إيكونوميك تايمز-
أكد تحقيق نشرته صحيفة Economic Times الدولية إن ولي العهد محمد بن سلمان يقامر بحاضر ومستقبل السعودية عبر ما يفرضه من انقلاب شامل في المملكة.
وذكر التحقيق أن ابن سلمان قلب الأعراف والتوقعات الثقافية في المملكة، وأصبح الآن يعيد كتابة الرواية الوطنية، ويهمّش دور الإسلام ويروّج للقومية السعودية وتاريخ والعائلة المالكة فقط.
ورأى التحقيق أن "التحولات الدراماتيكية الجارية في السعودية تتشابه مع التحولات التي فرضها شاه إيران على المجتمع الإيراني، لذا فقد تُطلق هذه التحولات ثورات لن يكون ابن سلمان قادراً على احتوائها، حتى مع سلطته المركزية وقمعه الوحشي للمعارضين".
واكد أن ابن سلمان يقامر في سياسته الجديدة بتغيير المملكة بشكل جذري ثقافياً واقتصادياً، وتركيز القوة والسلطة بين يديه، وتعتبر واحدة من أكثر المخاطر السياسية التي تمر بها المملكة.
وفيما يلي النص الكامل للتحقيق:
لقد مرت دول قليلة بهذا النوع من التحول الدراماتيكي الجاري في المملكة العربية السعودية، في غضون سنوات قليلة فقط، قلب محمد بن سلمان الأعراف والتوقعات الثقافية في المملكة وهو الآن يعيد كتابة الرواية الوطنية، وتهميش دور الإسلام والتأكيد على القومية السعودية والتاريخ والعائلة المالكة.
احتفلت السعودية الأسبوع الماضي بعيد التأسيس الجديد، يحدد عام 1727 على أنه أصل المملكة ويتحدى هذا بشكل مباشر السرد التقليدي، الذي تم الاحتفال به منذ التأسيس الحديث للبلاد في عام 1932، والذي حدد عام 1744 باعتباره اللحظة التأسيسية.
عام 1727 استولت قبيلة آل سعود على إمارة الدرعية، في تدريب على القوة السياسية والعسكرية البحتة. على النقيض من ذلك، فإن تاريخ 1744 هو ذكرى التحالف بين آل سعود والخطيب محمد بن عبد الوهاب.
كان تفسيره الحرفي والاختزال للإسلام، المعروف اليوم باسم "الوهابية"، دين الدولة بشكل فعال وكان الأساس الرئيسي لمزاعم السلطة المحلية والقيادة الإسلامية العالمية.
كل هذا تم التخلي عنه بسرعة في عهد ولي العهد ووالده الملك سلمان، فمنذ عام 2016 ، تم تجريد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من سلطتها العملية على السكان.
ومنذ أن أصبح محمد بن سلمان ولياً للعهد في عام 2017، كان هناك "تحول مذهل" في حقوق المرأة والاختلاط بين الجنسين والترفيه العام والاحتفاء بالتراث السعودي الجاهلي.
مثل العديد من الدول الأخرى، تتبنى المملكة العربية السعودية رواية قومية وشعبوية للسعودية أولاً تؤكد على المخاوف المحلية بشأن القضايا الدينية والقضايا الإسلامية الشاملة.
لكن كانت مركزية السلطة الدينية بحاجة أيضاً إلى تسهيل الانتقال الذي تمس الحاجة إليه إلى اقتصاد ما بعد الطاقة. يجب تحويل المواطنين السعوديين من حراس الدولة إلى مواطنين منتجين للثروة.
ولا يمكن أن يتم ذلك بدون قدر أكبر من الحرية الشخصية، خاصة بالنسبة للمرأة التي تم تمكينها الآن للعمل والقيادة والعمل باستقلالية أكبر.
قررت السعودية محاولة الارتقاء بالسياحة والترفيه إلى ثاني أكبر قطاع في الاقتصاد بعد النفط. جزء من هذا هو الدافع للسياحة الداخلية، وهي محاولة لثني السعوديين وأموالهم عن مغادرة البلاد في كل مرة يريدون الاستمتاع فيها. لكنها أيضاً قبلة للسياحة الدولية غير الدينية. حتى أن هناك تكهنات بإمكانية تقنين الكحول في أماكن معينة للترويج لتلك الصناعة.
بالنسبة للمحافظين المتدينين الذين اعتادوا السيطرة على الأعراف الاجتماعية، فإن هذا كله لعنة لكن تم تقليص حجمها بشكل كبير. والآن حتى دورهم في سرد الهوية الوطنية يتلاشى بسرعة من خلال يوم التأسيس وإعادة كتابة التاريخ السعودي.
السبب الثالث لضرورة إزاحة الدين هو أن هذا التحرير الاجتماعي الملحوظ والتنويع الاقتصادي المخطط لهما مصحوبان بقمع وتقييد سياسي شديد الشدة.
مثل هذه التحولات، خاصة عندما فرضها ملوك المجتمعات التقليدية، غالباً ما أطلقت العنان لقوى لم يكن الحكام قادرين على احتوائها.
ومن الأمثلة على أفراد العائلة المالكة الذين تم الإطاحة بهم في أعقاب مثل هذه التغييرات هيلي سيلاسي في إثيوبيا عام 1974 وشاه إيران بعد ذلك بخمس سنوات.
من أجل احتواء تهديد رد الفعل السياسي والحد منه، امتلك الملك سلمان ومحمد بن سلمان سلطة مركزية وقاموا بقمع المعارضة بلا رحمة.
لم تعد المملكة تشبه نظام المحسوبية الإقطاعي الجديد في الماضي، ونظام الممالك الخليجية الأخرى. كانت السلطة موزعة تقليدياً داخل قطاعات مختلفة من العائلة المالكة. الآن تتركز السلطة في يد الملك وولي العهد ومجموعة صغيرة من المسؤولين والمستشارين.
ترافق ذلك مع موجات من القمع السياسي شملت اعتقالات فندق الريتز كارلتون لأثرياء وبارزين من السعوديين، وقتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018 ، واعتقال ناشطات حقوقيات ونساء وانتهاكهن، وأجواء من الاعتقال.
ويرى مراقبون أن السرد القومي السعودي الجديد أكثر شمولاً من الناحية الاجتماعية من السرد الوهابي القديم، لكنه أيضاً أكثر استبداداً من الناحية السياسية.
هذا يلخص المقامرة التي يخوضها محمد بن سلمان: أنه يستطيع تحرير بلاده بشكل جذري ثقافياً واقتصادياً، لكن يظل في السلطة من خلال تركيز القوة والسلطة بين يديه. إنه من بين أكثر المشاريع السياسية جرأة في العالم. إنها أيضاً واحدة من أكثر المخاطر.