وكالات-
نشرت وكالة الأنباء الفرنسية، تقريرا حول سياسة "الإصلاحات الجذرية" التي شرع بها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" منذ وصوله إلى سلم القيادة قبل نحو 5 سنوات، قائلة إن من وصفته "سيد كل شيء" يمكن أن يحكم المملكة لمدة نصف قرن أو أكثر.
ويأتي التقرير في ظل زيارة من المقرر أن يجريها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" إلى السعودية، الجمعة، ضمن جولته الشرق أوسطية الأولى له منذ وصوله للبيت الأبيض.
وذكر التقرير أنه في موازاة الإصلاحات التي شرع بها، عمل ولي العهد على تحصين موقعه كحاكم فعلي ومستقبلي لأكبر دولة نفطية في العالم، عبر إسكات كل معارضة.
وأضاف، "بعد انطلاقة سريعة نحو القمة في واحدة من أثرى دول العالم، ألقى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بوحشية في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018، ظلالا على مسيرة محمد بن سلمان الذي كان قد مضى عام على تسلمه منصب ولي العهد".
وكان "خاشقجي" يكتب مقالات ناقدة لأداء الأمير في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
وخلصت تقارير أميركية إلى أن "بن سلمان" أمر بقتله، واستتبعت ذلك محاولات لعزله على الساحة الدولية، رغم نفي السعودية مرارا وجود أي تورط له في العملية.
غير أن زيارة الرئيس الأميركي الذي كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بالتعامل مع المملكة "كدولة منبوذة" على خلفية سجلها الحقوقي ومقتل "خاشقجي"، إلى السعودية، ستعيد على ما يبدو فتح الأبواب الخارجية أمام ولي العهد.
ومن أبرز مشاريع الأمير "بن سلمان" الضخمة في خضم سعيه لتنويع اقتصاد المملكة القائم على النفط، بناء مدينة "نيوم" المستقبلية الضخمة وكلفتها 500 مليار دولار.
لكنه يسعى أيضا إلى تثبيت موقع بلاده كقوة إقليمية نافذة. وقد كان القوة المحركة خلف التدخل السعودي العسكري في اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، لدعم القوات الحكومية في مواجهة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
ويبلغ ولي العهد 36 عاما، ويقال إنه مولع بالوجبات السريعة وألعاب الفيديو، وهو أيضا بالغ الثراء، إذ يمتلك يختا تبلغ قيمته 500 مليون دولار، وقصرا في فرنسا، بينما تشير تقارير إلى أنه المالك للوحة مثيرة للجدل لليوناردو دي فينشي.
وعلى عكس الأمراء السعوديين الآخرين الذين يتحدثون الإنكليزية بلكنة بريطانية ويرتدون بزات أنيقة وحصلوا على شهادات جامعية من جامعات أجنبية، تمسك ولي العهد بجذوره البدوية. فغالبا ما يرتدي رداء تقليديا وصندلا، ويصطحب أصدقاءه وأقاربه لتناول وجبات لحم الضأن المشوية في استراحات صحراوية فاخرة.
وبعد صعوده الصاروخي، أشرف على أكبر تحول في التاريخ الحديث للمملكة، أكبر مصدر للنفط الخام في العالم وموطن أقدس موقعين في الإسلام في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
"سيد كل شيء"
ففي إطار حملة الإصلاح التي يقودها، تم تفكيك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي كانت بمثابة شرطة دينية واسعة النفوذ، وأعيد افتتاح دور السينما وإصدار تأشيرات سياحية للمرة الأولى لزيارة المملكة.
ونظمت السعودية مهرجانا سينمائيا وسباقا لفورمولا واحد ونزالات مصارعة حرة وحفلات موسيقية، بينما سمح للنساء فيها بقيادة السيارات.
في المقابل، شهدت السعودية في عهده حملة قمع للنشطاء وكم أصوات المعارضين عبر سجنهم.
وفي إطار حملة حملت شعار "مكافحة الفساد"، اعتقل عشرات من الأمراء ورجال الأعمال في فندق ريتز كارلتون الفخم بالرياض في 2017 لأشهر طويلة.
ويقول الصحفي بن "هوبارد" في كتابه "صعود محمد بن سلمان إلى السلطة"، إن "بن سلمان شخصية مثيرة للانقسام بشكل كبير يشيد بها أنصاره باعتباره مغيرا لقواعد اللعبة طال انتظاره في منطقة تتوق لذلك، ويمقته أعداؤه باعتباره ديكتاتورا وحشيا قيد الإعداد".
ويتابع أن الأمير "مصمم على منح السعوديين مستقبلا مشرقا ومزدهرا ولديه الاستعداد الثابت لسحق أعدائه".
وولد الأمير "محمد" في 31 أغسطس/ آب 1985، وهو واحد من مئات أحفاد مؤسس السعودية الملك "عبد العزيز آل سعود"، ونشأ في قصر في الرياض مع والدته "فهدة"، إحدى زوجات والده الأربع، ولديه خمسة أشقاء.
ويكتب "هوبارد"، "بصفته الابن السادس للابن الخامس والعشرين للملك المؤسس، لم يكن هناك سبب كاف لتوقع أنه سيرتقي إلى الصدارة"، مضيفا "خلال معظم حياته، توقع قليل من الناس ذلك".
وحاز "محمد بن سلمان" إجازة في الحقوق من جامعة الملك سعود، فور تخرجه، عمل مستشارا لوالده حاكم الرياض آنذاك.
وحين وصل الملك سلمان إلى السلطة في مطلع العام 2015، عينه وزيرا للدفاع.
وخلال شهور قليلة، أصبح الأمير الشاب مسؤولا عن تنسيق السياسة الاقتصادية والإشراف على شركة أرامكو النفطية وتدخل بلاده العسكري في اليمن.
وتعددت مناصب الأمير "محمد" لدرجة دفعت الدبلوماسيين في الرياض لتسميته "سيد كل شيء".
وخلافا للكثير من أمراء العائلة الحاكمة، فإن ولي العهد متزوج من امرأة واحدة فقط ولهما ثلاثة أبناء وابنتان، فيما يقول مقربون منه إنه يعمل 16 ساعة في اليوم.
سيل من الأفكار
ويشير التقرير الفرنسي إلى أن "بن سلمان" تمكن في 21 يونيو/ حزيران 2017، بمساندة والده، من إزاحة ولي العهد ابن عمه "محمد بن نايف" والحلول محله.
وفي مارس/ آذار 2020، اعتُقل بن نايف وشقيق الملك الأمير "أحمد بن عبد العزيز آل سعود" لاتهامهما بتدبير انقلاب.
وتعهد "محمد بن سلمان" منذ وصوله إلى سدة الحكم، بأنه سيقود مملكة "معتدلة ومتحررة" من الأفكار المتشددة، ومنفتحة على الديانات الأخرى.
وقال خلال منتدى للاستثمار في الرياض في 2017 شارحا فلسفة التغيير، "نريد أن نعيش حياة طبيعية"، مضيفا "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، إلى الإسلام المنفتح على جميع الأديان والتقاليد والشعوب".
وتابع أن "سبعين في المئة من الشعب السعودي تحت سن الـ30، وبصراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار متطرفة، سوف ندمرها اليوم".
وتحدث الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، توماس فريدمان، عن "سيل متدفق من الأفكار الجديدة لتغيير بلاده" تحدث عنها الأمير "محمد بن سلمان" خلال مقابلة أجراها معه.
وفي بداية عهده، صعّد الأمير محمد المواجهة مع طهران، وقاد مقاطعة دامت ثلاث سنوات ضد الجارة قطر، واحتجز رئيس الوزراء اللبناني السابق "سعد الحريري" بحسب تقارير لأيام، قبل أن يتدخل الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون".
وكانت علاقة "بن سلمان" وثيقة مع البيت الأبيض بقيادة الرئيس السابق "دونالد ترامب"، خصوصا مع صهر الرئيس ومستشاره "جاريد كوشنر".
لكن في مطلع 2021، ومع وصول الرئيس الديمقراطي "جو بايدن" إلى البيت الأبيض وسماحه بنشر تقرير استخباراتي خلص إلى أن ولي العهد أجاز عملية قتل "خاشقجي"، بردت العلاقات بين السعودية وواشنطن.
وحسب تقرير "فرانس برس"، فإن زيارة "بايدن" اعتراف ضمني بعدم القدرة على تجاوز "بن سلمان"، وربما يكون هذا إقرارا بأنه يمكن أن يحكم السعودية لمدة نصف قرن أو أكثر.