صحيفة "الجارديان" البريطانية-
اعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية، أن ما وصفته بالازدراء والتجاهل السعودي للرئيس الأمريكي "جو بايدن" يعد بمثابة مؤشر على أن ولي عهد المملكة "محمد بن سلمان" لا يزال يراهن على عودة الرئيس السابق "دونالد ترامب" للبيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2024.
وذكرت الصحيفة أن دفع صندوق الثروة السعودي، بضوء أخضر من ولي العهد، مبلغ 2 مليار دولار في مشروع جديد تحت اسم "أفينيتي بارتنرز" الذي يديره "جاريد كوشنر" صهر "ترامب"، بمثابة مؤشر آخر على هذا الاتجاه السعودي.
وفي إطار سعيها لإقناع الرياض برفع إنتاجها من النفط من أجل خفض أسعاره بما لا يقل عن 30% وتقليص المداخيل المالية لموسكو نتيجةً لذلك، فإن إدارة "بايدن" تبحث عن سبل لطمأنة الرياض إلى أنها ملتزمة أمن المملكة.
وأشارت الصحيفة إلى تأكيد البيت الأبيض، نهاية الأسبوع، على التزامه بأمن السعودية، لافتة إلى تقارير أفادت أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تعمل على مسودة بيان جديد للترتيبات الأمنية الأمريكية السعودية.
وعقبت: "لكن مراقبين يقولون إنه من المرجح ألا ترقى إلى مستوى الضمانات القوية التي يطالب بها السعوديون ودول الخليج الأخرى.
كما أشارت الصحيفة إلى أن تقارير تحدثت عن رفض وليّ العهد السعودي "محمد بن سلمان"، (الحاكم الفعلي في المملكة) استقبال مكالمة من "بايدن" الشهر الماضي.
واعتبرت أن الرفض (إن صح) يظهر استياء ولي العهد من القيود التي تفرضها إدارته على مبيعات الأسلحة للمملكة، ورد فعل أمريكا، غير الكافي بالنسبة لولي العهد، إزاء الهجمات التي ينفذها الحوثيون على السعودية.
يضاف لذلك استياء "بن سلمان" من نشر تقرير بخصوص اغتيال الصحافي السعودي "جمال خاشقجي" في عام 2018، وإعلان "بايدن" رفضه سابقاً التعامل شخصياً مع "بن سلمان".
وقالت الصحيفة إن هناك أصواتاً ديمقراطية تنادي بفتح تحقيق بخصوص الاستثمار السعودي الضخم في الصندوق الاستثماري "افينيتي بارتنرز" الذي أنشأه "كوشنر" بعد أشهر من مغادرته البيت الأبيض، وتركه منصبه كمستشار خاص لدى "ترامب".
وأضاف التقرير أن "بن سلمان" لم يلقِ بالاً بتلك التحذيرات الأمريكية المتعلقة بالتحقيقات أو التحذيرات السعودية التي نصحته بعدم ضخ ملياري دولار في الصندوق بسبب مخاطر الاستثمار، بالنظر إلى أن الصندوق منشأ حديثاً، وبالنظر إلى سجل "كوشنر" غير الجيد في مجال الاستثمارات العقارية.
وأضافت أن "بن سلمان" أطلق إشارات تصب في خانة مراهنته على وصول "ترامب" إلى البيت الأبيض في عام 2024، وعودة العلاقات بين الرياض وواشنطن إلى سابق عهدها خلال ولاية الرئيس السابق.
وقال "بروس ريدل"، الموظف السابق بوكالة الاستخبارات الأمريكية "سي أي ايه"، والذي يدير حالياً مشروع الاستخبارات في مؤسسة "بروكينجز": "كل ذلك يتلخص في أمر بسيط للغاية. السعوديون (أي محمد بن سلمان) يفضلون ترامب على بايدن، وهم متمسكون برهانهم".
وتابع: "هذا الأمر لا يثير الاستغراب، بالنظر إلى أن ترامب منحهم (السعوديون) كل ما يريدونه: دعم كامل في اليمن، ومساعدة في قضية اغتيال جمال خاشقجي، وكل شيء كانوا يرغبون في الحصول عليه من الولايات المتحدة".
من جانبه، قال السفير البريطاني السابق لدى السعودية، "جون جينكينز": "اعتقد أن ولي العهد يراهن على تحقيق الجمهوريين مكاسب انتخابية كبيرة خلال دورة التجديد النصفي، وبعدها الظفر بالمنصب الرئاسي مع ترامب أو دونه".
وأضاف: "إنه (بن سلمان) يعتقد على الأرجح أن بايدن ضعيف سياسياً، وبالتالي يمكنه تحمل نكايته. هذا الأمر يرسل إشارة، ليس فحسب للديمقراطيين، بل أيضاً للحزب الجمهوري. وبالنظر للنقاشات الحامية بالدوائر السياسية بواشنطن حول هذه الأمور، فإن ذلك يؤتي أُكله".
كان رد فعل كبار الديمقراطيين غاضبًا على الكشف عن الاستثمار السعودي في صندوق "كوشنر"؛ حيث دعت السناتور "إليزابيث وارين" وزارة العدل الأمريكية إلى التدقيق في التمويل السعودي لمعرفة إذا كان هذا الأمر قانوني أم لا.
ولعب "كوشنر"، في الأشهر الأولى من إدارة "ترامب"، دورًا أساسيًا في تحويل دعمه من ولي العهد السابق "محمد بن نايف"، إلى "محمد بن سلمان" الأصغر سنًا، الذي أقام معه صهر الرئيس علاقة لدرجة أنها كانا يتراسلان بشكل شخصي عبر واتساب.
بعد مقتل "خاشقجي"، كان "كوشنر" أيضًا أقوى المدافعين عن ولي العهد.
أما بالنسبة لإدارة "بايدن"، فهناك دعوات داخلية الآن لاسترضاء ولي العهد السعودي بغية دفعه لتحقيق الهدف الشامل المتمثل في زيادة إنتاج النفط وخفض أسعار الأسواق وتقليص استفادة روسيا من ذلك.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي قوله: "إن هناك حجة غربية في الوقت الحالي مفادها أنه يمكنك إقامة صداقة مع أي شخص لكن ليس روسيا".
وفي غضون ذلك، عقد البنتاجون، مؤخرًا، اجتماعات تهدف إلى صياغة بيان حول الترتيبات الأمنية الأمريكية مع السعودية ودول الخليج الأخرى.
ومع ذلك، قالت "كيرستن فونتنروز" الباحثة بالمجلس الأطلسي، إنه من غير المرجح أن تقترب الإدارة من المطالب الإقليمية بضمانات أمنية مشابهة للبند الخامس في ميثاق الناتو (للدفاع المتبادل).
وقال "فونتنروز": "إن الكثير من البلدان الخليجية طالبت مؤخرا بوجود اتفاق مشابه للبند الخامس في ميثاق الناتو، بينهم وبين الولايات المتحدة الأمريكية.. ولكن ليس هناك فرصة لأن يحصلوا على ذلك".
وذكرت الصحيفة أن العديد من المراقبين يرون أنّ من المستبعد جداً إقناع "بن سلمان" بتغيير موقفه، سواء بالإغراءات أو بالتهديدات، بما أن أسعار النفط المرتفعة ترفع مداخيل ميزانية بلاده، في انتظار وصول إدارة أمريكية يستطيع التعاطي معها بسلاسة.
وقال "ريدل": "لا أرى أن الأمر يتغير كثيرًا.. السعوديون اختاروا الذهاب مع بوتين ومستوى إنتاج النفط الذي يريدونه، والاقتصاد العالمي يتكيف مع ذلك".
وتابع: "لا أعتقد أن هناك مجالًا كبيرًا للمناورة لبايدن أيضًا.. أعتقد أن هناك قوى قوية ضد ذلك."