DW- بالعربية-
تصطدم رغبة ولي العهد السعودي في العودة ببلاده إلى إسلام معتدل ونبذ التطرف بعقبات كثيرة، إذ لا بد له من تغيير "معادلة الحكم" هناك التي قامت على التحالف بين الدين والسياسية، فما هي فرصه وأدواته لتحقيق مثل هذا التحول؟.
"يجب أن نتحد في السعي إلى تحقيق هدف واحد يتجاوز كل اعتبار آخر. وهذا الهدف هو مواجهة اختبار التاريخ العظيم - القضاء على التطرف وقهر قوى الإرهاب". جملة قالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل أشهر قليلة في كلمته أمام القمة العربية-الإسلامية خلال زيارته للسعودية، حيث شدد على أهمية التصدي للإرهاب والتطرف. بعد زيارة ترامب، توالت التغييرات التصريحات والمواقف السعودية التي تصب في هذا الاتجاه. إذ أعلن عن إبعاد ولي العهد محمد بن نايف من سدة الحكم وإعفائه من منصبه كوزير للداخلية وتعيين الأمير الشاب محمد بن سلمان (32 عاماً) ولياً للعهد، والذي كان قد بدأ قبل ذلك بتعزيز سلطته وتقديم نفسه كإصلاحي وممثل لآمال وطموحات الشباب.
كما تم بعد تلك الزيارة الإعلان عن الحد من صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسماح للمرأة بقيادة السيارة. ما يعني أن زيارة ترامب قد أعطت دفعاً لعملية التغيير في السعودية، وهو ما يشير إليه المحلل السياسي السعودي، عبد المجيد الجلال، في حواره مع DW عربية بقوله "بالتأكيد مرحلة ترامب هي فرصة للسعودية ودول الخليج لإظهار ابتعادها عن مسألة التطرف واتهامها بأنها كانت وراء التطرف". محمد بن سلمان بدأ مشروعه الإصلاحي بالإعلان عن "رؤية السعودية 2030" ولديه خطط طموحة في إطار سعيه للتحديث والإصلاح، وآخر ما أعلنه في هذا الإطار هو مشروع "نيوم" العملاق والمشترك مع مصر والأردن.
هل يمكن التخلي عن الوهابية؟
طموحات الأمير الشاب لا تقف عند الإصلاح الاقتصادي، إذ يسعى إلى تحقيق إصلاح اجتماعي أيضاً من خلال الحد من نفوذ المؤسسة الدينية ومحاربة الفكر الديني المتطرف، حيث تم إنشاء هيئة "لمراقبة تفسير الأحاديث" مؤخراً، وفي جلسة حوارية ضمن منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض وعد الامير الشاب بإسلام وسطي معتدل بقوله "نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان"، مضيفاً "لن نضيع 30 سنة من حياتنا بالتعامل مع أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفوراً". وتابع: "سوف نقضي على التطرف في القريب العاجل".
حديث ولي العهد الشاب عن العودة إلى الوسطية والاعتدال والقضاء على التطرف، يثير التساؤل فيما إذا كان يعني بذلك الوهابية التي لم يسمها، والتي أمنت الغطاء الديني والشرعي لحكم آل سعود منذ تأسيس المملكة على يد عبد العزيز آل سعود عام 1902. المحلل السياسي السعودي عبد المجيد الجلال يرى أن ولي العهد السعودي يقصد بكلامه الوهابية "فهذا الفكر الوهابي المتشدد أدخل المجتمع السعودي والمملكة في إشكالات ثقافية شديدة. وهناك اتجاه من الدولة للخروج من هذا الفكر المتشدد، وهي عملية صعبة تحتاج جهوداً مشتركة من الدولة والمجتمع، فالدولة هي من زرعت هذا الفكر المتشدد".
لكن هل تستطيع المملكة التخلي عن الفكر الوهابي وإبعاد رجال الدين وفقهاء الوهابية عن مؤسسة الحكم والقضاء على نفوذهم؟ الباحث في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية سيباستيان زونس لا يعتقد أن العائلة الحاكمة تستطيع التخلص من الوهابية ونفوذها، إذ أنه "لولا الدعم الديني من الوهابيين لما حصلت العائلة المالكة على السلطة السياسية. وقد استمر هذا التحالف (بين الوهابية والعائلة المالكة) لعقود. لذلك فمن الصعب للعائلة المالكة الاحتفاظ بالسلطة السياسية إذا فقدت دعم رجال الدين. وبالتالي فإن الأمر لا يعني القضاء على الوهابية أو إصلاحها بشكل جذري"، يقول زونس في حواره مع DW عربية.
وفي نفس الاتجاه يذهب الكاتب السعودي جمال خاشقجي أيضاً في حواره مع DW عربية، إذ يرى أن "من الصعب على السعودية أن تتبرأ من الوهابية. ولكن هذه الأخيرة حملت بتيار سلفي متشدد، وهو الذي ساد خلال الثلاثين سنة التي اشتكى منها الأمير محمد حينما قال إننا لن نسمح أن نضيع 30 سنة أخرى تحت هذا الفكر".
إصلاح ديني سطحي؟
فالإصلاح الديني لن يكون عميقاً ولن يؤدي إلى ضمان الحرية الدينية للأقليات الدينية الأخرى، فمثلاً لن يسمح ببناء كنائس للمسيحيين، وفي هذا السياق يقول زونس إن الإصلاح الديني الذي يتم الحديث عنه لن يؤدي إلى "تحقيق حرية دينية فعلية وأن يمارس المسيحيون واليهود طقوسهم الدينية بحرية ولن يتم تحسين وضع الشيعة". ويشاطره رأيه عبد المجيد الجلال أيضاً بقوله "لا أعتقد، لأن هذه الخطوة (الحرية الدينية وبناء الكنائس) صعبة جداً الآن. ولكن ربما في مرحلة قادمة من الإصلاحات واستيعاب المجتمع لها وبدء التغيير الإجتماعي".
وفي هذا السياق أيضاً يقول خاشقجي: "لا توجد حاجة لذلك (لبناء كنائس)، لأنه فيها استفزاز للضمير كأن تدعو لبناء مسجد بجوار الفاتيكان. الحريات التي نتمناها في السعودية هي الحريات العامة وإطلاق التعددية والحريات الفكرية، السماح بالتعددية وحمايتها هو المهم، وهو الذي نحتاجه وليس الانتقال من تشدد سلفي إلى تشدد إصلاحي".
والملفت حسب رأي زونس، المختص بالشأن السعودي، أنه ليس هناك معارضة كبيرة من رجال الدين للإصلاحات، ويعود ذلك إلى أن "فقهاء الوهابية قد تم الحد من نفوذهم خلال السنوات الأخيرة، وهو ما واصله الأمير محمد بن سلمان. وهناك دعم شعبي كبير له وللإصلاحات الاقتصادية بين الشباب الذين يعلقون آمالاً كبيرة عليه".
خاشقجي أيضاً يؤكد في حديثه على "وجود دعم شعبي واسع للإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية" ولكن سيبقى هناك "متشددون يعارضون الإصلاحات والانفتاح نحو الأقليات. وسيبقى البعض من رجال الدين والتقليديين الذين سيعارضون إعطاء المرأة حقوقها، لكنهم ليسوا بالقوة التي تسمح لهم بمنع هذه المسيرة (الإصلاحات)" يضيف الخاشقجي في حواره مع DW عربية.
القمع وسيلة للإصلاح!
تزامن الحديث عن الاعتدال ومحاربة التطرف والفكر المتطرف، مع الإعلان عن إصلاحات اقتصادية ومشاريع كبيرة، يشير إلى وجود علاقة بين "الإصلاحات الاقتصادية والدينية" يقول زونس. ويتابع بأن السعودية بحاجة إلى صورة جديدة مختلفة عن السابقة السائدة في الخارج، والتي تنظر إلى المملكة على أنها "بلد محافظ وبالتالي كل شيء فيه ممنوع"، وهي تحتاج لصورة جديدة "جيدة" لأنها بحاجة لاستثمارات ومستثمرين أجانب.
وبالتالي فإن على السعودية "أن تصبح جذابة ومغرية لهم للعمل والاستثمار في السعودية، وتظهر أنه ليس هناك إصلاحات اقتصادية فقط وإنما دينية وثقافية واجتماعية أيضا وهناك سعي للتحديث وتطوير البلاد"، يضيف زونس.
لكن يبقى السؤال، كيف سيحقق الأمير الشاب طموحاته التي يشاركه إياها طيف واسع من الشباب السعودي، وما هي الأدوات والوسائل التي يملكها من أجل ذلك؟ وهناك خشية من أن يكون القمع إحدى وسائله وأدواته، إذ يقول المحلل السياسي عبد المجيد الجلال إن ابن سلمان "يحاول الآن أن يهيء المجتمع لهذه المرحلة، فلجأ لأسلوب الاعتقال، واعتقال كل من يعارض بحجة التطرف. ولكن بعض المعارضين وسطيين!".
في حين يرى الباحث في الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية سيباستيان زونس أن ولي العهد السعودي "يحظى بدعم المجتمع وخاصة الشباب الذي يعلق قسم كبيرمنهم آمالاً كبيرة عليه وأنه يمثل جيلهم الشاب، ولديه خطط طموحة جداً تبعث على التفاؤل". لكن زونس يحذر من إخفاق بن سلمان في تحقيق مساعيه، ما قد يكلفه "جزءا كبيراً من سلطته وشعبيته"، إذ أنه من غير المعروف كم هو حجم الدعم الذي يحظى به من قبل العائلة المالكة، حيث أبعد و"جرد بعض منافسيه من سلطاتهم، وعلى رأسهم ولي العهد السابق محمد بن نايف. كما أن ابن سلمان يقاتل على عدة جبهات: الإصلاح الاقتصادي والخلاف مع قطر والمنافسة مع إيران والحرب في اليمن" وعليه مواجهة كل هذه التحديات والعقبات.