وول ستريت جورنال- وارين بي ستروبيل وستيفن كالين - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
يعزم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" تجديد سياسة بلاده تجاه السعودية، بشكل يهدف فيه لتحقيق توازن يشدد الرقابة الأمريكية على الرياض، دون كسر الشراكة الاستراتيجية التي تحل ذكراها الـ 76 اليوم الأحد، وذلك وفقًا لما أفاد به مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون.
ويبدو أن مراجعة العلاقات مع المملكة أوسع مما أوردته التقارير الإخبارية في البداية، لأنه إلى جانب مراجعة مبيعات الأسلحة والحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، تتضمن مراجعة العلاقات تقييمًا لما إذا كانت الولايات المتحدة قد فعلت ما يكفي لمحاسبة المسؤولين السعوديين على مقتل الصحفي "جمال خاشقجي"، وجوانب أخرى من العلاقات بين البلدين، وفقًا لما أفاد به مسؤولون أمريكيون.
بين التهدئة والتصعيد
خلال حملته الانتخابية، وصف "بايدن" السعودية بأنها "منبوذة"، ولكن منذ تنصيبها، اتخذت الإدارة الجديدة نبرة مختلفة، مؤكدة أن الولايات المتحدة ستساعد في الدفاع عن المملكة ضد هجمات القوات المدعومة من إيران في المنطقة، حتى أثناء دعوتها إلى إنهاء الحرب الأهلية في اليمن، التي تدخلت فيها السعودية عام 2015.
وقال المسؤولون الحاليون والسابقون إنه في الوقت الذي توترت فيه العلاقات خلال العقد الماضي، لا تزال واشنطن والرياض بحاجة إلى بعضهما البعض على جبهات متعددة، من الصراع مع إيران إلى تنسيق سياسات مكافحة الإرهاب والطاقة.
وقال "دينيس روس"، الذي شغل مناصب رئيسية في الشرق الأوسط أثناء تولي رؤساء جمهوريين وديمقراطيين: "من الصعب جدًا تصور نجاح أي نوع من الاستراتيجية في المنطقة إذا لم يكن السعوديون جزءًا منها".
وعلق "روس"، الذي يعمل الآن في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، على تحركات "بايدن" قائلًا: "ما أراه هو محاولة لخلق توازن، وإرسال رسالة مفادها أننا على استعداد لفرض بعض الحدود على السلوك السعودي."
محاولة تخفيف الضغط
السعودية أيضًا أرسلت رسائلها الخاصة، فقد أطلقت الحكومة الأربعاء سراح "لجين الهذلول" بشكل مشروط، وهي الناشطة التي اشتهرت بالدفاع عن حق المرأة في القيادة وسُجنت لمدة عامين ونصف، تم خلالها منح هذا الحق لنساء السعودية، لكنها لا تزال تحت المراقبة وتخضع لحظر سفر.
وقال اثنان من مستشاري العائلة المالكة السعودية إن العقوبة المخففة لـ"لجين" جاءت بناء على طلب من ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، الذي سعى لتخفيف الضغط من واشنطن، بينما يقول مسؤولون سعوديون إن القضاء في المملكة مستقل، ورحب "بايدن" بإطلاق سراحها، واصفا إياه بأنه "الشيء الصحيح الذي ينبغي عمله".
وبينما أشاد المدافعون عن حقوق الإنسان بالإفراج عن "لجين"، فقد أعربوا عن عدم اليقين بشأن ما إذا كان "بايدن" سيجعل مثل هذه القضايا أولوية على المدى الطويل، مع العلم بأن السلطات السعودية اعتقلت مئات الأشخاص من مختلف الأطياف السياسية في السنوات الأخيرة، وسحقت أي بوادر معارضة.
وقال "سنجيف بيري"، المدير التنفيذي لمجموعة "فريدوم فوروارد" الحقوقية: "سيكون من المروع للغاية أن يعود النظام الملكي السعودي بعد عام من الآن إلى القمع الداخلي والتدخلات الخارجية المناهضة للديمقراطية لمجرد أنه توصل إلى نتيجة مفادها أن الحكومات الغربية تطوي الصفحة".
كما أطلقت السعودية الأسبوع الماضي سراح اثنين من المواطنين السعوديين الأمريكيين مزدوجي الجنسية، بعد رفض طلبات سابقة من إدارة "ترامب".
احتكاكات أكبر في الأفق
وتلوح في الأفق احتكاكات محتملة بين الولايات المتحدة والسعودية بشأن قضية حقوق إنسان أكثر حساسية بالنسبة للرياض، حيث تعهد البيت الأبيض بنشر تقرير رفعت عنه السرية بخصوص دور المسؤولين السعوديين في اغتيال "خاشقجي" عام 2018 وتقطيع أوصاله في قنصلية المملكة في اسطنبول.
وكان التقييم السري لوكالة المخابرات المركزية قد حدد بثقة متوسطة إلى عالية أن الأمير "محمد بن سلمان" من المحتمل أن يكون قد أمر بقتل "خاشقجي"، ونفى الأمير ذلك لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية النهائية باعتباره الحاكم الفعلي للبلاد.
ووقف "ترامب" إلى جانب الأمير "محمد" في مواجهة الانتقادات الدولية الشديدة لعملية الاغتيال، وعاقبت إدارته 17 مسؤولاً سعودياً آخرين قالت إنهم كان لهم دور في مقتل "خاشقجي".
تشمل الخطوات الأخرى التي يمكن أن تتخذها إدارة "بايدن" عقوبات إضافية ضد السعودية، أو الإفراج عن المزيد مما تعرفه الولايات المتحدة بشأن الاغتيال.
الموازنة ضرورية
وقال مسؤولون أمريكيون سابقون إنه في خضم إعادة تقييم نهج الولايات المتحدة، يجب أن يكون "بايدن" مدركًا للتغييرات داخل السعودية والمنطقة في السنوات الأخيرة.
وقالت "كيرستن فونتنروز"، التي أشرفت على شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض في عهد "ترامب"، إن الصين وروسيا زادتا من انخراطهما في الخليج، على أمل إزاحة الولايات المتحدة عن كونها المركز الأمني للمنطقة.
لن يكون الاعتماد على بكين أو موسكو مثالياً من وجهة النظر السعودية، لكن على الولايات المتحدة أن تعرف أنها ليست الخيار الوحيد، وفقًا لما قالته "فونتنروز"، التي تعمل حاليًا في مركز أبحاث "أتلانتك كاونسل".
تعود العلاقات الأمريكية السعودية إلى عيد الحب عام 1945، عندما التقى الرئيس "فرانكلين روزفلت" بالملك "عبد العزيز بن سعود"، مؤسس الدولة السعودية، على متن سفينة حربية أمريكية في قناة السويس، وأبرم الاثنان صفقة مفادها أن أمريكا ستوفر الأمن للسعوديين، والسعوديون سيوفرون الوصول إلى النفط.
لكن هذا الاتفاق تضرر بشدة بالنسبة للولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، حيث كان 15 من الخاطفين الـ19 مواطنين سعوديين، كما تضرر بسبب الحملة العسكرية السعودية في اليمن، التي أسفرت عن سقوط آلاف الضحايا المدنيين.
أما بالنسبة للسعودية، فقد تسبب الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران، التي تعد المنافس الإقليمي الرئيسي للرياض، في إضفاء الحذر على العلاقات، حسبما يقول مسؤولون أمريكيون وخليجيون، وقال "بايدن" إنه سيستأنف المفاوضات النووية مع إيران، لكن بشروط صارمة.
وقال السيناتور الديمقراطي "كريس مورفي"، إن واشنطن لا تحتاج إلى دعم من الرياض لبدء المفاوضات بشأن إعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني، الذي انسحب منه "ترامب".
كما أضاف السيناتور الذي يعد أحد أكبر منتقدي حرب اليمن في الكونجرس، في بيان لصحيفة "وول ستريت جورنال": "يجب أن نتعاون مع السعوديين حيثما توجد لدينا أهداف مشتركة، مثل تبادل المعلومات الاستخباراتية حول مكافحة الإرهاب، لكن هذا لا يعني أنه يتعين علينا دعم كل عمل سعودي في المنطقة على حساب مصالح الأمن القومي الأمريكي".
وفي ظل تركيز "بايدن" على شبه الجزيرة العربية في وقت مبكر من فترة ولايته، أعلن وقف الدعم الأمريكي المتبقي للهجوم العسكري السعودي في اليمن، وعين مبعوثًا خاصًا للمساعدة في محاولة إنهاء الصراع.
وكان رد الرياض العلني على ذلك، هو التركيز على التهديدات المشتركة من إيران واليمن، وعلى تعهد "بايدن" بمساعدة المملكة في الدفاع عن نفسها.
وعلق "روس" قائلًا إنه يتعين على "بايدن" بينما يعيد صياغة العلاقة، ألا يتجاهل التغييرات التي أحدثها الأمير "محمد بن سلمان" داخل السعودية، بما في ذلك تعزيز حقوق المرأة، وتقليل نفوذ المؤسسة الدينية ومحاولات تنويع الاقتصاد، مضيفًا إن هذه التحولات "تصب في مصلحتنا إلى حد كبير".