من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
في الحلقة الثانية عشرة تكشف البرقيات المسربة أمورا عدة منها: كيف جعلت السعودية من البحرين جزيرة الريتويت التي تدور في فلكها رغبة ورهبة، وتحول الجسر الواصل بين البلدين إلى حبل سري تراكمت فوقه أعباء لم يستطع شعب البحرين تحملها من هول التجاوزات التي ارتكبها السعوديون، لكنهم جعلوا من الطائفية جسرا لتمرير الهيمنة والتحكم في قرار البحرين الوطني، وهو الأمر الذي لم يرق للعديد من الضباط والمسؤولين البحرينيين فتم البطش بهم بلا هوادة وتحولت البحرين إلى جزيرة للقمع.
وتتحدث البرقيات المسربة عن رصد الاستخبارات السعودية لتحركات البحرينيين الذين تم تصنيفهم وفق فرز طائفي، بل إن الموظف السني الذي يتعاطف مع المعارضة يعتبر مقصرا لا يدرك خطورة ما يقوم به، حيث تم تصنيف الدكتور خالد العوهلي الذي شغل منصب رئيس جامعة الخليج العربي في البحرين على أنه متعاطف مع المعارضة البحرينية كما جاء في التقرير الاستخباراتي.
لا إدانة لقطر
إلا أن الوثيقة المهمة في البرقيات السعودية المسربة غير موجودة ونعني بذلك (عدم وجود أي وثيقة فيها أي إشارة إلى قطر) خلافا لما يروج له حاليا من أن قطر متورطة في دعم المعارضة البحرينية، إذ لو كانت هناك مجرد شبهة ولو محتملة عن أي تدخل قطري لما تركتها الاستخبارات السعودية.
لكن كافة تقارير الاستخبارات السعودية على دقة رصدها للانشطة التي واكبت الحراك الشعبي في البحرين لم تأت على ذكر أي تدخل قطري، وخلت الوثائق المسربة عن الأزمة من وجود أي برقية أو وثيقة فيها إشارة عن قطر.
وتحدثت البرقيات عن لقاءات الملك مع ضباط أجهزة الأمن وزيارة المسؤولين لمناطق التوترات وتعيين أحد الوزراء من أبناء الطائفة الشيعية وزيرا للصحة بالاشارة إلى الحالة الاجتماعية للوزير المعني بأنه موال للحكومة ومتزوج من امرأة سنية، وهي أمور ركزت عليها الاستخبارات السعودية.
تذمر الضباط
كما استرعى انتباه الاستخبارات قيام الحكومة بتخفيض سرعة الانترنت لإعاقة عملية سرعة انتقال المعلومة، كما تحدثت البرقيات عن قلة عدد الضباط لمواجهة الأوضاع الأمنية، وعن حالة التذمر لدى أجهزة الأمن و "شعور الكثير من الضباط بالاحباط من موقف الحكومة منهم حيث لم تتلمس احتياجاتهم على مدى شهور ولم تتذكرهم إلا مع أزمة فبراير".
كما تحدثت البرقيات عن وجود شعور لدى منسوبي أجهزة الأمن بأنهم مجرد أداة بيد الحكومة وبأنهم محرومون من أبسط حقوقهم المتمثلة في العلاج نتيجة إصاباتهم خلال المواجهات اليومية.. وقالت البرقيات إن تعامل وزارة الداخلية البحرينية مع المصابين بالحروق نتيجة استخدامات زجاجات المولوتوف سلبيا بعدم إرسالهم للعلاج في الخارج لعدم وجود وحدة متخصصة بالحروق في المستشفى العسكري، وكان أكثر ما أثار غضب الشارع هو قيام حملة شعبية لجمع تبرعات لصالح بعض المصابين للعلاج في الخارج، كما أن قرار وزير الداخلية بارسال بعض المصابين للعلاج في الأردن جاء بعد مطالبات مما كرس شعورا لدى هؤلاء برخص حياتهم وسهولة التخلي عنهم وهو ما أضعف الروح المعنوية لديهم.
ورصدت البرقيات عدم تقديم المكافآت للأفراد وصغار الضباط الذين يعيشون حياة مادية سيئة، فضلا عن أن حالة التذمر تتجاوز صغار الضباط لتصل إلى من هم أعلى منهم من غير المحسوبين على العائلات المقربة ممن تثقلهم الديون والقروض وممن لا يتم تقدير جهودهم الكبيرة، بالاضافة الى تكريس مسألة سهولة التخلص منهم كقربان لتحصيل أي مكاسب سياسية.
انزعجت الاستخبارات السعودية من عدم فعالية تخفيض سرعة الانترنت وأنها خطوة لا تشكل أي عامل ضغط على النشطاء في صفوف المعارضة الذين يستخدمون أنظمة اتصال متقدمة بالأقمار الصناعية عبر هواتف منحت لهم من قبل منظمات يتبعونها، كما رصدت الاستخبارات تنسيق جهات من المعارضة مع هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي عن طريق شخص موجود في لندن يدعى خليل المرزوق، كما نسقت المعارضة مع اعلامية في واشنطن تدعى لميس ضيف لنقل الاحتجاجات، ولم يأت التقرير على ذكر قناة الجزيرة التي تبنت نهجا محافظا على الوحدة الوطنية للبحرين إبان الاحتجاجات.
الاستخبارات السعودية تحدثت في البرقيات المسربة عن ضعف الاستعداد الاعلامي لمواجهة المعارضة المنظمة، وأن هناك تخبطا وافتقارا إلى وضوح الرؤية والتنسيق بين أجهزة الاعلام الحكومية مقارنة بالعمل الضخم الذي تقوم به المعارضة. واتهمت الانشطة التي تقوم بها جمعيات موالية للحكومة بالتشرذم وغياب وحدة الكلمة.
وتكشف البرقيات كيف سعت السعودية إلى استغلال الأزمة البحرينية لطرح مشروع الاتحاد الخليجي لإطلاق يد السعودية في منطقة الخليج وفرض هيمنتها على دول مجلس التعاون بشكل لا يوفره ميثاق مجلس التعاون الخليجي وهي الفكرة التي وجدت ترحيبا مطلقا من قبل البحرين على كافة المستويات باستثناء المعارضة التي رفضتها. ونقلت الاستخبارات السعودية تحليلات تؤكد أن فكرة الاتحاد الخليجي التي طرحتها الرياض ستواجه باستراتيجية إيرانية معارضة وتثير مخاوف الشارع الخليجي من المبادرة السعودية وأن طرح فكرة الاتحاد سيعكر صفو الاستقرار الاقليمي.
حرية التعبير
وتبدي البرقيات اهتماما سعوديا بكافة التظاهرات التي انطلقت في لندن على وجه التحديد ضد القمع في البحرين خاصة المظاهرات التي شملت السعودية والبحرين والمطالبة بالخروج من البحرين.
كما اهتمت بتداعايات قرار البرلمان الأوروبي عن أوضاع حقوق الانسان في البحرين بعد زيارة قام بها وفد من البرلمان الى البحرين في ديسمبر 2012 واعتبرت أن قرار البرلمان الأوروبي غير متوازن بعدما رصد انتهاكات عديدة، ودعا السلطات البحرينية الى رفع القيود عن دخول الصحفيين الأجانب ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والسماح لآلية مستقلة لرصد تطور الحالة على أرض الواقع.
فضائية مضادة
التصدي لحرية التعبير في البحرين كان شغلا شاغلا للخارجية السعودية حيث اقترحت في احدى البرقيات انشاء قناة فضائية مضادة تبث باللغة الفارسية وتكون لها ترجمة انجليزية وتبث من البحرين وتسمى قناة " هنديجان" الفضائية
وبررت الخارجية السعودية ذلك بضرورة التصدي لما اعتبرته السياسات الاعلامية العدائية والأخبار المغلوطة تجاه البحرين والسعودية. وطلبت من وزارة الثقافة والإعلام السعودية تحمل تكاليف انشاء القناة ومصاريف تشغيلها لمدة عامين وأيدت الخارجية بقوة اطلاق القناة.
تدخل في القضاء
وتكشف البرقيات التدخل السعودي الصارخ في القضاء البحريني لاعادة المحاكمة في قضية تخص رجل أعمال سعودي يمتلك فندقين في البحرين، حيث خاطب القصر الملكي ملك البحرين عن قضية مواطن سعودي استثمر في البحرين بشراء فندقين (كاليفورنيا وميامي) وانه قد حدث خلاف بينه وبين بحريني حول ملكية الفندقين وتم وضع المواطن السعودي على قائمة المطلوبين جنائيا وقال القصر الملكي ان الاحكام التي صدرت في القضية تأثرت بالحيل والتضليل آملا اصدار أمر ملكي بإعادة المحاكمة ورفع الحظر المفروض على المواطن السعودي وإلغاء طلب الاسترداد ليتمكن المواطن السعودي من دخول البحرين للدفاع عن حقوقه.
ورصدت وزارة الثقافة والاعلام السعودية قيام عدد من وسائل الاعلام ومراكز البحروث الاجنبية باتخاذ البحرين مكانا لمهاجمة السعودية وقيادتها وسياستها نحو الاحداث في المنطقة ومن ذلك ما رصدته عن مراسل وكالة "رويترز" اندرو هاموند من كتابات ضد السعودية وأنه يتخذ من البحرين مقرا لهجومه ضد السعودية، واقترحت وزارة الثقافة والاعلام انشاء مجلس اعلامي مشترك لتنسيق السياسات الاعلامية مع البحرين لمواجهة الحملة الاعلامية لوسائل الاعلام الأجنبية.
ورصدت البرقيات الصحف البحرينية والإذاعات والقنوات والمجلات البحرينية وأبرز الكتاب وتم تصنيف الموالاة والمعارضة ومن مع السعودية ومن ضدها، وهكذا حولت السعودية البحرين إلى منصة متقدمة للمواجهة الإقليمية.
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا