إليونورا أرديماغني/ المعهد الإيطالي للدراسات الدولية – ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
بدأت في السعودية للتو عملية نقل سلطة بطيئة وتدريجية مع التعيينات الأخيرة التي عززت الجيل الجديد من الطبقة الحاكمة السعودية، وأيضًا مع سلسلة من الخطوات الدبلوماسية التي من خلالها استعاد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" الصدارة السياسية.
في غضون ذلك، تؤكد مبادرات الرياض الأخيرة على صعيد التحالفات الدولية أن المملكة تسعى إلى شراكات متوازية مع الولايات المتحدة وروسيا والصين والدول الأوروبية أيضًا.
وفي 27 سبتمبر/أيلول 2022، تم تعيين "محمد بن سلمان"، البالغ من العمر 37 عامًا، رئيسًا للوزراء. وجاء ذلك عبر مرسوم ملكي كجزء من تعديل وزاري أجراه والده الملك "سلمان"، البالغ من العمر 86 عامًا. وقبل إصدار المرسوم، كان الملك يشغل منصب رئيس الوزراء وكان ولي العهد نائبه. ويضفي هذا التعديل الطابع الرسمي على الأمر الواقع، بالرغم أن الملك "سلمان" سيواصل رئاسة جلسات مجلس الوزراء التي سيحضرها.
علاوة على ذلك، فإن ترقية "خالد بن سلمان" (الأخ الأصغر لمحمد بن سلمان) إلى منصب وزير الدفاع يعد تمهيدا لتسلمه ولاية العهد في المستقبل. وهناك نجل آخر للملك وهو "عبد العزيز بن سلمان" جرى تعيينه وزيرا للطاقة.
وبعيدًا عن قضية الخلافة، يسعى التعيين الأخير إلى منح "محمد بن سلمان" الحصانة لحمايته من دعوى قضائية محتملة في الولايات المتحدة؛ نظرًا لدوره في مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
وبالتأكيد، يتعلق هذا التعيين أولاً بالبروتوكول الدبلوماسي؛ فعلى أعلى المستويات لا يمكن لأحد الآن أن يتجاهل لقاء "محمد بن سلمان"، بعد أن أصبح رئيسًا للوزراء رسميًا. ومن شأن ذلك أن يعزز القوة الدبلوماسية لولي العهد.
ويركز "محمد بن سلمان" حاليا على لعب دور الوسيط في عدة صراعات، محاولًا إعادة صياغة صورته التي تشوهت بشدة -خاصة في الرأي العام الغربي- بسبب الحرب في اليمن وقمع الحريات والاعتقالات الجماعية.
ونجحت السعودية مؤخرا في التوسط بين روسيا وأوكرانيا لإطلاق سراح 10 أسرى لدى الجانب الروسي من بينهم مواطنون من 5 دول بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد وكرواتيا والمغرب. وحدث ذلك بالتوازي مع الوساطة التركية التي تمخضت عن إطلاق سراح القادة العسكريين لكتيبة آزوف مقابل الأوليغارشية الأوكرانية البارزة المؤيدة لروسيا.
وبعد الوساطة السعودية الناجحة، تلقى "محمد بن سلمان" إشادة عامة من موسكو وكييف وواشنطن ولندن؛ مستفيدًا من موقف التحوط الذي اتبعته الرياض حتى الآن، بعد غزو روسيا لأوكرانيا.
وهكذا تستمر السياسة الخارجية السعودية في وضع بيضها في سلال عديدة، في محاولة لترسيخ قيادة "محمد بن سلمان" وإعادة تأهيل صورته. وحاليا هناك تحسن هادئ للعلاقات بن السعودية والولايات المتحدة. وفي 24 سبتمبر/أيلول 2022، زار دبلوماسيون أمريكيون "محمد بن سلمان" في جدة لمناقشة قضايا الطاقة والهدنة في اليمن بعد وجود تقدم نسبي فيهما.
ونظرًا لتداعيات الحرب في أوكرانيا على الطاقة، بدأت الدول الأوروبية أيضًا في مغازلة الرياض التي لديها إمكانات هائلة، سواء على المدى القصير (الهيدروكربونات) أو على المدى الطويل (الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة)، كما تجلى في رحلة المستشار الألماني "أولاف شولز" إلى السعودية في 24 سبتمبر/أيلول، كجزء من زيارته التي استغرقت يومين إلى منطقة الخليج.
وتسلط عودة المسؤولين الغربيين إلى الرياض الضوء على بدء فصل جديد أقل صراعًا مع القيادة السعودية؛ بحثًا عن حلول مربحة للجانبين. ويساعد ذلك استراتيجية "محمد بن سلمان" في تغيير صورته.
وفي الوقت الحاضر، يواصل السعوديون توسيع وتعميق علاقاتهم مع الصين؛ ففي الاجتماع الأخير لمنظمة شنجهاي للتعاون في سمرقند، تم الترحيب بالسعودية وقطر في المنظمة كشركاء في الحوار.
ويشمل توجه "التطلع إلى الشرق" منطقة الخليج بأكملها؛ حيث بدأت الإمارات والبحرين والكويت للتو عملية للحصول على صفة "شركاء الحوار" في منظمة شنجهاي، بينما وقعت إيران مذكرة للحصول على العضوية الكاملة.
وبالرغم من الاستقطاب الدولي المتزايد، تواصل السياسة الخارجية السعودية السعي وراء تحالفات في كل مكان. وفي الواقع، يعد ذلك أمرا مهما لحكم "محمد بن سلمان" الحالي والمستقبلي، ولا يتعلق ذلك بالجدوى الاقتصادية لتنويع ما بعد النفط فحسب، بل بالفرص الدبلوماسية التي توفرها للملك القادم.