نيكولاس بيلهام- إيكونوميست - ترجمة الخليج الجديد-
عندما كان "محمد بن سلمان" صغيرًا، لم يرغب أحد بلعب الكرة معه، صحيح أنه كان فردًا من العائلة المالكة السعودية، إلا إنه كان مثل 15 ألفًا آخرين، بل إن زملاءه فضلوا رفقة أبناء عمومته الأعلى ترتيبًا في خلافة العرش، وفقًا لما ذكره أحد معارف الطفولة لصحفي مجلة "الإيكونوميست" في الشرق الأوسط "نيكولاس بيلهام"، الذي أعد تقريرًا سبر فيه أغوار شخصية ولي العهد السعودي.
وكانت الحياة المنزلية صعبة أيضًا بالنسبة للطفل المعزول، فقد كان لوالده 5 أبناء بالفعل من زوجته الأولى المتعلمة والمنحدرة من عائلة نخبة حضرية، أما والدة "بن سلمان" فقد كانت الزوجة الثالثة لـ"سلمان" وامرأة قبلية، وعندما كان الأمير يزور القصر الذي يعيش فيه والده مع زوجته الأولى كان إخوته يدعونه بـ"ابن البدوية".
وفي وقت لاحق، أُرسِل إخوته الأكبر وأبناء عمومته إلى الجامعات في أمريكا وبريطانيا، فيما بقي نسل الأمير "سلمان" البدوي في الرياض لارتياد جامعة الملك سعود. وفيما كان أفراد العائلة المالكة الشباب يبحرون على اليخوت الفاخرة معًا أحيانًا، ذكرت المصادر أن "بن سلمان" كان يُعامل كـ"صبي مهمات وكأن يُرسل لشراء السجائر".
وأظهرت صورة لإحدى هذه العطلات مجموعة من 16 فردًا من العائلة المالكة وهم يقفون معًا على متن يخت مرتدين السراويل القصيرة والنظارات الشمسية، على خلفية من تلال الريفير الفرنسية، وفي مركز الصورة وقف "الوليد بن طلال" الملياردير ابن عم "بن سلمان"، فيما تم دفع الأخير، الطويل عريض المنكبين، إلى الحافة الأبعد في الصورة.
أما اليوم، فقد انتقل من الحافة إلى المركز وأصبح صانع القرار في السعودية. ومع إن والده الثمانيني ما زال الملك اسميًا، إلا إنه لم يعد يُرى في الأماكن العامة إلا نادرًا، ولم يعد الملك فعليًا، كما قال مسؤول استخباراتي سابق.
معركة مع خصوم افتراضيين
يبدو الأمير الشاب البالغ من العمر 36 عامًا كأنه الحاكم الذي لطالما انتظره السعوديون الذين تبلغ أعمار 70% منهم أقل من 30 عامًا، وتقول المصادر إن الأمير المستبد المنتمي لجيل الألفية مهووس بلعبة "كول أوف ديوتي"، وتبدو ضرباته لامتيازات وجمود المؤسسة الدينية والبلاط الملكي، كأنها معركة مع خصوم افتراضيين على الشاشة.
وساعد نفاد صبره وازدراؤه للأعراف، على قيامه بإصلاحات لم يتخيل الكثيرون أنها قد تحدث قبل أجيال، وتجلى أكثر تحول مرئي في السعودية في وجود المرأة في الأماكن العامة، بعد أن كانت غائبة أو متواجدة تحت رقابة زوج أو أب. وهناك تغييرات أخرى مثل الثورة الترفيهية، بعد أن كانت المملكة لا توفر إلا القليل إلى جانب الصلاة في المسجد، حيث يمكنك الآن أن تحضر حفلًا لـ"جاستين بيبر" أو تذهب لسباق "فورميولا 1".
لكن تبني ثقافة الغرب الاستهلاكية لا يعني تبني القيم الديمقراطية الغربية، بل تدعم المملكة بالقدر نفسه دولة بوليسية حديثة بامتياز. وفي رحلات الكاتب الأخيرة إلى السعودية، لاحظ رعب الناس من كل المستويات من أن يتجسس أحد على انتقاداتهم، وهو شئ لم يشهده الكاتب من قبل. حتى أن محللًا مخضرمًا رفض التكهن بسبب التجريف الذي يحدث لأجزاء كثيرة من جدة قائلًا: "لقد نجوت من عهد 4 ملوك، فدعني أنجُ من الخامس".
انتصار ومستقبل قاتم
في البداية بدا أن الغرب (المعتمد على النفط السعودي والمخدوع بوعود ولي العهد بالتغيير) مستعد لتجاهل تجاوزات "بن سلمان"، ولكن عندما تم اغتيال وتقطيع الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" في قنصلية السعودية في إسطنبول، نأى القادة الغربيون بأنفسهم عن السعودية.
لكن ذلك تغير اليوم بفضل ديكتاتور آخر هو الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذي غزا أوكرانيا وتسبب في ارتفاع أسعار النفط، وعندها زاد الإقبال على ولي العهد مجددًا، حيث توجه "بوريس جونسون" بطائرته إلى الرياض بعد أسابيع من اندلاع الحرب، فيما حظي "بن سلمان" بأول زيارة. من "بايدن" الذي توعد سابقا بمحاسبة ولي العهد. وحتى منتقدو ولي العهد في الداخل اعترفوا أن هذه التطورات تثبت أن "بن سلمان" انتصر.
وبالفعل، هذه لحظة انتصار بالنسبة لـ"بن سلمان"، فقد اكتملت تقريبًا رحلته من هامش الصورة إلى مركز السلطة، ومن المرجح أنه سيكون ملكًا لعقود. وفيما يوجد أمل بأن يؤدي تأمينه لمنصبه إلى تخليه عن الانتقام وعدم التسامح الذي أدى من قبل لاغتيال "خاشقجي"، إلا إن هناك آخرين - من بينهم زملاء صفه السابقون - ممن يخافون مستقبلًا أكثر قتامة.
ويخشى هؤلاء أن يصبح "بن سلمان" مثل الديكتاتور العراقي "صدام حسين"، الذي أصبح مدمنًا لمراكمة السلطة وتحول إلى طائش وخطير، وقال ضابط استخبارات غربي سابق: "السلطة في البداية تمنح العظمة، لكن بعد ذلك تأتي الوحدة والشك، والخوف من أن يختطف الآخرون ما اختطفته".
تقليص نفوذ الشرطة الدينية
عندما غزا "آل سعود" شبه الجزيرة العربية في عشرينيات القرن الماضي، تحالفوا مع الوهابيين وقرروا جعل المملكة "أكثر تدينًا"، وزاد هذا الاتجاه مع تصاعد الخوف من قيام ثورة إسلامية على غرار ما حدث في إيران لاحقا، وهو ما تعزز مع محاولة متطرفين الاستيلاء على المسجد الحرام.
وتم تمكين رجال الدين الوهابيين من إدارة المجتمع، ومارسوا نفوذهم من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان هذا النظام يلائم "آل سعود"، حيث أمدتهم الوهابية بالسيطرة الاجتماعية وشرعنت الدولة السعودية، تاركة أفراد العائلة المالكة أحرارًا في التمتع بثرواتهم من النفط في لندن وباريس، أو خلف أبواب قصورهم.
وبصفته ولي العهد، أدخل "بن سلمان" قوانين بحيث تتوافق الأحكام القضائية مع إرشادات الدولة وليس أحكام الشرع. وتمحور معظم التغيير العلني حول دور النساء، فقد استهدف "بن سلمان" قوانين الوصاية التي منعت النساء من العمل والسفر وامتلاك جواز سفر، وفتح عمل تجاري، والحصول على علاج في المستشفى أو الطلاق دون إذن ولي.
ولكن من الناحية العملية، وجدت العديد من النساء السعوديات هذه الحقوق الجديدة صعبة التحقق في مجتمع أبوي، لا يزال بإمكان الرجال فيه رفع دعوى بتهمة العصيان ضد أقاربهم الإناث.
كسر المحظورات الدينية
سجن "بن سلمان" العديد من رجال الدين، وسرعان ما انصاع بقيتهم، وبدا كأنه يستمتع بكسر المحرمات الدينية. وفي سبتمبر/أيلول 2017 رفع حظرًا عن تطبيق المواعدة "تيندر". وفي العام التالي جعل إمام الحرم المكي يظهر وهو يفتتح مسابقة بطولة لعبة الورق "البلوت"، مع إن المجتمع السعودي كان ينظر إلى مثل هذه اللعبة باعتبارها حرام.
كما أدخل الأمير العديد من الألعاب الرياضية الجديدة إلى المملكة؛ مثل الملاكمة والمصارعة بالإضافة إلى استعراض "مونستر جام" الترفيهي للشاحنات العملاقة في العالم ومسابقات الثيران، حتى إن مشاهدًا أمريكيًا وصفه بأنه بدا كـ"نجم روك" عندما تلقى التصفيق في سباق "الفورميولا 1" في جدة السنة الماضية.
ويرى الأجانب جدة أقل قيودًا هذه الأيام، حتى إن رجل أعمال أجنبي قال ساخرًا: "خفت أن يُقبض علي لأنني لا أشرب الكحوليات"، وقال آخر: "هناك كوكايين وكحوليات وبائعات هوى بشكل لم أره في جنوب كاليفورنيا". وقال مسؤول سعودي سابق إن عاملات الجنس اللاتي تأتي العديد منهن من أوروبا الشرقية، يتقاضين 3 آلاف دولار على حضور حفل، و10 آلاف دولار على قضاء الليلة.
وعندما دخل "بن سلمان" الحياة العامة في البداية تمتع بسمعة كونه منضبطًا، وهو شئ نادر في أوساط العائلة المالكة، لكن ذلك سرعان ما تغير. وقال العديد من المصادر الذين قابلهم الكاتب أنهم يعتقدون أن "بن سلمان" يتعاطى المخدرات أحيانًا، لكنه ينكر ذلك.
وقال مصدر من داخل الديوان الملكي، بأن أصدقاء "بن سلمان" قرروا الترفيه عنه في رحلة إلى جزيرة في المالديف، وأشار الصحفيان الاستقصائيان "برادلي هوب" و"جاستين شيك" في كتابهما "الدم والنفط"، إلى أن 150 عارضة استُقدِمت إلى التجمع ونُقلن عبر عربات الجولف إلى مركز طبي للتأكد من خلوهن من الأمراض الجنسية، ولكن بعد أن كشفت الصحافة الأمر فضل "بن سلمان" ساحل البحر الأحمر للاسترخاء.
ولكن رغم الثورة الاجتماعية، فإن "بن سلمان" يشهر سيفه أمام كل من يحاول التفكير أو الانتقاد. وبعد وقت قصير من رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات في 2018، ألقت السلطات السعودية القبض على "لجين الهذلول" التي كانت إحدى ناشطات المناداة بحق المرأة في القيادة، واتهمت "لجين" بالتحريض على تغيير النظام الحاكم، وكانت الرسالة واضحة: هناك شخص واحد مسموح له بالتغيير.
مزاج متقلب وعنيف
يبدو "بن سلمان" طموحا بشكل جامح، ويقال إنه أحب القراءة عن الإسكندر الأكبر عندما كان مراهقًا، لكنه يدين في صعوده لبعض تقلبات الحظ.
ويبلغ عمر الملكية السعودية جيلين فقط، فقد نشأت في 1932، وبعدها انتقل التاج من أخ لأخيه بين أولاد مؤسس المملكة، ولم يكن من المفترض أن يصبح "سلمان" الملك، ولكن بعدما توفي أخواه الأكبر بشكل غير متوقع في 2011 و2012، تصدر خط الخلافة.
وعندما أصبح "سلمان" وليا للعهد في عمر الـ76 عاما، فإنه احتاج إلى مسؤول عن طاقمه. وفيما توقعت معظم حاشيته أن يختار واحدًا من أبناء زوجته الأولى اللبقين المتحدثين بالإنجليزية، عين ابنه المتحدث بالعربية بلهجة بدوية خشنة. لكن تصعيد "بن سلمان" كان أقل دهشة بالنسبة لمن عرفوا والده جيدًا، والذي كرس نفسه كحاكم للرياض بدلًا من ملاحقة التكليفات الأكثر ربحًا، كما كان شديد الانضباط، ولابد أنه رأى شيئًا من نفسه في ابنه السادس. ربما يحب ولي العهد ألعاب الفيديو، لكنه يعمل بجد ومتحمس للتقدم.
وأصبح "بن سلمان" يلقب بـ "أبو رصاصة"، بعد شائعات أنه أرسل مغلفا فيه رصاصة ضد مسؤول أصدر حكما ضده في قضية أراض، مع أن المسؤولين السعوديين نفوا الحادثة.
ويصفه مصدر ذو علاقات بالقصر بأنه عنيف للغاية في حياته الخاصة، بشكل يصل لتحطيم المكاتب وتدمير القصر، ويصفه مقربون عديدون بأنه ذو تقلبات مزاجية عنيفة.
وقال شخصان من داخل القصر إنه رش سقف القصر بالرصاص في خلاف مع والدته، وبحسب مصادر صحفية عدة، فإنه سجن والدته. ومن الصعب تحديد عدد الزوجات التي لديه؛ وهناك واحدة فقط رسميًا، وهي أميرة تدعى "سارة بنت مشهور"، لكن حاشيته يقولون إن لديه واحدة أخرى على الأقل.
يعرض "بن سلمان" حياته العائلية كحياة عادية وسعيدة، وفي وقت سابق من هذا العام، أخبر مجلة "أتلانتيك" أنه يتناول الإفطار مع أطفاله كل صباح (لديه 3 أولاد وفتاتان، وفقا لجولف نيوز، ويقال أن أكبرهم عمره 11 عامًا)، وتحدث أحد الدبلوماسيين عن لطف "بن سلمان" تجاه زوجته. ولكن مصادر أخرى داخل دائرة العائلة قالت إن الاميرة "سارة" ضربت ضربا مبرحا من زوجها لدرجة أنها احتاجت إلى علاج طبي.
من الهامش إلى المركز: تصفية الخصوم
بعدما أصبح "سلمان" ملكًا، عين ابنه وليا لولي للعهد ووزيرًا للدفاع، وكانت إحدى خطواته الأولى شن حرب على اليمن المجاورة، وهي خطوة فوجئت بها حتى الولايات المتحدة، التي أُخطرت في آخر لحظة.
وكانت هناك عقبة واضحة في طريق "بن سلمان" للعرش: ابن عمه ولي العهد "محمد بن نايف"، الذي كان رئيس الاستخبارات ومحاور المملكة الرئيسي مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وفي يونيو/حزيران 2017، تم استدعاء "بن نايف" لمقابلة الملك المسن في قصره بمكة، لكنه وجد عملاء "بن سلمان" ينتظرونه بدلا من الملك، وفق ما أشارت إليه التقارير. وتم تجريده من أسلحته وهاتفه، وأُخبر بأن المجلس الملكي قد أقاله. وبعد 7 ساعات، قام أحد مصوري البلاط بتصوير فيديو لـ"بن سلمان" وهو يقبل ابن عمه الذي "وافق" على التنازل عن ولاية العهد.
وكان هذا مجرد إحماء، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2017، احتجز ولي العهد مئات الأمراء ورجال الأعمال السعوديين في فندق "ريتز كارلتون" لأسابيع، وصادر هواتفهم وعرضهم للحرمان من النوم والضرب حتى وافقوا على تسليم أموالهم، وجمع منهم حوالي 100 مليار دولار. وجرى وصف هذه الحملة على أنها ضد الفساد، وربما انطبق هذا على بعض الحالات، لكنها بدت كأساليب العصابات وليست إجراءات قضائية.
وأشرف "سعود القحطاني" على التحقيقات، وكان يتصل مباشرة مع "بن سلمان" كلما انهار معتقل وقدم معلوماته البنكية. ونجح "القحطاني" في أن يكون أحد أتباع "بن سلمان" المفضلين، رغم أنه تآمر في الماضي ضد "سلمان" وابنه، وحاول تهميشهم عبر إشاعات بأن "سلمان" مصاب بالخرف.
وأفاد مصدر بأن "بن سلمان" صفع "القحطاني" في وجهه يوم جنازة الملك الراحل، ولاحقًا سمح لـ"القحطاني" بإثبات قيمته وأدخله في طاقمه، وسمى الأخير ابنه على اسم الأمير "محمد".
كان "القحطاني" مستشارًا للاتصالات، وصحفيًا سابقًا فهم "تويتر" واستخدم جيشًا من الروبوتات والأتباع المخلصين لترويع المنتقدين على وسائل التواصل الاجتماعي. وكان عمليًا موضع ثقة "بن سلمان" لتنفيذ أكثر المهمات عنفًا وأهمية، وهي العمليات التي رسخت قبضته على السلطة.
وكان حادث "الريتز" إحدى العمليات المركزية في ترسيخ السلطة، فقد سيطر "بن سلمان" على عدد من أجهزة الأمن وأخذها من الأمراء. وسيطر على "أرامكو"، شركة النفط شبه المستقلة، وعين نفسه مديرا للصندوق السيادي "هيئة الاستثمارات العامة". وقال دبلوماسي متقاعد: "لقد دمر العائلات القوية"، وبنهاية عام 2017، أصبح القانون والمال والأمن تحت سيطرته.
ومن بين الأمراء الذي دفعوا "بن سلمان" إلى هامش الصورة (على اليخت في صغره) كان "الوليد بن طلال" الذي تخلى عن حصة من ثروته البالغة 17 مليار دولار بعد اعتقالات "الريتز كارلتون". ومع توسع حملة القمع، اضطر إخوته الأكبر غير الأشقاء لعرض يختهم للبيع، وسُجن أبناء عمومته، وقال أحد الضحايا: "لقد حان وقت دفع الثمن".
وفيما كان "بن سلمان" يضغط على النخبة في الداخل، كان يقيم بعض الصداقات المهمة في الخارج، مع "دونالد ترامب" على سبيل المثال. وكان لديهما العديد من القواسم المشتركة، فكلاهما كان يشعر بعقدة المستضعف ويكرهان مؤسسات صنع القرار "المتعجرفة" في بلادهما.
وبدعم ضمني من إدارة "ترامب" (وصريح أحيانًا)، بدأ "بن سلمان" بمعاملة الشرق الأوسط كله كما فعل في السعودية، إذ حاول إقصاء الحكام الذين أزعجوه، وتجلى هذا في حصار قطر، وإجباره لرئيس الوزراء اللبناني "سعد الحريري" على الاستقالة. ومع إن كلا التحركين جاء بنتائج عكسية، إلا إن مستشار "ترامب" للشرق الأوسط وصهره "جاريد كوشنر" لم يحاول إثناءه عن هذا السلوك.
وحلم "بن سلمان" و"كوشنر" على "واتساب" بنظام شرق أوسطي جديد، وكانا يناديان بعضهما بـ "جاريد" و"محمد"، وتوطدت علاقتهما لدرجة أن "بن سلمان" بدأ يتحرك بتحفيز من "كوشنر" للاعتراف بإسرائيل، لكن أباه الملك أوقفه.
وفوجئ ولي العهد بالتداعيات الفورية بعد اغتيال "خاشقجي"، فقد انسحبت الشركات والمتحدثون من مؤتمر "دافوس في الصحراء" لهذه السنة، وأنهت مؤسسة "جيتس" شراكتها مع مؤسسة ولي العهد الخيرية "مسك"، كما ألغى وكيل هولييود "آري إيمانويل" صفقة بـ400 مليون دولار مع المملكة، وشعر الأمير بـ"خيبة أمل" وفق ما قاله أحد المقربين.
نضج بعيد المنال
ما زال هناك أمل لدى البعض في مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، بأن "بن سلمان" قد يصبح شريكًا مفيدًا في المنطقة، في ضوء تراجعه عن المواجهة مع قطر وحرصه على الحصول على مخرج دبلوماسي من اليمن، ويظنون أنه ينضج كقائد، لكن هذا تفاؤل مفرط.
ففي أبريل/نيسان، تم تقديم التمر والقهوة العربية لرئيس اليمن، وبعدها بساعات ظهر على التلفاز وهو يقرأ خطاب استقالته، لقد أخذ "بن سلمان" على عاتقه أن يتخلص منه بنفسه؛ مما يعني أن أسلوبه في الدبلوماسية الدولية ما يزال قسريًا كما كان دائمًا.
وقال مصدر متصل بالبلاط الملكي، إن "بن سلمان" يعطي الانطباع بأنه يفكر دائمًا في أن الناس يدبرون المكائد ضده، ويبدو منشغلًا للغاية بالولاءات، ويوكل المناصب الرئيسية لأفراد العائلة المالكة الشباب، أو الأجانب الذين ليس لديهم قاعدة محلية تهدده، بالإضافة إلى الناس الذين كسرهم بالفعل.
وبما إن عمر الأمير ما يزال 36 عاما، فإن الوقت في صالحه، ويخشى بعض المراقبين من أنه قد يصبح أخطر عندما تبدأ احتياطيات النفط في التراجع، وقال دبلوماسي يعرفه شخصيًا: "ماذا سيحدث عندما يصبح في منتصف العمر ويحكم بلدًا ذات دخل متوسط ويصاب بالملل؟ هل سيجنح للمغامرات أكثر؟".