كالفرت جونز - واشنطن بوست-
لا يسعى ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، لمجرد تعزيز سلطته قبل الصعود المحتمل للعرش. بل يحاول أيضا إعادة تشكيل المجتمع السعودي. وقال بصراحة للصحفيين إن بلاده «ليست في وضعها الطبيعي»، وهكذا؛ مثل «أتاتورك» في تركيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، والشاه في إيران ما قبل الثورة، قال ولي العهد إنه سوف يعمل على تحديث مجتمعه وبسرعة.
وكانت مؤسسة «ماكينزي» وشركاه الاستشارية قد ساعدت في تصميم رؤية عام 2030 الخاصة بالمملكة العربية السعودية، وهو برنامج الإصلاح الشامل الذي وضعه الأمير بهدف تحويل مستقبل المملكة ليكون أكثر انفتاحا بعد النفط. وتجعل الإصلاحات الجارية من القطاع الخاص قطاعا حيويا، وتقلص البيروقراطية، وتضع قيودا على سلطة المؤسسة الدينية الوهابية، وتسمح حتى بفتح دور السينما. وتعهد ولي العهد باستعادة «الإسلام المعتدل». ولا عجب أن المجتمع الدولي، على الرغم من بعض القلق المستمر حول جهوده لانتزاع السلطة وخيبة الأمل من حربه الكارثية في اليمن، يشيد عموما بهذا التشكيل الجديد للمجتمع السعودي. وقد وصف «توماس فريدمان» هذه الإصلاحات بـ«الربيع العربي السعودي».
عمل صعب
لكن إعادة تشكيل المجتمع عمل صعب، ونتائجه غير مؤكدة. وكان «أتاتورك» قد نجح في جهوده الرامية لإعادة تشكيل تركيا لتصبح مجتمعا يتماشى مع الغرب. وفي إيران، من ناحية أخرى، أدى فشل الشاه في عملية التحديث إلى رد فعل جذري توج بالثورة الإسلامية. والواقع يقول إن الثورة الاجتماعية من أعلى إلى أسفل لا تنجح في الغالب، فالأمر يتطلب استثمارا عميقا في الشعب الذي تتوقع تغييره، مثلما حدث في الإمارات العربية المتحدة المجاورة.
وعلى الرغم من وجود اختلافات مهمة بين السعودية والإمارات، إلا أنهما تشتركان في العديد من التحديات الاجتماعية والاقتصادية نفسها. وكلاهما ملكيات نفطية يعتمد الجزء الأكبر من ميزانياتها على ثروة الموارد. ولكل منهما مواطنون محافظون اجتماعيا، وعدد كبير من الشباب الذين يحتاجون إلى وظائف. ويواجه كلاهما عقودا اجتماعية صارمة للغاية في الخليج العربي، حيث يتوقع المواطنون فرص عمل حكومية في مقابل قبولهم للوضع الاستبدادي القائم. لكن الإمارات كانت قد قررت أنها تحتاج إلى أن تصبح مجتمعا أكثر عولمة قبل نفاد النفط. وفي عام 2010، أطلقوا خطتهم الجريئة والمذهلة المماثلة «رؤية 2021». وابتداء من عام 2009، قضيت 6 أعوام في دراسة هذا الجهد وتتبع تقدمه.
وكان الحكام الإماراتيون قد بدؤوا، كما في السعودية، بمبادرات رفيعة المستوى لتعزيز المعرفة والثقافة والابتكار. وعلى سبيل المثال، لتحفيز الاقتصاد الجديد، شرعت الإمارات في بناء مدينة «مصدر»، التي تهدف إلى أن تكون أول مدينة في العالم محايدة الكربون، تهدف إلى خلق نظام بيئي يعتمد على حلول الطاقة المتجددة، ويشمل ذلك البحث والابتكار والتعليم وتطوير المنتجات. ويعمل «بن سلمان» الآن على تطوير مدينة «نيوم»، مع الاعتماد على الروبوتات والأهداف الكبرى المماثلة. وعلى الصعيد الاجتماعي، عينت الإمارات وزير دولة للتسامح، في حين يملك السعوديون مركزا جديدا للاعتدال. وتتميز المدن الكبرى والمتاحف والجامعات ذات المستوى العالمي بجهود كبيرة لتحويل المجتمع. والجزيرة الرئيسية في الإمارات هي جزيرة السعديات، وهي من صنع الإنسان، وتضم متحف زايد الوطني الجديد، وحرم فرع جامعة نيويورك، وفروع متحفي اللوفر وجوجنهايم.
لكن المشكلة تكمن في أن الحداثيين الاستبداديين لا يستطيعون ببساطة إقناع مواطنيهم بالخطوات الجديدة. وقد يثير فتح دور السينما والاختلاط بين الجنسين إعجاب الشباب السعودي، لكن الاقتصاد الجديد يتطلب أكثر من ذلك بكثير. وقد أدرك الإصلاحيون في الإمارات في نهاية المطاف -كما سيكتشف الحكام السعوديون أيضا- أنهم بحاجة إلى تكييف المجتمع مع مجموعة من المهارات العقلية التي تناسب الجيل الصاعد. وفي البلدان التي يرى فيها الناس الوظيفة الحكومية كحق من الحقوق الأساسية، يعني ذلك إعادة تشكيل طبيعة المواطنة ذاتها.
وبعد وقت قصير من بدء الإصلاحات، وجد قادة دولة الإمارات أن عددا قليلا من المواطنين الإماراتيين كانوا يهتمون بالعمل في القطاع الخاص، وكان معظمهم لا يزالون يتوقعون فرص عمل في القطاع العام المتعلق بالنفط. لذلك تحولوا إلى إعادة تشكيل أعمق بكثير للمجتمع، لمواكبة المواطنين للعولمة، من خلال إصلاحات كبيرة في التعليم العام، بدءا من رياض الأطفال. وكان ذلك ما طالب به منتقدو نظم التعليم العربية منذ زمن طويل، حيث طالبوا بمناهج تركز على إتقان الطالب ن للمهارات والإبداع وحل المشكلات بدلا من التلقين والحفظ.
وقللت التعديلات من التركيز على الدين وضاعفت التركيز على مجالات العلم والتكنولوجيا والأعمال والمهارات المهنية، مثل تكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية. والأهم من ذلك، أنها عززت أيضا مواقف مثل العقلية المدنية والتسامح وتنظيم المشاريع. وكانت المناهج الجديدة، على سبيل المثال، تهدف إلى تعزيز العمل التطوعي، وخدمة المجتمع، مع دروس جذابة وأنشطة عملية. وأصبح التقويم المدرسي معبأ بفعاليات مثل مهرجان المفكرين والمعسكرات الصيفية ومنافسة رواد الأعمال الشباب، وهي مسابقة تجارية على مستوى البلاد تعقد في مول دبي.
الهندسة الاجتماعية
وللاطلاع على عمق تلك العملية وتأثيرها، قمت بدراسة أكثر من 2000 شاب إماراتي، مع مقارنة الأفواج الواردة والصادرة في المدارس الحكومية العادية -أي النظام القديم- مع الأفواج الواردة والصادرة في المدارس الحكومية التي نفذت البرنامج الجديد. كما قابلت مئات من النخب الحاكمة، ومصلحي التعليم، والآباء، والطلاب، ومدراء المدارس، والمعلمين، وركزت على تنوع المدارس.
وأسفرت أبحاثي عن عدة رؤى هامة. أولا، كانت تقنيات «الهندسة الاجتماعية» أفضل في تغيير المواقف المدنية من المواقف الاقتصادية. وانتهى الشباب في المدارس الجديدة إلى درجة أكبر من التسامح والمفاهيم المدنية من نظرائهم في المدارس القديمة. وفي استطلاعات الرأي، أظهروا تركيزا على التسامح بشكل أكبر مقارنة بالقيم الأخرى، وقالوا إنهم يعتزمون قضاء المزيد من الوقت في العمل التطوعي في مجتمعاتهم المحلية.
ولكن في حين كان الطلاب «مستعدين اجتماعيا» للعولمة في أعين القادة، لم يكونوا أكثر ميلا للتفكير فيما وراء الوظائف الحكومية للتنافس في القطاع الخاص. وفي الواقع، فقد أصبحوا أكثر دعما لحق المواطن في العمل الحكومي، وأقل اهتماما بريادة الأعمال. (وكانت هذه النتائج ذات دلالة إحصائية، حتى عندما تم أخذ الخصائص الديموغرافية وغيرها من الضوابط في الاعتبار).
وحتى إن كان «بن سلمان» يراهن على أن «الحرية الشخصية سوف تشجع المسؤولية المالية»، كما قال سابقا، فقد يحتاج إلى استراتيجية أخرى. فالتحرير الاجتماعي لا يعني بالضرورة زيادة الإنتاجية الاقتصادية.
وفي الإمارات، كانت الفكرة أن تعزيز القومية -المليئة بالثناء على الوطن- ستساعد على إقناع المواطنين الشباب لاتخاذ أدوار جديدة وأكثر نشاطا في مجتمع ما بعد النفط.
لكن جعلك تشعر بالرضا عن بلدك لا يمثل إشكالية بالضرورة. ولكن الثناء المفرط على البلاد قد يكون له عواقب غير مقصودة. ووجدت أنه على الرغم من أن ذلك لم يعرقل التحرر الاجتماعي المتزايد لدى الطلاب، إلا أنها جعلتهم يشعرون بإحساس شديد ومفرط أنهم أكثر استحقاقا للوظائف الحكومية المرموقة، وهو الأمر الذي كان القادة يحاولون التخلص منه. وفي المدارس التي شهدت الإصلاح، أشار الطلاب في كثير من الأحيان إلى ما اعتبروه حقا مكتسبا، قائلين إن اهتمام الحكام «يتركز في المدارس الخاصة وطلاب المدارس الخاصة». وبدلا من الاستعداد للعمل في القطاع الخاص، قالوا إنهم يتوقعون أن يكافؤوا بمناصب عامة رفيعة المستوى.
ويبدو أن الخطة السعودية تركز أيضا على استخدام القومية كأداة تحفيز. وتمتلئ «رؤية 2030» بالثناء على المملكة وشعبها، مؤكدة -على سبيل المثال- أنها سوف «تدهش العالم». ومن خلال تقليص قوة المؤسسة الوهابية، يتحول ولي العهد بالضرورة نحو المزيد من القومية العلمانية كأساس لشرعية النظام. ولكن إذا أراد للمواطنين الشباب قبول المخاطر والبحث عن وظائف في القطاع الخاص، فإنه سيعمل جيدا لتجنب تعزيز إحساسهم باستحقاق المناصب الحكومية المرموقة.
وأخيرا، قد يحتاج السعوديون والإماراتيون -العاملون على إعادة تشكيل مجتمعاتهم- إلى السماح بمشاركة سياسية أوسع، إذا أرادوا أن تنجح «الهندسة الاجتماعية» المؤيدة للعولمة على المدى الطويل. ومن المرجح أن يجد الحكام السعوديون ضرورة في إعادة التفاوض بشأن العقد الاجتماعي بطرق أكثر شفافية وشمولية، تتجاوز كثيرا ما يمكن أن تنجزه الحكومة وحدها.