د. عبدالرحمن الشلاش- الجزيرة السعودية-
الثابت أن التنمية بكافة أشكالها وألوانها لا تستقيم مع التطرف، بل إن التطرف أو التشدد معول هدم لأي توجه تنموي يهدف إلى إدخال المملكة العربية السعودية في مضمار السباق العالمي. حدد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في خطابة غداة تدشين مشروع نيوم عام 1979 بداية فعلية للتطرف في المملكة، ومنذ ما سمي بالصحوة والتشدد يتمدد حتى تحول إلى عقبة أمام الحكومة لتنفيذ أي أفكار جديدة.
اتفق مع سموه في هذا التحديد حيث كانت الفترة السابقة لعام 1979 مرحلة اتسمت بالاعتدال والوسطية وتقارب أطياف المجتمع في لحمة نادرة أن تجد الملتحي يجالس من يحلق لحيته باعتبار هذه المظاهر حريات شخصية ولم تكن اللحية وقتها من المقومات الرئيسة، وكانت دور السينما منتشرة في أندية الرياض وفي حي المربع وفي حي البخارية في مدينة الطائف المصيف الجميل. صحيح أن الصالات كانت متواضعة وبعضها أحواش غير مهيأة لكنها كانت تفي بالغرض حيث كانت الطوابير الطويلة تصطف من ساعات مبكرة وسط إقبال منقطع النظير.كانت تمثل رئة يتنفس من خلالها الآلاف.
لكن ما هو جدير بالذكر أن تلك المرحلة وخاصة في بدايات الستينيات الميلادية قد شهدت أحداثًا اتسمت بالتطرف وكانت نواة للتطرف في مرحلة ما بعد عام 1979. تمثلت تلك الأحداث في رفض تعليم البنات ومعارضة التلفزيون ثم تزايد الممانعة حول عمل المرأة. أما الفترة التي حددها سموه الكريم فقد شهدت بالفعل موجات شديدة من التطرف انعكست آثارها على كل الفعاليات الاجتماعية التي كانوا يرون فيها إفسادًا للمجتمع مثل بعض الحفلات أو المسرحيات مثلما حدث في جامعة اليمامة، ومعرض الكتاب الذي شهد منفردًا جملة من الأحداث تمثلت في التكسير والتحطيم واستخدام القوة المفرطة في همجية لم تحدث ولا في العصور الحجرية.
مرحلة ما بعد 1979 اختطف فيها كل شيء من قبل فئة متشددة تريد أن تعيد المجتمع للعصور القديمة وتجرده من كل مباهج الحياة. فئة سيطرت على المفاصل الأساسية، كانت تتدخل في كل شيء، وتسعى لإجهاض أي مشروع بحجة أنه مخالف للدين. كنا نراهم يتنقلون بين الوزارات والدوائر لم يتركوا مكانًا إلا وذهبوا إليه. اشغلوا المسؤولين عن أعمالهم وكل تلك الممارسات تقابل بسعة الصدر من الحكومة، لكن الحكومة والمجتمع دفعوا ثمنًا باهظًا نتيجة إيقاف برامج ومشروعات جبارة لسنوات.
اليوم ومع مشروع نيوم العملاق وتزامنًا مع إعلان سمو ولي العهد بقوله سندمر التطرف، ونعيد المجتمع إلى الإسلام المعتدل نكون بالفعل موعودين بمرحلة جديدة لا مكان فيه إلا لأصحاب الفكر النير والمبادرات الخلاقة والأعمال العظيمة.