(أحمد شوقي/ راصد الخليج)
لا يُعدّ ما ذكرته إذاعة الجيش الإسرائيلي" "جالي تساهل"، من خبر مفاده مشاركة 9 إسرائيليين في فعاليات النسخة الـ43 من "رالي داكار 2021" العالمي للسيارات، الذي انطلق في السعودية بين 3 إلى 15 يناير/كانون الثاني الجاري. جديداً أو صادماً او مفاجئاً.
فالممارسات السعودية العملية تؤكّد ما يتمّ تداوله من تقارير وتسريبات حول لقاءات مع نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين كبار، وبحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تُقيم (إسرائيل) منذ فترة طويلة علاقات سرية مع السعودية، ودول خليجية أخرى، تعزّزت في السنوات الأخيرة.
ولكنّ اللّافت في الأمر هو أنّ خبراً كهذا يعدّ متطابقاً مع النماذج التطبيعية والتي تحاول السعودية نفي نيتها دائما بشأنها وبشأن التطبيع بشكل عام.
ولنتعمق قليلاً مع الخبر لبيان ما نودّ قوله:
فقد أفادت الإذاعة الصهيونية أنّ سائقين إسرائيليين شاركوا في رالي داكار على الرغم من الحظر المفروض على دخول الإسرائيليين إلى المملكة.
ونقل موقع "كالكاليست" الإسرائيلي، عن المتسابق كادشاي قوله: "حتى اللحظة الأخيرة لم نكن نعرف ما إذا كان بإمكاننا المنافسة"، مضيفاً: "تمكّنوا من نقلنا على متن رحلة إلى السعودية، لكنّنا تلقينا تأشيرات الدخول فقط في مطار جدة".
وقال كادشاي: "قابلنا وزير الرياضة السعودي عبد العزيز بن تركي الفيصل، لكنّنا تلقينا رسالة واضحة من السلطات من خلال منظمي السباق بعدم وضع أي أعلام على السيارات أو أي ذكر لـ(إسرائيل)".
هذه التفاصيل تقول إنّ الأمر يتخطّى مسائل الترتيبات الأمنية واللقاءات الإستخباراتية الخفية، والتّحالف السعودي الإسرائيلي غير المعلن، إلى نطاق آخر، يتعلّق بترتيبات عملية للتطبيع.
وهناك دلالة مباشرة لهكذا خبر تتعلّق بأنّ الأحجام السعودي عن إعلان التطبيع هو إحجام سياسي وليس مبدئي وإنّ الأمر مسألة وقت وأنّه يتعلق بمواءمة سياسية قيد التنفيذ.
ولاستكشاف طبيعة هذه المواءمة، يمكن النظر إلى السياق الدولي، ويبدو أنّ المواءمة متعلّقة بانتقال السلطة في الولايات المتحدة الامريكية.
ففي العام المنصرم، أعلنت حملة جو بايدن وقت ترشحه، أنّه "سيُنهي دعم الولايات المتحدة لحرب السعودية في اليمن، إذا انتُخب رئيساً".
وأوضح بيان نُشر على صفحة بايدن الإنتخابية: "سنُعيد تقييم علاقتنا بالسعودية، وننهي الدعم الأمريكي لحرب السعودية في اليمن، ونتأكد من أنّ الولايات المتّحدة لا تتنكّر لقيمها من أجل بيع الأسلحة أو شراء النفط".
ووفقاً لموقع "بي بي سي" عربي، وفيما يخص قضية اغتيال الكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي، أصدر بايدن بياناً الجمعة 2 تشرين الأول /أكتوبر، أعرب فيه عن دعمه للمعارضين السعوديين، وأكّد توفير آليات لحمايتهم من استهداف المملكة.
وأشار في بيانه إلى أنّ جريمة الصحفي جمال خاشقجي "والتي دفع حياته ثمناً لها"، حسب ما قال، كانت انتقاد سياسات حكومته، مؤكّداً انضمامه، لأصوات العديد من النساء والرجال السعوديين والناشطين والصحفيين الشجعان في الحداد على وفاة خاشقجي و"ترديد دعوته للناس في كلّ مكان بممارسة حقوقهم بحرية".
يضاف إلى ذلك، ما قاله بايدن أمام مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، من أنّه سوف "يأمر بتقييمٍ للعلاقات مع المملكة السعودية".
ووفقاً للتقرير المُشار إليه، يتوقّع كثير من المراقبين أن تمرّ العلاقات بين واشنطن والرياض، بمرحلة برود في عهد جو بايدن، في وقتٍ يتوقّع آخرون عدم توقف الولايات المتحدة عن بيع السلاح للرياض، لأنّه يسهم في توفير فرص العمل للأمريكيين.
وبالتالي فإنّ تأخير إعلان التّطبيع هنا ليس لسبب مبدئي أو في انتظار مواءمة سياسية تتعلق بالقضية الفلسطينية أو بمصلحة للفلسطينيين، وإنّما فيما يبدو، فهي مواءمة تتعلّق بالعلاقة مع بايدن، وهي أقرب للمساومة منها للمواءمة!
فمن المعروف أنّ انحياز بايدن للعدو الإسرائيلي، لا يقل عن انحياز ترامب، رغم تغير التصريحات وتمايز الأساليب.
كما تفيد التقارير أيضاً، بأنّه، ورغم اعتراف العديد من المسؤولين الإسرائيليين، بأنّ ترامب فعل لـ(إسرائيل) ما لم يفعله أي رئيس أمريكي سبقه، إلّا أنّ معظم هؤلاء المسؤولين أيضاً، يؤكّدون على أنّ بايدن هو صديق وحليف قوي، وأنّ الأمور لن تتغير كثيراً في عهده.
وبالتّالي فإنّ إعلان التّطبيع السعودي رسمياً مع العدو، يمكن أن يكون ورقة ناجحة للمساومة مع بايدن وتخفيف حدة سياساته المتوقعة مع المملكة، وما ممارسات تطبيعية كالتي وردت بالخبر في صدر المقال، إلّا كورقة للتلويح والطمأنة وإعلان النوايا السعودية، وهي موجهة لبايدن واللّوبي الصهيوني بالأساس.
وما الغموض السعودي بشأن إعلان التّطبيع الرسمي إلّا غموضاً غير بنّاء، وطعنة جديدة يتمّ التّخطيط لها للقضية الفلسطينية والشّرف العربي.