متابعات-
أظهر استطلاع للرأي أن الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في منتصف يونيو/حزيران الماضي، لم تؤثر فعليًا على مواقف الشعب السعودي من الولايات المتحدة أو التطبيع مع إسرائيل أو أي قضايا أخرى.
الاستطلاع الذي أجرى بين 25 يوليو/تموز و15 غسطس/آب وكشف نتائجه "معهد واشنطن"، قال إن "السعوديين لا يزالون يشعرون بالعدائية تجاه إيران، ويعارضون عموما غزو روسيا لأوكرانيا".
ووفق النتائج، فإن أغلبية ضيقة تولي أهمية للعلاقات الجيدة مع روسيا، في حين أن أقلية كبيرة بشكلٍ مفاجئ (نحو 40%) ترحّب بإبرام اتفاقٍ نووي جديد مع إيران، كما أن نصف السعوديين يرون الآن أن "الوضع الاقتصادي في بلدنا سيئ عمومًا، وسيبقى هكذا على الأرجح".
وترى نسبة تفوق 40% بقليل من المواطنين السعوديين أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة مهمة "نوعًا ما" على الأقل لبلدهم، وهي النسبة نفسها تقريبًا المسجلة في استطلاعات الرأي التي أجريت في السابق.
ولدى سؤال المشاركين في الاستطلاع، والذي بلغ عددهم نحو 1000 سعودي، عن زيارة "بايدن" بالتحديد، رأى ربعهم فحسب أنها حملت أثرًا إيجابيًا.
وتؤيد أغلبية السعوديين (59%)، كما في الاستطلاعات السابقة، المقولة التالية: "لا يمكننا التعويل على الولايات المتحدة حاليًا؛ لذا علينا أن نتطلع إلى روسيا والصين كشركاءٍ لنا".
وعلى صعيد أهمية العلاقات السعودية مع سائر الدول، أصبحت الولايات المتحدة في الوقت الراهن متخلفة عن الصين (55%) وروسيا (52%)، وحتى الاتحاد الأوروبي (46%).
ومن بين القوى الأجنبية الكبرى، تأتي الهند مباشرةً بعد الولايات المتحدة؛ حيث يرى 37% من المشاركين أن العلاقات الجيدة مع نيودلهي مهمة بالنسبة إلى الرياض.
وحسب الاستطلاع، تنوعت الإجابات ردًا على السؤال حول أولويات السياسة الأمريكية تجاه السعودية؛ فاحتلت المرتبة الأولى إجابة "مساعدتنا على حل النزاعات الإقليمية بالقنوات الدبلوماسية"، تليها بفارقٍ ضئيل إجابة "توفير الأسلحة المتطورة لقواتنا المسلحة".
في حين حلت إجابتان مفاجئتان "تنفيذ مشاريع الاستثمار والتجارة والبناء" أو "احترام ديانتنا وثقافتنا" في المرتبتين التاليتين بفارقٍ ضئيل أيضًا
ولا تزال المواقف الشعبية السعودية تجاه التطبيع مع إسرائيل و"اتفاقيات إبراهام" متباينة للغاية.
إذ يوافق 42% من المشاركين على أنه "يجب السماح للأشخاص بالتواصل مع إسرائيل على الصعيديْن التجاري أو الرياضي إذا رغبوا في ذلك".
وتضاعفت هذه النسبة مباشرة بعد الإعلان الرسمي عن "اتفاقات إبراهام" في خريف عام 2020، وظلت مستقرة منذ ذلك الحين، حتى في أعقاب العمليات العسكرية الانتقامية الإسرائيلية مباشرة في غزة في مايو/أيار 2021، ومرة أخرى في يوليو/تموز الماضي فقط.
لكن الأغلبية (57%) لا توافق على ذلك، ومنها نسبة 26% تعارض ذلك "بشدة".
وهذه إحدى المسائل القليلة التي يكون الفارق بين الأجيال بخصوصها كبيرًا من الناحية الإحصائية؛ ففي أوساط الراشدين ممن عمرهم دون 30 عامًا، يوافق 46% على التواصل مع الإسرائيليين.
أما في صفوف الراشدين الذين تجاوزوا الثلاثين عامًا، فتنحدر النسبة إلى 39%.
وفي الوقت ذاته، فيما يتعلق بـ"اتفاقيات إبراهام" الموقعة بين إسرائيل وعدة دول عربية أخرى، يرى نحو ربع السعوديين فقط أن لها انعكاسات إيجابية على المنطقة.
ويذكر أن هذه النسبة بقيت على حالها تقريبًا خلال العام الفائت، من دون تسجيل اختلاف كبير بين السعوديين الأصغر والأكبر سنًا.
وفي تناقضٍ صارخ حسب وصف "معهد واشنطن"، أفادت نسبة 14% من السعوديين فقط بأن العلاقات الجيدة مع إيران مهمة "نوعًا ما" لبلدهم.
وهذه المسألة من القضايا القليلة التي يبرز فيها الاختلاف بين الطوائف، ولو كان محدودًا، ففي أوساط الأقلية الشيعية السعودية الصغيرة، تولي نسبة 22% أهميةً للعلاقات الجيدة مع طهران، في حين تؤيد أغلبية السعوديين (57%) عمومًا إبرام اتفاق نووي جديد مع إيران.
إلا أن أقليةً كبيرةً مفاجئة (39%) ترى أن الاتفاق سيخلف "أثرًا إيجابيًا" بعض الشيء على المنطقة، مع تأييد الأقلية الشيعية له بنسبةٍ أكبر بقليل.
وحول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، يعارض نحو ثلاثة أرباع السعوديين، وهي نسبة مساوية تقريبًا لتلك المسجلة في استطلاع مارس/آذار هذه العمليات.
كما يؤيد ثلثي السعوديين فكرة أن غزو روسيا "هو السبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في المملكة".
وتتناقض هذه الآراء القوية والثابتة نسبيًا بشكلٍ كبير مع وجهة نظر يتشاركها في الوقت نفسه أكثر من نصف السعوديين بأن العلاقات الجيدة مع روسيا "لا تزال مهمة".
وعلق "معهد واشنطن"، على هذه الأرقام بالقول: "لا شك في أن هذه المواقف المتباينة تساهم في تفسير مواصلة السعودية استمالة روسيا وانتهاجها سياسة حذرة إزاء الأزمة الأوكرانية".
وعلى صعيد القضايا المحلية، سجل هذا الاستطلاع نتيجةً مفاجئة مفادها بأن نصف السعوديين متشائم حيال "الوضع الاقتصادي السيئ عمومًا في البلاد"، بمن فيهم نسبة 22% تؤيد هذه المقولة "بشدة".
ويتشارك وجهة النظر هذه الأصغر والأكبر سنًا بالتساوي تقريبًا.
وينبع هذا الشعور "غير المتوقع" في ضوء التركيز الخارجي الكبير على ارتفاع عائدات النفط، من تصور السعوديين لارتفاع أسعار المواد الغذائية.
وفي نتيجةٍ أكثر إيجابية، تؤيد في الوقت الراهن نسبة 42% من السعوديين من الراشدين الشباب أو كبار السن المقولة التالية: "يجب أن نصغي إلى الذين يحاولون تفسير الإسلام بطريقةٍ أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة".
وتجدر الملاحظة أن عدد مؤيدي وجهة النظر هذه كان يرتفع بوتيرةٍ بطيئة إنما مطردة في الاستطلاعات التي أجريت خلال السنوات الخمسة الماضية.