من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
في الحلقة الثالثة عشرة تكشف البرقيات الخاصة عن اللبنانيين في الوثائق السعودية أن الرياض لا تمتلك خطة واضحة لمواجهة المتغيرات اللبنانية الداخلية ، وباستعراض البرقيات يتبين أن الرياض لا تملك الأدوات التي تمكنها من استعادة دورها الإقليمي بسبب سياساتها الضبابية .
وجاءت أزمة الحريري الأخيرة لتكشف معاناة السعودية في سياساتها المتخبطة ، والأخطاء التي ترتكبها في سبيل الحفاظ على نفوذها في لبنان في مواجهة النفوذ الإيراني. ففي حين سعت الرياض إلى كسب الولاءات الشخصية في لبنان عن طريق المال وتأشيرات الحج والعمرة والقنوات الفضائية ، لجأ الطرف الآخر إلى التسهيلات الأمنية والتجارية والارتكان إلى ملف المقاومة حيث حظيت البرقيات الخاصة بحزب الله وتحركاته باهتمام الخارجية والاستخبارات السعودية.
لا رؤية ولا إستراتيجية
وتكشف البرقيات أن العلاقات بين السعودية ولبنان ليست إستراتيجية تحكمها رؤى بعيدة المدى ولكنها في مجملها علاقات تقوم على رد الفعل والتحرك خطوة في مقابل تحرك الأطراف الأخرى ولا تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف حيث تركز على فريق الحريري وهو ماجعل هذه العلاقات تتعرض لانتكاسة غير مفاجئة لمن يتابع الشأن اللبناني.
تدخل السفير السعودي في عديد من البرقيات لطلب توجيه دعوات إلى شخصيات لزيارة السعودية على رأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري وميشيل عون عندما كان رئيسا للتيار الوطني الحر وضرورة غض الطرف عن المواقف السلبية لحركة أمل تجاه السعودية التي تصنف الحركة كحركة ذات تبعية مطلقة لسوريا وإيران.
وفي إحدى البرقيات تطلب الخارجية من السفارة نقل الاحتجاج إلى رئيس مجلس النواب نبية بري بسبب رعاية ومخاطبة معرض فوتوغرافي نظمته المعارضة البحرينية في لبنان وبرر بري ذلك بأن الحكومة البحرينية تهاجمه بشكل متواصل وانه أبدى حرصا على التضامن العربي ونبذ الفتنة بين السنة والشيعة التي قال إن البعض يحاول بثها في لبنان وان الإعلام السعودي يهاجمه.
من ليس معنا فهو مع إيران
عند السعوديين من ليس معنا في لبنان فهو مع سوريا وإيران بينما سعت شخصيات إلى إثبات غير ذلك لكن التهمة تطوله على الفور ومن هؤلاء المفتي محمد رشيد قباني الذي ورد اسمه في برقيات تشير إلى الحرص في التعامل معه وانه يعمل ضد مصالح السنة في لبنان ويخضع للنفوذ السوري والإيراني وحلفائهما في لبنان.
استقطاب
حاولت السعودية استقطاب مسيحيين من خارج التيار الوطني الحر الذي يتزعمه العماد ميشيل عون ومن ذلك ماترصده إحدى البرقيات الموجهة من وزير الخارجية سعود الفيصل إلى القصر الملكي وتوصي باستمالة شخصيات سياسية مسيحية لبنانية منهم النائب ايلي سكاف أحد الزعامات المسيحية في زحلة حيث لاحظت السفارة السعودية استدعاء الحكومة السورية له فتحركت السعودية كرد فعل لاستمالته ودعوته إلى زيارة الرياض لاستقطاب الفريق المسيحي المؤيد له في زحلة بعيدا عن الجنرال عون.
وكانت لدى الرياض حساسية مفرطة تجاه أي تقارب بين رئاسة الحكومة وحزب الله وهذا ماترصده البرقيات المتعلقة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي حيث لاحظت السفارة وجود توافق بينه وبين حزب الله فيما يتعلق بالتعامل مع ملف شمال لبنان إبان أحداث طرابلس.
ارتزاق
وتوصي إحدى البرقيات بدعم الصحف ووسائل الإعلام الموالية للمملكة مثل صحيفة النهار والمستقبل والجمهورية والطلب منها رفع لهجتها ضد من يسيئون للمملكة كُتَّابا كانوا أو وسائل إعلام وأن من المناسب افتتاح الدعم بشد أزر كل من يكتب ضد إيران وسوريا ويدافع عن مواقف المملكة وهو ما يعتبره المؤلف نوعا من الارتزاق المألوف غير المستهجن في لبنان . كما طلبت إحدى البرقيات توفير 5 ملايين دولار لدعم قناة mtv باعتبارها من المؤيدين للسعودية وتخدم قضايا المملكة.
كما ترصد البرقيات طلبات عديدة من جمعيات ومراكز للحصول على الدعم المالي من السعودية حيث كانت المبررات التي تساق لطلب الدعم تتعلق بخدمة قضايا المملكة أو دعم المؤسسات السنية والتواجد السني في لبنان وكانت كفيلة بالحصول على الدعم السعودي .
كما وجدت التيارات المسيحية طريقها للحصول على الدعم السعودي ملوحة بالاصطفاف إلى جانب المملكة وضد حزب الهت وإيران والنظام السوري . ومن ذلك ماترصده برقية تتعلق بطلب حزب القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع المساعدة المادية لمواجهة "الوضع المالي المتدهور" في الحزب حيث باتوا عاجزين عن تأمين رواتب العاملين في الحزب والعجز عن تأمين حماية رئيس الحزب سمير جعجع لاسيما في ظروف المواجهة مع بعض الزعامات المسيحية "كالجنرال عون والبطريرك الماروني والمتعاطفين مع النظام السوري " .
ووصفت البرقية القوات اللبنانية بقيادة جعجع بأنها القوة الحقيقية التي يعول عليها لردع حزب الهق ومن ورائه في لبنان مع كم من الإطراء ساقته البرقية في جعجع بالتنويه بمواقفه الموالية للمملكة والمدافعة عن توجهاتها وانه الأقرب إلى المملكة بين الزعامات المسيحية وهو يبدي اهتماما بالقيام بما تطلبه منه السعودية.
إشعال سوريا
وترصد برقيات عديدة كيف سعت الرياض لإشعال الحرب في سوريا انطلاقا من الأراضي اللبنانية ومن الموالين لها في لبنان من ذلك برقية تفيد بعرض قدمه رئيس حزب السلام اللبناني أحد أصدقاء السعودية حيث يعرض التواصل مع أحد قيادات الثورة السورية الذي عرفته البرقية بأنه سلفي ولديه الكثير من المقاتلين في مناطق كثيرة من سورية ولديه قبول لدى الأوساط المسيحية السورية ويقيم في مصر.
وفي الحلقة التالية ستطرق البرقيات إلى المراسلات الخاصة بالثورة السورية وكيف سعت الرياض إلى التدخل في الأزمة السورية بشكل سلبي ولم يكن هدفها دعم خيارات الشعب السوري.
مساءلة السنيورة
برقية غريبة تتعلق برئيس الوزراء اللبناني الاسبق فؤاد السنيورة ، حيث لم يرق للرياض تصريحات ادلى بها نوري المالكي رئيس وزراء العراق السابق خلال لقائه مع السنيورة عام 2008 ، حيث استبعد المالكي سقوط النظام السوري وانه لايجد اي مبررات لسقوطه وكانت تلك التصريحات بحضرة السنيورة ، فحاول ان يبرر للسفير السعودي في لبنان انه لم يسكت على تصريحات المالكي وان المالكي نقل اليه رسالة تتضمن صيغة اعتذارية عن تصريحاته بحق سوريا ، وانه لم يكن يعني حقيقة ماقاله ووعد السنيورة سفير السعودية علي عسيري بالتواصل مع نوري المالكي لحمله على اعادة النظر في مواقفه . وهو مالم يحدث بالطبع !
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا