نيويورك تايمز- ترجمة شادي خليفة -
كان «ريتشارد برانسون»، رجل الأعمال البريطاني الذي أنشأ مجموعة فيرجين، قد تحمس للمياه الزرقاء على طول ساحل البحر الأحمر، لدرجة أنه قد تجرد من ملابسه ولبس لباس السباحة قبل حتى أن تهبط مروحيته.
ومنذ ذلك الحين، أصبح واحدا من أكبر حلفاء الأعمال الدوليين للحكومة السعودية، حيث يسعى إلى بدء 3 مشاريع كبرى جديدة، تهدف إلى تنويع اقتصاد المملكة المعتمد على النفط.
تبدو المشاريع ذات طموح مذهل، لكنها تفتقر لكثير من التفاصيل. أحد هذه المشاريع عبارة عن مركز أعمال تجارية يعمل على الطاقة المستدامة، ويعمل به الروبوتات. ومشروع آخر هو مدينة ترفيهية بالقرب من العاصمة، الرياض. ويتشاور حول المشروع الثالث، وهو مجمع للسياحة البيئية على جزر البحر الأحمر.
ومن المعروف عن المملكة العربية السعودية أنها ملكية مطلقة، اعتمدت تاريخيا على النفط ونسختها الصارمة من الإسلام، الأمر الذي يتطلب من النساء ارتداء الجلباب الكامل في العلن، ويمنحهن حقوقا قانونية أقل من الرجال. وأن تراهن المملكة في مستقبلها على الطاقة الشمسية والتكنولوجيا الفائقة والترفيه، وهي مجالات ليس لها خلفية عنها تقريبا، تعد علامة على إصرار القيادة على التحديث.
ولكن لا تزال هناك أسئلة جدية بشأن قدرة المملكة على تنفيذ هذه الخطط المعقدة، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على المصالح والمال الدوليين. ويمكن للمستثمرين رفض وضع رؤوس أموال كبيرة في نظام غالبا ما يكون غامضا، في وقت يتحول فيه نحو هذا التغيير الاقتصادي والاجتماعي الكبير، بما في ذلك منح المرأة الحق في القيادة.
ويقول «جيمس دورسي»، الزميل في مدرسة راجاراتنام للدراسات الدولية في سنغافورة: «تقول قراءتي أن المستثمرين الرئيسيين يثيرهم ما يحدث في السعودية، ولكنهم غير مقتنعين بعد بوضع أموالهم فيها. توجد الكثير من الإمكانات هنا. لكن لا يزال يتعين النظر إلى مدى واقعية تلك الإمكانات».
وتعد المشاريع الكبرى الثلاث من بنات أفكار ولي العهد، البالغ من العمر 32 عاما، «محمد بن سلمان»، الذي اقترح إصلاحات شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وفتح المجتمع السعودي على العالم.
وقد رحب هذا الأسبوع بأكثر من 3500 مستثمر دولي ومصرفي ومدير شركة، في مؤتمر فاخر في الرياض، لإغرائهم بالاستثمار في المملكة. وفي الأعوام الأخيرة، خصص صندوق الاستثمار العام في المملكة، الذراع الاستثماري الحكومي، الذي استضاف المؤتمر، عشرات المليارات في مشاريع مع سوفتبنك وبلاكستون وصندوق الحكومة الروسية، فضلا عن أوبر.
وفي حين بدأ بعض هؤلاء المستفيدين منح المملكة الأرباح الآن، فإن البعض الآخر لم يقدم بعد التزامات استثمارية ملموسة إلى المملكة. وقد سعى البعض فقط لبيع السلع والخدمات إلى السعودية، لتحقيق الأرباح بغض النظر عن شكل وأهداف المشاريع في نهاية المطاف.
وقال الأمير «محمد»، في تصريح صحفي، إن «هذا المكان هو المكان الذي يريد فيه الحالمون خلق شيء جديد للعالم. سيكون لدينا الكثير من الشركاء داخل هذه الغرفة وخارجها، للعمل معا على تجسيد هذه الفكرة».
ومن بين أهداف المشروع تشجيع السعوديين على إنفاق المزيد من المال في الداخل، لصالح الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل. لكن التطورات ستحتاج إلى إنفاق حكومي كبير وبناء واسع النطاق، ولن يؤدي أي من ذلك إلى زيادة إيرادات الدولة غير النفطية بسرعة، ولن يخلق المزيد من فرص العمل للشباب السعودي.
لن يولد الوظائف
وقال «ستيفن هيرتوغ»، الأستاذ المساعد في كلية لندن للاقتصاد، ومؤلف كتاب عن البيروقراطية السعودية: «إذا كان لديهم ترف الانتظار لمدة 15 أو 20 عاما، فقد يولد هذا المشروع الوظائف للسعوديين». إلا أنه قال إن مشروع نيوم «لن يساعد في حد ذاته في المشاكل التي ستواجهها المملكة خلال الأعوام الـ 5 أو الـ 10 المقبلة».
وكان سجل المملكة من المشاريع الكبرى مختلطا. وقد نجحت في إنشاء مناطق خاصة عززت الصناعات الثقيلة. لكن خططا أخرى، مثل شبكة من المدن الاقتصادية ومنطقة مالية في الرياض، لم تحقق أهدافها.
ويقول البعض إن هناك اختلاف الآن، وهو وجود الأمير «محمد»، الذي يتمتع بدعم سلطة الدولة المركزية، وهو ما قد يساعد في دفع المشاريع إلى الأمام.
وفي هذا الأسبوع، أنجزت شركة بلاكستون استثمارا حكوميا بقيمة 20 مليار دولار أمريكي في صندوق البنية التحتية الأمريكي المخطط له، بالشراكة مع صندوق الاستثمار العام السعودي. وقد رفض «ستيفن شوارزمان»، المقيم منذ فترة طويلة في المملكة والرئيس التنفيذي للشركة، التعليق على ما إذا كانت بلاكستون سوف تستثمر في المشروعات الضخمة في المملكة.
وكان المؤتمر قد كشف النقاب عن مدينة «نيوم»، وهي مركز أعمال يستند إلى التكنولوجيا الفائقة. وسوف يتم بناؤها على قطعة أرض قاحلة على طول خليج العقبة، ويتم تصويرها على أنها ستكون ملجأ لوظائف ذوي الياقات البيضاء المتطورة في مجالات التكنولوجيا الحيوية والطاقة البديلة والخدمات الرقمية. وللمساعدة في تسهيل العمل وجذب رأس المال، سيتم إعفاؤها من اللوائح السعودية، ومن المرجح جدا توفير السفر إليها بدون تأشيرة، وغيرها من الحوافز.
ومع مرور الوقت، ستعتمد بشكل أكبر على الروبوتات، وفقا للمواد الترويجية. وللإشارة إلى الاتجاه الجديد، تم منح روبوت مؤنث، اسمه «صوفيا»، الجنسية السعودية يوم الأربعاء.
وسيشرف على المشروع «كلاوس كلاينفيلد»، وهو مدير تنفيذي مولود في ألمانيا، يدير شركة سيمنز الصناعية وشركة ألكوا للألمنيوم.
محفظة متنوعة
وتضم نيوم عددا من الاستثمارات ذات الاتجاهين. حيث افتتحت «سوفت بنك»، الشركة اليابانية العملاقة في مجال التقنية، مؤخرا صندوقا استثماريا، وهو صندوق «سوفت بنك فيجن»، بمساهمة بقيمة 45 مليار دولار من السعودية. وينظر الصندوق في شراء حصة في الشركة السعودية للكهرباء، وقد أعلن الأسبوع الماضي عن خطط لمساعدة الشركة على تطوير الاستفادة من الطاقة الشمسية العام المقبل.
وستحصل شركات المساحات، التابعة للسيد «برانسون»، على ما لا يقل عن مليار دولار من المملكة. وقال في مقابلة مع الصحفيين في الرياض إنه «يفكر في بناء فندق أو فندقين في المدن الجديدة».
وقال «كيريل» دميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، الخميس، إن الصندوق سيضع المليارات لجلب الشركات الروسية المتطورة إلى نيوم. وقد استقبلت بلاده استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار عام 2015 من المملكة، وكانت أول زيارة ملكية لها من المملكة هذا الشهر، عندما ذهب الملك «سلمان» إلى موسكو.
وقال ديمترييف: «نحن مندهشون جدا، ونشعر بالذهول من الطاقة التي نراها في المملكة، والرغبة في الحصول على الشركاء المناسبين، ونحن نعلم أن العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى هنا، على استعداد للاستثمار في هذا المشروع».
وقال «أرييل إيمانويل»، مؤسس وكالة «إنديفور»، وهي شركة قابضة مقرها في بيفرلي هيلز، كاليفورنيا، تعمل في الرياضة والتلفزيون والأزياء وغيرها من مجالات الترفيه: «الآن هناك الكثير من المال الذي يترك البلاد ويذهب إلى مناطق مختلفة». وكان قد التقى الأمير «محمد» في جدة لمناقشة رؤية المملكة للمدينة الجديدة، قبل 6 أشهر.
وقال السيد «إيمانويل»: «أعتقد أننا يمكن أن نلعب دورا مهما جدا في جلب وسائل الترفيه للمملكة بأشكال مختلفة».
وأثناء تجول السيد «برانسون» بالقرب من موقع المشروع الثالث، على البحر الأحمر، وهو موقع للفنادق الفاخرة والسياحة البيئية، قال «برانسون»، الذي يعيش في جزيرة نيكر في منطقة البحر الكاريبي وله ممتلكات هناك، إنه اندهش من الحياة الحيوانية خلال زيارته للجزر السعودية، بما في ذلك السلاحف البحرية التي كانت تضع البيض. وقال إنه يفكر في الاستثمار هناك.
وقال إن «إحدى المزايا التي يتجاهلها الكثيرون الادعاء بأن السعودية ليست مفتوحة، وهي ليست مفتوحة على الإطلاق منذ عام 1979، وهذا يجعل هذه الأماكن بكرا، لم يمسها أحد». وأضاف: «أريد أن أساعد بنصيحتي حول كيفية تطويرها، حتى يتمكن الناس في غضون 50 عاما من زيارتها ورؤيتها بنفس الصورة، بكرا وجميلة».