندق ريتز، اعتقل محمد بن سلمان 131 من الرموز السياسية والدينية منذ أيلول/ سبتمبر 2017 وذلك بحسب قائمة أعدتها منظمة هيومن رايتس ووتش، وتمنع عائلات المعتقلين من السفر أيضا.
واعتبرت المنظمة منع هذه العائلات من السفر كجزء من انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية. وجاء في التقرير: “بالإضافة لاستهداف المواطنين السعوديين مباشرة واعتقالهم، ففي بعض الحالات عاقبت السلطات أفراد العائلة عبر فرض منع تعسفي للسفر إلى الخارج أو تجميد حساباتهم وحصولهم على الخدمات”.
وكشفت حالة اعتقال الداعية سلمان العودة في 10 أيلول/ سبتمبر 2017 عن الكيفية التي يعمل فيها نظام المنع. فقد قام شقيقه خالد بنشر خبر اعتقاله عبر تويتر وتم اعتقاله بعد يومين. وتقول جماعات رقابة حقوق الإنسان في السعودية إنهما لا يزالان معتقلان. ومُنع منذ ذلك الوقت 17 فردا من عائلة العودة وبعضهم تحت سن العاشرة من السفر.
وكان عبد الله الباحث في جامعة جورج تاون خارج السعودية عندما اعتقل والده. ورفض مطالب بالعودة إلى المملكة حيث علق قائلا: “هذه ممارسة معروفة الآن في السعودية” و”يستخدمونها لتهديد أو استفزاز أو إسكات العائلة”.
وتعتبر حالة الصحافي جمال خاشقجي الكاتب في صحيفة “واشنطن بوست” حيث منع ابنه صلاح من السفر عام 2017 وأخبر أنه لن يسمح له بالسفر إلا في حالة عودته.
ورفض خاشقجي هذه الاستفزازات وقتل في القنصلية السعودية باسطنبول في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وبناء على أوامر قالت “سي آي إيه” إنها صدرت من محمد بن سلمان.
وركزت وزارة الخارجية على حالات منع سفر طالت مواطنين أمريكيين من حملة الجنسية المزدوجة. وإحداها كانت حالة الطبيب والنجم التلفزيون وليد الفتيحي، الذي اعتقل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 وأفرج عنه في آب/ أغسطس الماضي بعد ضغوط أمريكية، ولكنه لا يزال ممنوعا من السفر وعائلته.
وتضغط الخارجية السعودية في حالتين وهما صلاح الحيدر وبدر إبراهيم. وفي بعض الأحيان تسمح السلطات السعودية لعضو في عائلة معروفة بالمغادرة وبشرط بقاء البقية كرهائن لحين عودته.
وكمثال على هذا، عائلة تجارية معروفة من ثلاثة أشخاص قاموا بتوسعة محلّين لبيع الملابس الداخلية الرجالية إلى شبكة مكونة من 19 مركز تسوق، فلو غادر واحد منهم، على الإثنين الآخرين البقاء. ونفس القيود قائمة على عائلة بن لادن التي تدير تجارة إنشاءات واسعة. وأوقف اثنان من أبناء العائلة في عام 2017 واحد في مطار جدة، والثاني وهو يحاول قطع الجسر إلى البحرين.
ويقول المدافعون عن محمد بن سلمان، إن اعتقال العائلات البارزة جاء بسبب قضايا فساد والذي كان جزءا من الحياة بالسعودية. وأنه يقوم بتحضير لائحة اتهام ضد محمد بن نايف الذي يتهمه باختلاس أموال وزارة الداخلية.
وهي نفس الاتهامات الموجهة للجبري الذي يقول إن الشرطة الدولية (إنتربول) رفضتها باعتبارها اتهامات سياسية.
ويقول إغناطيوس، إن احتجاز أفراد العائلات الأبرياء كرهائن للضغط هو أسلوب يعلم ممارسات الأنظمة الوحشية عبر التاريخ، ومع زيادة الاضطهاد أصبحت الآن جزءا من طريقة حكم بن سلمان.