(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
تدرجت احوال الخليج من اللا مقبول الى اللا معقول، بعد افتتاحية مشهد التطبيع العلني والاعلان عن تحالفات مع العدو الوجودي للعرب والمسلمين، بما يشكل انصالا عن التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا والوجدان ناهيك عن الاخلاق.
ولعل التسارع والهرولة الخليجية، شكلت فعلا بمثابة الهجوم والصدمة رغم ارهاصاته ورغم السياسات السابقة التي كانت تخدم العدو، الا ان استقبال الجماهير والشعوب للسياسات السابقة كان متفاوتا في التقييم، بين التفهم من بعض الاطراف وبين الرفض لنهج التبعية وبين اتفاق على خدمة العدو واختلاف في التقييم هل عمدا ام عن غير عمد.
بينما الاعلان والتصريح والتمهيد لخطوات خطيرة في المضي في هذا التحالف المخزي، لم يدع هناك معسكرات، بل حصر الامر في معسكرين فقط، الاول مؤيد ومنافق ومفرط ومرتزق، والاخر متمسك بالثوابت ورافض ومعارض.
ولعل الامارات التي افتتحت المشهد الخليجي، لا تسعى فقط لقيادة (الخليج الجديد)، بل تجاوز طموحها ذلك لقيادة "الشرق الاوسط الجديد) وفقا لمفهوم شيمون بيريز.
وان كانت السعودية في الطريق للاعلان المخزي، فانها تمهلت قليلا ربما لترى ردود الافعال ومدى نجاعة الخطوة، والاهم ان الخطوة يراد ان تأتي في سياق ترتيبات العرش وضمن معادلات تمرير السلطة لولي العهد.
وهنا لنا ملاحظة ربما تعكس دلالات، وهي ان الامارات وبرغم جرأتها ورغم ما اعلنته عن خطوات متقدمة، كان حجم المعارضة للخطوة لا يتسق مع الانقلاب التاريخي، ونجحت في القمع الداخلي، واقتصرت المعارضة الخارجية على تشكيل مجرد رابطة لمقاومة التطبيع (رغم اهمية الرابطة وتقديرنا لنا)، ولم تشكل معارضة ترفض شرعية الحكم نفسه او بوادر ثورية على نظام فرط في الثوابت.
بينما وجدنا خطوة غير مسبوقة منذ الستينيات تقريبا، تحدث بخصوص السعودية، حيث أعلنت شخصيات سعودية معارضة تشكيل حزب باسم "التجمع الوطني" لتأسيس مسار ديمقراطي للحكم بالسعودية، في أول تحرك سياسي منظّم ضد السلطة في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز.
وهي خطوة ليست هينة لانها تتعلق بترتيب الحكم وليس مجرد اعتراض على السياسات، بل تشكل بديلا، كما انها خطوة لها دلالات كبيرة على رفع، او على الاقل، تراجع الحماية الدولية لنظام ال سعود.
وبنظرة على بيان تأسيس الحزب، فقد قال إن هدفه "تجنّب انزلاق البلاد إلى اضطرابات أو مسارات عنيفة، وتعزيز تعاون السعودية مع العالم إقليمياً ودولياً بما يخدم مصالح الشعب"، ودعى البيان الى "مجلس نيابي منتخب بالكامل، وفصل السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية وفق ضوابط دستورية".
وتحدث الحزب في البيان عن "انسداد الأفق السياسي"، داعياً إلى التغيير السلمي لمواجهة "انتهاج السلطة المستمر لممارسات العنف والقمع".
لن نتطرق هنا للشخصيات التي وقعت على البيان التأسيسي فهي شخصيات وطنية مشهود لها بالعلم وراسخة في المعارضة ولا تشكل انشقاقات على خلفية اختلافات او مناصب او مكتسبات، والشاهد هنا هو طرح بديل وطني والاعلان عنه بطمأنينة على غير العادة والتي كانت تشهد مطاردات وتواطؤ من الحكومات التي تعيش بها الشخصيات المعارضة، وفرض خطوط حمراء واسقف للمعارضة.
وهو ما يعني ان النظام السعودي وصل لمرحلة من الصعب تغطيتها سياسيا، وربما من تراجع النفوذ والازمات الاقتصادية بما يحول دون استمرار سياسة الرشاوى والضغط السياسي والاقتصادي.
بنحصر حاليا الامن القومي الخليجي في الحماية الامريكية، وربما تقلص ليصبح حماية ترامب فقط، وهو ما جعل الامارات تضيف عاملا مضافا للامان مع امريكا، عبر التحالف مع العدو الاسرائيلي، باعتبارها بوابة لرئيس جديد غير ترامب، لو قدر لترامب السقوط، باعتبار ان البوابة الصهيونية تفتح حماية جميع الادارات الامريكية!
ورما تمرير المعارضة الخارجية هو نوع من الضغط على السعودية للاسراع بالاعلان عن التطبيع.
الشاهد ان اوراق قوة الخليج اصبحت مرادفة لاوراق التفريط والخيانة والانبطاح، والشاهد ايضا ان الكرة في ملعب الشعوب، كما لم تكن في ملعبه من قبل، فإما رفضا قاطعا واما قبولا مهينا مخزيا.
لا بد وان تشكل خطوة تدشين بديلا حاكما بالخارج جرس انذار قوي لكافة الانظمة وخاصة الخليجية، فهي بدلالاتها تعني انسداد افق التغيير بالداخل وبوادر تخلي الحاميات الاستعمارية عن محمياتها.