جنيفر هوليس وكيرستن كنيب- DW- عربية-
تمضي السعودية قدما في تنفيذ مشروع مدينة نيوم الرائدة الضخمة والصديقة للبيئة، رغم الانتقادات الدولية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان خاصة عمليات الإخلاء القسري لإفساح المجال أمام تنفيذ المشروع.
وقد صدر مؤخرا تقرير عن مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان جاء فيه أنه جرى تهجير أفراد من قبيلة الحويطات الذين يقطنون المنطقة المخصصة لتنفيذ مشروع مدينة نيوم، وتم هدم منازلهم دون دفع تعويضات مناسبة.
وأفاد التقرير بمقتل أحد أفراد القبيلة فيما صدرت أحكام بالإعدام ضد ثلاثة وأحكام بالسجن لمدة خمسين عاماضد ثلاثة آخرين على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب. وقال الخبراء في بيان "تم اتهامهم بالإرهاب، لكنهم في الواقع أوقفوا لمقاومتهم عمليات الإخلاء القسري لفسح المجال أمام مشروع نيوم وبناء مدينة بطول 170 كيلومترا تسمى "ذا لاين".
وجاء ذلك رغم تعهد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن الأشخاص المتضررين جراء تنفيذ عمليات إنشاء مدينة نيوم سوف يتم تضمينهم في عمليات التخطيط والتنفيذ.
ويعد مشروع مدينة نيوم، الذي تصل تكلفته لقرابة 500 مليار دولار، تجسيدا لخطة محمد بن سلمان الطموحة "رؤية 2030" الرامية إلى إجراء إصلاحات اقتصادية واجتماعية كبيرة في المملكة بدأت منذ عام 2017 بما يشمل السماح للسعوديات بقيادة السيارة وفتح البلاد أمام السياحة وتعزيز تنويع مصادر الدخل الوطني بعيدا عن النفط.
وتغطي المدينة المرتقبة مساحة إجمالية تزيد عن 26500 كيلومتر مربع قرب البحر الأحمر، فيما يتوقع افتتاح المدينة عام 2030. وتتضمن خطط بناء المدينة أحدث التقنيات مع التركيز على الذكاء الاصطناعي وإنشاء مطار وشبكة قطارات عالية السرعة وطائرات بدون طيار تعمل فقط بالطاقة المتجددة لتكون منصة جاذبة للاستثمار الدولي.
لأولوية للاستثمار وليس لحقوق الإنسان
بدوره، قال سيباستيان زونس، الخبير في قضايا الشرق الأوسط في مركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق ومقره ألمانيا ويعرف اختصار بـ "كاربو"، إن أعمال البناء "لتنفيذ مدينة نيوم بدأت بالفعل رغم أن المشروع ما زال في بدايته إلى حد كبير".
وأضاف في مقابلة مع DW أن "هناك العديد من المستشارين الدوليين يشاركون في تنفيذ المشروع وهناك أيضا عملية تدشين للعديد من رحلات الطيران المباشرة من نيوم إلى لندن أو نيويورك، لذا فإن الطموحات واضحة وتتمثل في أن السعودية تريد فعلا جعل نيوم حقيقة ملموسة".
ويرى الباحث في قضايا الشرق الأوسط أن مشروع نيوم يأتي كركيزة لخطة محمد بن سلمان لنقل البلاد إلى مرحلة حداثة جديدة، مضيفا أن "هناك ضغوطا هائلة لتنفيذ المشروع، لكن إذا فشل ذلك، فإنه من المرجح أن تتضرر سمعة محمد بن سلمان بين قطاعات كبيرة من السكان، فضلا عن أن الفشل سيضر بسمعة السعودية أيضا كموقع استثماري دولي."
من جابنها، قالت جيد بسيوني، رئيسة قسم الدفاع عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة ريبريف لحقوق الإنسان، لـ DW إن الدعاية المصاحبة لإنشاء مدينة نيوم لا تظهر أن مدينة نيوم "يتم بناؤها على خلفية عمليات إخلاء قسري وعنف حكومي وأحكام الإعدام". وأضافت أن مدينة نيوم تجسد "الهوة بين رؤية محمد بن سلمان المعلنة للسعودية والواقع القمعي لحكمه".
محاكمات خلف أبواب مغلقة!
وتتفق في هذا الرأي هذا الرأي لينا الهذلول، شقيقة الناشطة المعروفة لجين الهذلول، والتي تعمل الآن مديرة للاتصالات والمراقبة في منظمة قسط لحقوق الإنسان.
وأضافت في مقابلة مع DW "مبعث قلقنا الأساسي هو أن نيوم يتم بناؤها على الدم السعودي". وأوضحت أن محاكمات أبناء قبيلة الحويطات تمت "خلف أبواب مغلقة. ومن أجل المضي قدما في المشروع، فإن القضاء على أهبة الاستعداد حتى لإعدام الناس".
الجدير بالذكر أن نيوم ليست المشروع الوحيد في السعودية الذي يتم بسببه تهجير سعوديين قسرا لإفساح المجال أمام تنفيذه، إذ خلال الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول من عام 2022، هدمت السلطات العديد من المنازل لتنفيذ مشروع مدينة جدة الساحلية. وقالت منظمة العفو الدولية إن آلاف الأشخاص أصبحوا في حينه ضحايا عمليات إخلاء قسري غير قانونية بما في ذلك رعايا أجانب.
وأضافت جيد بسيوني "لقد رأينا بشكل متكرر أن اختلاف أي شخص مع ولي العهد أو معارضة مشاريعه، أمر يحمل في طياته مخاطرة بأن مصيره قد يكون الإعدام سواء أكان متظاهرا سلميا أو شخصا ينتقد ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي".
الشركات الألمانية مسؤولة أيضا؟
وفي سياق متصل، قال سيباستيان زونس إن هناك فرصة على المستوى الدولي للضغط على السعودية فيما يتعلق بسجلها الحقوقي، مضيفا أنه في الماضي أدت الضغوط الدولية المتزايدة إلى تعليق تنفيذ أحكام بالإعدام وإلى إطلاق سراح نشطاء حقوق الإنسان مثل لجين الهذلول. وأضاف أن "هذا يعني: كلما زاد الضغط على الحكومة السعودية، كلما زاد احتمال رغبتها في إيجاد حل تصالحي يحفظ ماء وجهها."
يشار إلى وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تطرقت إلى قضايا حقوق الإنسان خلال جولتها الأخيرة في منطقة الخليج، حيث شددت خلال مباحثات مع نظيرها السعودي الأمير فيصل بن فرحان على أن التعاون الاقتصادي "لا يمكن النظر إليه بمعزل عن سيادة القانون وحقوق الإنسان والحريات".
وفي ذلك، يقول زونس إن من مصلحة ألمانيا إثارة قضية "التوافق الاجتماعي لمشروع نيوم، لأن الشركات الألمانية مشاركة في المشروع أيضا، وإن مسؤولية انتهاكات حقوق الإنسان المحتملة يمكن ألا تقع على عاتق المملكة وحدها وإنما على الشركات الألمانية أيضا".