رافيا زكريا - ذا بافلر -
أستطيع أن أتصور الآن، مشهد «توماس فريدمان»، ينزل من ليموزين أرسلت لاصطحابه ويصل إلى باب قصر الملك «سلمان» في الرياض، ويلعب دور «التلعثم المتعمد» بذكاء.أنا لست بحاجة إلى تخيل البقية فعمود «فريدمان» في صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي يشرح ذلك. وتظهر هدية «فريدمان» في استنتاج مقاله بأن الإصلاحات من أعلى إلى أسفل التي بدأها «محمد بن سلمان» لمكافحة الفساد ستبشر بعهد جديد للعالم الإسلامي.
يقول لنا «فريدمان» إن هدف هذه الحقبة الجديدة، هو «إعادة الإسلام السعودي إلى اتجاهه الأكثر انفتاحا وحديثا بعد أن تحول في عام 1979». وكما يصور لنا «فريدمان»، فقبل ذلك كانت السعودية أكثر حرية إلى حد ما، ولم تكن النساء منتقبات وكانت هناك حفلات موسيقية. في الواقع، كما يقول «فريدمان» بكل فخر، أن العودة إلى الإسلام السعودي «المنفتح والحديث» قد أنجزت بالفعل تقريبا. وقد أقام «توبي كيث» حفلا للرجال في الرياض وها هي الموسيقى الكلاسيكية تعود إلى المملكة. أضف إلى ذلك أن النساء السعوديات يستطعن القيادة. وهكذا لدينا، وفق ما يقوله «فريدمان»، عمليات تغيير زلزالي وربيعي.
ولكي نفهم لماذا تعتبر فكرة العودة إلى الإسلام «المنفتح والحديث» كذبة، يجب أن ننظر إلى ما وراء الأرضيات الرخامية المصقولة وإلى المعارضة الغائبة تماما، كما يجب أن ننظر تماما إلى واحدة من الولايات السعودية، وهي باكستان. منذ عام 1979، كانت باكستان الموقع الرئيسي للجهود السعودية للسيطرة الدينية. وكانت معظم المدارس الدينية تمول من قبل المانحين السعوديين، وتغرس في الملايين من الباكستانيين الأيديولوجية الوهابية التي تبناها «آل سعود». ويشمل ذلك التفسير الحرفي للقرآن الكريم، الذي يعلن أن جميع الشيعة والصوفيين هم من الهراطقة، وأن جميع الأقليات الدينية التي لا تستحق التسامح، وجميع الحروب ضد الكفار مبررة وأن النساء لا يستحققن المساواة.
وتشير التقديرات أن هناك 226 ألف مدرسة من هذا القبيل مسجلة حاليا في باكستان، بينما هناك 9000 مدرسة أخرى غير مسجلة ولكنها لا تزال تعمل. وقد ساهم الخريجون من هذه المدارس بدورهم في نشوء مجموعة كبيرة من الجماعات المتطرفة التي يهدد أعضاؤها بانتظام بقتل أي شخص، من الحكام الذين يعارضون القوانين الدينية والمدونين الذين يتبنون آراء علمانية.
في الأيام التي كان «فريدمان» يعد فيها مادته، في مدح الإسلام المعتدل والمنفتح في عهد الملك «سلمان»، كان هناك اعتصام جار في شوارع العاصمة الباكستانية إسلام أباد. هذا الاعتصام الذي كان صداعا لسكان المدن الذين كانوا بحاجة إلى عبور التقاطع، كان قد بدأ في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، وقد نظمه مؤيدو مجموعة تدعو إلى إلغاء قانون إصلاحات الانتخابات لعام 2017، الذي أقره البرلمان قبل بضعة أسابيع. وقد سعى هذا القانون إلى إدراج جميع التشريعات المتعلقة بالانتخابات في نظام أساسي واحد ويبدو أنه لا علاقة له بالدين على ما يبدو. غير أنه في محاولة للجمع بين نظامين منفصلين، تم تغيير اللغة التي سيوقعها المرشح الذي يتنافس على الانتخابات من «أقسم» إلى «أعلن». وتبعا لهذا فإن أعضاء وزعامة الجماعة يرون أن القانون بهذا صار مجحفا لأنه لم يعد مطلوبا من المرشحين للانتخابات أن يكونوا مسلمين.
وبهذا أجبرت حكومة باكستان على الإيضاح أن التغيير لم يكن مقصودا به أي نتيجة من هذا القبيل. ولكن التصريح لم يكن مفيدا فقد تجمع المعترضون وانضم آلاف آخرين إلى الاعتصام. وفي يوم السبت الموافق 25 نوفمبر/تشرين الثاني، قامت الحكومة، استجابة لأمر صادر عن محكمة إسلام آباد العليا بإبعاد المتظاهرين، ولكن حتى مع الآلاف من قوات النخبة فشلت فشلا ذريعا. وزادت أعداد المتظاهرين وتضاعف عدد أفراد الشرطة. ودعا زعيم الجماعة، ويدعى «خادم حسين رضوى»، مؤيديه إلى الاحتجاج فى جميع أنحاء البلاد. وقد فعلوا، وأصبحت جميع المدن الرئيسية في باكستان، من كراتشي إلى لاهور إلى بيشاور، مشلولة.
وبحلول يوم الاثنين، لبت الحكومة،. جميع مطالب المتظاهرين حيث استقال وزير القانون وتم الإفراج عن جميع المتظاهرين المعتقلين، والوعد بمقاضاة جميع المدانين المزعومين. وكان من المهم جدا وجود دور للجيش الباكستاني في ضمان الاتفاق.
وفى نفس يوم الأحد، أشاد «محمد بن سلمان» بالجيش الباكستانى. وفي 26 نوفمبر/تشرين الثاني، وبعد يومين من نشر «فريدمان» لمقاله، افتتح ولي العهد أول اجتماع للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب. وقال قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال «رحيل شريف»، في تصريحاته، إن «مكافحة عدو مجهول مع أيديولوجية متطرفة معقدة وصعبة تتطلب التعاون».
ويعتبر الجيش الباكستاني الآن أيضا جيش الملك «سلمان»، فجنرالات الجيش، وباكستان، لا يمكن أبدا أن تشكل تهديدا لبيت سعود. إن المتشددين الذين أنتجتهم المدارس التي يمولها السعوديون على مدى العقود الخمسة الماضية في المدن السعودية يملؤون صفوف هذا الجيش، مثل الجنود الباكستانيين الذين تم نشرهم بالفعل على الحدود السعودية مع اليمن، وسوف توفر المعونات التي تقدمها السعودية دافعا للخطط السعودية لقهر جميع المعارضين في طريقها إلى مزيد من الهيمنة على العالم الإسلامي.
من أجل الاقتناع بأن العودة الوهمية للإسلام «المنفتح والمعتدل» يمكن إحياؤها لا بد من الاعتقاد بأن جميع الآلاف الذين قتلوا على أيدي المتطرفين السعوديين في المواكب الشيعية، في المساجد الصوفية، في الكنائس المسيحية، في المدارس، وفي الحفلات يمكن فجأة أن يعادوا إلى الحياة. قد يكون «توماس فريدمان» فرحا باستئناف الحفلات الموسيقية في المملكة العربية السعودية، ولكن الجماعات المتشددة الوهابية في باكستان جعلت ذلك مستحيلا.
في بعض الأحيان، لفهم حقيقة حاكم، يجب علينا أن ننظر وراء جدران القصر، وراء مراكز التسوق في المملكة العربية السعودية، وفي عالم أولئك الذين تم غزوهم من قبل جنود الملك.