سامي حمدي- إنسايد أرابيا – ترجمة الخليج الجديد-
كانت هناك حالة من الذعر العميق في الرياض عندما أصبح من الواضح أن الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" لن يفوز بولاية ثانية حيث كان خليفته "جو بايدن" صريحًا في انتقاده لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" وتعهد باتخاذ موقف أكثر صرامة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها. كما كانت هناك وعود بنشر تقرير وكالة المخابرات المركزية بشأن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
ووصل قلق الرياض إلى درجة أن "بن سلمان" قرر فجأة إنهاء الحصار المفروض على قطر منذ عام 2017 وجر حلفاءه المرتبكين في أبوظبي والقاهرة والمنامة إلى عملية المصالحة مع الدوحة. وتم الترحيب بأمير قطر في العلا في السعودية وسعى "بن سلمان" إلى تخفيف حدة الحملة الإعلامية تجاه قطر والتي كانت قد تؤدي إلى زيادة التوترات مع "بايدن".
كما أدلى مسؤولون سعوديون بتصريحات مبالغ فيها للثناء على الرئيس الأمريكي في وقت كانت تستعد فيه الرياض لفترة صعبة في العلاقات الثنائية، لكن "بايدن" واصل إذلال "بن سلمان" حيث أمر بنشر تقرير المخابرات المركزية الذي خلص إلى أن ولي العهد كان له دور في اغتيال "خاشقجي". وأعلن "بايدن" أنه سيتواصل فقط مع الملك "سلمان" بصفته رأس الدولة، بالرغم أن "بن سلمان" هو الحاكم الفعلي.
وكان ازدراء "بايدن" لـ"بن سلمان" صريحًا لدرجة أن السياسة الأمريكية تجاه اليمن تركزت على الضغط على الرياض بدلاً من الحوثيين الذين أطاحوا بالحكومة المعترف بها دوليًا في سابع محاولة مسلحة للاستيلاء على البلاد بالقوة. وأعلن "بايدن" إنهاء الدعم الأمريكي للحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن. والأسوأ من ذلك بالنسبة للرياض هو سحب المعدات الأمريكية المضادة للصواريخ في وقت تتعرض فيه الأراضي السعودية لاستهداف صاروخي متكرر من قبل الحوثيين.
كما أزعج "بايدن" الرياض عندما قرر السعي بجدية لإحياء الاتفاق النووي مع إيران. وبالرغم من الانتقادات التي تقول إن الاتفاق سيعزز الميليشيات الموالية لإيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، أصرت إدارة "بايدن" على أن الحلفاء يجب أن يلتزموا بتوجهات السياسة الأمريكية. وحتى إسرائيل لم تكن قادرة على ثني "بايدن" عن مساره. لذلك وجدت الرياض نفسها مضطرة للدخول في محادثات مع طهران وهي تعلم جيدًا أن الإيرانيين لن يتنازلوا عن أي شيء.
وكان تدهور العلاقات بين واشنطن والرياض واضحًا لدرجة أن مقالًا بعنوان "العلاقات السعودية الأمريكية: طلاق أم مصالحة؟" نُشر في أكبر صحيفة محلية في المملكة في 12 سبتمبر/أيلول. وجادل المقال بأن واشنطن كانت مخطئة في الاعتقاد بأنها يمكن أن تخفض علاقاتها مع المملكة وتعتمد بدلاً من ذلك على دول الخليج الأصغر لتسهيل المصالح الأمريكية.
وأثار سلوك "بايدن" غضب الرياض وإحباطها في الوقت الذي يُعتقد فيه أن العواصم الأوروبية أعربت بشكل خاص عن اهتمامها بإصلاحات ولي العهد وصندوق الاستثمار الخاص به. ومع ذلك، فقد ترددت هذه العواصم في المضي قدماً بسبب قضايا تتعلق بالسمعة وقرروا الانتظار حتى يخف النقد العام. ويعد الرأي السائد في الرياض هو أنه كلما استمر "بايدن" في التعبير عن الازدراء وعدم الاحترام لفترة أطول، استغرق الأمر وقتًا أطول لبيئة بناءة مواتية للعواصم الأوروبية للتحرك علنًا.
ومع ذلك، لم يتمكن "بن سلمان" من مقاومة "بايدن" بسبب غياب أي نفوذ. وبدلاً من ذلك، كان على الرياض أن تقبل بسياسة استرضاء محرجة وتحاول ألا يُنظر إليها على أنها تعرقل أهداف "بايدن" في المنطقة. ولكن تغير كل هذا مؤخرًا مع الارتفاع الكبير في أسعار النفط نتيجة زيادة الطلب مع تخفيف قيود الوباء على مستوى العالم.
وارتفعت أسعار الوقود في الولايات المتحدة بنحو 40% منذ تنصيب "بايدن". وفجأة، بدأت إدارته في التعامل مع حقيقة أن واشنطن لا تزال بحاجة إلى الرياض مهما كان "بايدن" يرغب في خلاف ذلك. وأصبح التحول في مواقف إدارة "بايدن" أكثر وضوحًا عندما أرسل "بايدن" مستشاره للأمن القومي "جيك سوليفان" إلى الرياض في سبتمبر/أيلول. وفي الشهر التالي، أشاد مستشار "بايدن" لشؤون المناخ، "جون كيري"، علنًا باستضافة "بن سلمان" لقمة تغير المناخ بعد اجتماعه شخصيًا مع ولي العهد.
ومع ذلك، يبدو أن هذه الزيارات لم تفعل شيئًا يذكر لتخفيف السخط والغضب في الرياض حيث رفض "بن سلمان" زيادة الإنتاج من أجل خفض أسعار النفط. ويدرك "بايدن" ما يريده "بن سلمان" مقابل تقديم تنازلات بشأن إنتاج النفط. وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول، قال "بايدن" بصراحة في اجتماع مفتوح أن "هناك الكثير من الناس في الشرق الأوسط يريدون التحدث معي... لست متأكدًا من أني سأتحدث معهم". ومع ذلك، في البيان نفسه، أقر "بايدن" أيضًا بأن المفاوضات جارية بشأن قضايا أسعار النفط مما يؤكد ضمنيًا محاولات الرئيس الأمريكي النشطة لإقناع ولي العهد بزيادة الإنتاج.
ويبدو "بايدن" مصرا على عدم التواصل المباشر مع "بن سلمان" الذي قد يثير قاعدة ناخبيه وحزبه. وفي الواقع، يحرص الديمقراطيون على عدم القيام بأي إجراء قد يضعهم في مقارنات محرجة مع إدارة "ترامب" السابقة.
وكان قرار "بايدن" بعدم معاقبة "بن سلمان" بعد إصدار تقرير وكالة المخابرات المركزية بشأن مقتل "خاشقجي" دليلاً على محاولة "بايدن" السير على الخط الفاصل بين الحفاظ على علاقة عمل مع حلفاء الولايات المتحدة مع الحفاظ على صورة الولايات المتحدة كقائد مدافع عن حقوق الإنسان.
بعبارة أخرى، يفضل "بايدن" الاستفادة من احتياطات النفط الأمريكية على الرضوخ لمطلب "بن سلمان" بشأن إجراء مقابلة مباشرة. ومع ذلك، فإن تأثير هذه الاحتياطيات على أسعار النفط كان ضئيلًا مما أكد أهمية موقف "بن سلمان" بالنسبة لأسواق النفط والاقتصاد الأمريكي.
ومن وجهة نظر "بن سلمان"، فإن "بايدن" أصبح في موقف أضعف يتجلى في إرسال وفود رفيعة المستوى إلى الرياض تطالب بمساعدة بشأن أسعار النفط والإنتاج. والأهم من ذلك، أن حلفاء "بايدن" الغربيين أصبحوا أقل ميلًا إلى اتباع خطاه في عزل "بن سلمان".
وأرسل رئيس الوزراء البريطاني "بوريس جونسون" وزيرة خارجيته "ليز تروس" إلى الرياض للتأكيد على أن المملكة المتحدة مستعدة للتعامل مع ولي العهد بشأن القضايا المتعلقة بالاستثمارات والأمن. وأصبح الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أول رئيس دولة أوروبية يزور "بن سلمان" شخصيًا في الرياض منذ مقتل "خاشقجي". وجاءت زيارة "ماكرون" في إطار سعيه للاستفادة من الاستياء الإقليمي من واشنطن لتعزيز المصالح الفرنسية.
ويسعى الرئيس التركي "أردوغان" حاليا إلى المصالحة مع السعودية بسبب الضغوط الاقتصادية فيما تتحسن علاقات السعودية مع عُمان بسرعة وتبدو قطر مستعدة لتوسيع العلاقات. كما اضطر وزير الإعلام اللبناني "جورج قرداحي"، الذي انتقد سلوك السعودية في حرب اليمن، إلى الاستقالة ونجح "بن سلمان" في حشد دول الخليج إلى جانبه بشأن هذه القضية.
ومع ذلك، فإن عناد "بن سلمان" لا يرجع فقط إلى رغبته في نكاية "بايدن" بسبب عدائه الصريح. فقد أثارت الولايات المتحدة قلق دول "أوبك" مع محاولاتها لتطوير صناعة النفط الصخري وميلها سابقا للاستفادة من تخفيضات إنتاج "أوبك" عن طريق ضخ المزيد من نفطها لتوسيع حصتها في السوق بشكل متزايد.
هناك دوافع اقتصادية مشروعة لدى السعودية لمقاومة ضغط "بايدن" حيث تسعى الرياض إلى تنويع اقتصادها بشكل سريع من خلال تقديم عدد من المشاريع الضخمة التي تتطلب تمويلًا كبيرًا. ومع التردد في الاستثمار الأجنبي المباشر الناجم في الغالب عن الضرر الذي لحق بسمعة المملكة والذي تفاقم مع "بايدن"، فإن ارتفاع أسعار النفط يوفر الإغاثة المالية التي تحتاجها المملكة، ويعيد إلى حد ما الاحتياطي المالي الذي تضرر على مدار العقد الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط.
ومع المكاسب غير المتوقعة من ارتفاع أسعار النفط، هناك إمكانية لتخفيف جوانب التنويع الأكثر إيلامًا (تسببت بالفعل في قلق بين السعوديين العاديين) وتخفيف تداعيات الإجراءات الطارئة التي اتخذت في عام 2020 والتي تضمنت زيادة الاقتراض والضرائب لمواجهة الانهيار في أسعار النفط.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن "بن سلمان" يرفض زيادة الإنتاج حتى لا يخفف مشاكل "بايدن" الاقتصادية. ويعد شرط ولي العهد واضحا حيث يريد "بن سلمان" من "بايدن" الاعتراف به علنًا والتحدث معه شخصيًا أمام العالم. وبحسب تاريخ البراجماتية الأمريكية، يمكن أن يحدث ذلك قريبًا بغض النظر عن شعور "بايدن" حيال ذلك.
وقد يخلص الرئيس الأمريكي قريبًا إلى أن نتيجة الانتخابات يحسمها الاقتصاد وليس السياسة الخارجية.