من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
في الحلقة الحادية عشرة، تكشف المراسلات بين الخارجية وسفاراتها وأجهزة الاستخبارات كيف جندت السعودية أدواتها من أجل احتواء الربيع العربي وثورات الشعوب والسعي لإجهاضها، خاصة ثورة مصر.
شراء الذمم
اتبعت السعودية في سبيل احتواء الثورات العربية عدة طرق، منها: استكتاب المفكرين المحللين من الأنظمة الساقطة.
شكلت الثورة المصرية مفاجأة للسعودية حاولت استيعابها، ولم يكن الاستقبال المبكر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز للرئيس المنتخب محمد مرسي يعني ترحيبا ومساندة سعودية خالصة لمصر الثورة.
وهذا ما تكشف عنه المراسلات، حيث سعت السفارة السعودية لاستكتاب الدكتور مصطفى الفقي كأحد أركان النظام المصري الذي ثار عليه الشعب في 25 يناير وتكشف مراسلات الفقي والسفير السعودي أحمد القطان عمق العلاقة بين النظامين، وأنها لم تكن لتنتهي بصعود الإخوان إلى السلطة، ويتضح من خلال المراسلات أنه قد جرى توظيف الفقي في مهمة كتابة التقارير الخاصة للسفارة السعودية، وقطعا أنها لم تكن بالمجان. فمصطفى الفقي كان يحلل الأوضاع وينقل كل ما يحدث في مصر إبان تولي الإخوان للسلطة للسفير السعودي، مقابل أجر مادي، وكان ينهي كل تقرير بكلمة الشكر والعرفان للسفير السعودي.
وتواصلت المراسلات بين الجانبين من خلال التقارير التي دونها الفقي، محللا فيها الأوضاع الداخلية المصرية إبان الثورة المصرية، حيث كان ينتقد حكومة الإخوان ويعتبرها حكومة عديمة الخبرة، محملا تنظيم الإخوان كل المصائب التي حلت بمصر بعد الثورة، متجاهلا تحركات الثورة المضادة ورجال مبارك، والذي كان هو نفسه منهم. وكانت مقالات الفقي خاصة وسرية للسفير السعودي الذي نقلها للخارجية السعودية، والتي نقلتها للديوان الملكي، لأنها لم تجد طريقها للنشر في أي صحيفة، حسبما تأكد من ذلك مؤلف كتاب البرقيات سعود السبعاني.
تماهي في المواقف
كتب الفقي للخارجية السعودية تقارير حول مستقبل نظم الحكم في دول الربيع العربي، مستعرضا النموذج الإيراني والنموذج التركي والنموذج الهندي، كما كتب تقارير للسفارة السعودية حول زيارة الشيخ محمد العريفي الداعية السعودي إلى مصر وزيارة الشيخ القرضاوي لمصر، حيث سعى الفقي لتحريض السعودية ضد القرضاوي والادعاء بأنه "مبعوث النظام القطري إلى مصر" وتكشف هذه العبارة حالة التماهي في المواقف السعودية مع الدولة العميقة ضد قطر مبكرا، وأنه كانت هناك حالة من السخرية والترصد جعلت الفقي يتحدث بهذه اللغة وأن الرياض حرصت على رصد كل مكامن القوة في الثورة المصرية.
كما أن الفقي لم يكن يكتفي بالتحليلات للسفارة السعودية، بل كان يكتب تقارير عما ينشر في الصحف المصرية عن السعودية، كما رصد توقعات المصريين للانتخابات البرلمانية ومواقف القوى السياسية منها، محذرا من أن هذه الانتخابات ستحسم طبيعة النظام السياسي في السنوات القادمة، فإما أن يكون إسلاميا خالصا أو مختلطا يجمع كافة التيارات السياسية لمصر بعد الثورة.
وتعكس التقارير اهتمام القصر الملكي بتتبع الأحداث في مصر في تلك الفترة وحتى الانقلاب الذي حظي بترحيب سعودي مبكر، حيث حرص الفقي على نقل تقارير حول استعدادات الجيش المصري وأن هناك تدريبات جادة للجيش يستعيد بها صورته الحقيقية في الحياة السياسية. كما رصدت تقارير الفقي علاقة الإخوان والسلفيين والأزمة الصامتة بين الجانبين، خاصة بعد زيارة الرئيس مرسي لإيران، والتي كانت محل انتقاد من جانب السعودية وعارضها التيار السلفي الداعم للانقلاب على الإخوان، كما لم يفت الفقي أن يرصد محاكمات مبارك وما تلاها من إرهاصات وأزمات ويبرق بها إلى السفارة السعودية التي بدورها نقلت تقاريره إلى الديوان الملكي.
السفارة السعودية رصدت كافة ما يكتب عن المملكة سلباً أو إيجابا واقترحت ضرورة استقطاب أقلام مصرية مؤثرة وجهت انتقادات إلى السعودية، منها مقالات للكاتب الساخر أحمد رجب وتوسط وزير الآثار المصري السابق زاهي حواس لدى وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل ليصحح موقفا من الكاتب أحمد رجب، مدعيا أنه عندما كان يتحدث عن تقصير دول الخليج في دعم مصر، كان يقصد قطر وليس السعودية واتصل أحمد رجب بالسفير السعودي وأقسم له أنه لا يقصد السعودية، فكان أن نال الرضا ونفس النهج جرى اتباعه مع عادل حمودة ومصطفى بكري الذين جرى تسييسهم.
وفق نهج المملكة من مصر إلى لبنان.. شراء الولاءات مستمر
واتبعت السعودية ذات السياسية في شراء الولاءات على مستوى موسع مع اللبنانيين، سواء السياسيين أو الإعلاميين، ولم يقتصر على المال، بل تم أيضا بتأشيرات الحج والعمرة على نفقة المملكة.
ومن بين القنوات التي حظيت باهتمام قناة mtv، حيث تقدمت بطلب لتلقي الدعم من السعودية بملبلغ 20 مليون دولار وتمت الموافقة على منحها 5 ملايين دولار سنويا، شرط أن تخدم سياسة المملكة وتخدم قضاياها في مواجهة الإعلام المعادي.
كما ترصد البرقيات أشخاصاً من مختلف الجنسيات والعديد من الإعلاميين العرب والأجانب تقدموا بطلبات للسفارات السعودية في الخارج لغرض زيارة السعودية بحجة إعداد أفلام وثائقية عن المملكة أو إجراء مقابلات مع أمراء أو تأليف كتب عن سيرة الأسرة المالكة.
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا