(فؤاد السحيباني/راصد الخليج)
أيّام الحقيقة حلّت، بالنّسبة إلى الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد عرش عبد العزيز آل سعود، مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركيّة، التي ألقى فيها بن سلمان بكلّ رهاناته، ومعها مستقبل المملكة، ومع الأسى بدون ضمان أو طريق عودة. مع ترامب إلى النّهاية، نسبقه إلى الجنون والحرب، كان هذا شعار العائلة السعوديّة الحاكمة، خلال فترة لم يخرج كل ما فيها للنّور بعد، الهدف الأوّل حقّقه ترامب، وهو إبعاد الرّجل القوي محمد بن نايف، ووضع بن سلمان على الطّريق المباشر لوراثة العرش السّعودي، والهدف الثاني سيبقى بعيداً جداً، وهو ضمان هذا الإنتقال، وربما حمايته إن لزِم الأمر، وهو ما لم يعُد بالإمكان التّأكد منه، مع فُرص الرّئيس الأميركي الضئيلة بالإنتخابات الرّئاسيّة.
في الحقيقة، فإنّ المملكة كانت تخطّط على أنّها الحليف الأميركي الأوّل بالمنطقة، لكن من قال أنّ الحليف الكبير لن يُغيّر تفضيلاته لمن يَصعد العرش، ومن ثم، يضمن الهدوء داخل البلد.. هذا هو سؤال السّاعة.
خلال الشهور الماضية، ومع ظهور بوادر العاصفة فوق البيت الأبيض، والفشل المروّع للسّفير السّعودي السّابق إلى واشنطن، خالد بن سلمان، قرّر الملك إعادة ابنه إلى الرّياض، والدّفع بالمقعد إلى الأميرة ريما بنت بندر، السّفير الأسبق، وأحد أهم من توَلّوا مقعد التّواصل بين البيت السّعودي الحاكم وقلب وعقل الإمبراطورية الأميركيّة، إلى حدّ كان يُسمّى علناً بـ "بندر بن بوش"، على عهد الرّئيس الأميركي جورج بوش الأب.
ذهبت الأميرة فقط لتصحيح مسار شاذ، منذُ بَدايته، وإعادة ربط المملكة بمراكز صُنع القرار الأميركي الحقيقيّة، القادرة على الفعل، لا مجرّد إطلاق الوعود.
المشهد الإنتخابي الأميركي، والذي يذهب إلى الإكتفاء بكوارث ترمب خلال 4 سنوات، بدت ثقيلة على دوائر التّفكير والفعل الأميركيّة، وبدت أثقل على حُلفاء واشنطن في أوروبا والعالم، بأكثر مما تحتملهُ الظّروف أو التّحالفات، ربما يكون أيضاً من بين ضحاياه حلم محمد بن سلمان بالعرش.
بعد سنوات فوّارة بالإشكاليات يبدو جو بايدن أملاً للمجتمع الأميركي، في خفض وتيرة الجنون لدى صانعي سياسة واشنطن، وإعادة رسم خطوطه عبر العالم، ومُعالجة شروخ علاقات الإمبراطورية بغرب أوروبا أولًاً، ثم إيجاد حلّ لأزمة الصّراع مع الصين، وهي قضية المصير الأولى بالنسبة لأي إدارة أميركيّة عاقِلة.
الملك كما ولي عهده، ألقى بالبيض السّعودي في السلّة الأميركيّة، ثم أضاف بوضع البيض كلْه تحت أقدام ترمب، ولم يترك ثمّة فُرصة للتّراجع.
والمُتابع للإعلام السّعودي هذه الأيّام، سيخجل من التّحوّل الهائل من تمرير صفقة القرن، إلى الإنشغال التّام والكامل بأخبار السّباق الرئاسي الأميركي، الذّعر الذي يبدو في الخطاب الإعلامي –وهو يعكس التفكير الرّسمي بالتّأكيد- يوضح إلى أي مدى تورّطت المملكة في الرّهان على ترمب، المُحتاج بشدّة لمُعجزة أو لعنة تُبقيه على رأس الإدارة لأربعة أعوام أُخرى.
الإعلام المموّل من الخزانة السعودية، خصماً من حقوق الأغلبيّة في المصروفات وأيضاً الوعي، نسى أو أراد إلهاء الجّميع في أنّ المعركة الحقيقيّة، المعركة الصحيحة والمُجدية، هي السّير نحوَ بدائُل العصر الأميركي، الذي يوشك على الأفول، خلق طريق جديد يُخاصم الإستهلاك، ويصنع ممّا تبقّى من الثّروة النّفطيّة متكأً لعصرٍ جديدٍ، بدأت بشائرَهُ مع غَزو فيروس كورونا، الأسواق العالميْة لن تكون مفتوحة إلى ما لا نهاية أمام من لا يصنع ولا يزرع ويكتفي فقط بالإستهلاك التّرفي المدمّر.