من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
تكشف الحلقة الرابعة عشرة من البرقيات المسربة للخارجية والاستخبارات السعودية سر استسلام السعودية للقرار الروسي ببقاء الأسد رغم الدماء التي قدمها الشعب السوري والخراب الذي ألحقه الأسد بالجمهورية العربية السورية الشقيقة.
وتؤكد البرقيات أن السعودية لم تتدخل في الشأن السوري إلا بحثاً عن موطئ قدم وليس إنصافاً للشعب، وتعاملت السعودية مع البرقيات التي تحمل طلبات اللجوء لبعض السوريين الذين فروا من الحرب وقدموها للسفارة السعودية في الأردن على وجه الخصوص بالرفض والتجاهل. بل حتى موافقات الزواج المشروطة التي كانت تمنحها وزارة الداخلية السعودية لبعض المواطنين للزواج من الخارج، تم استثناء السوريات من موافقة الزواج بالسعوديين.
وتؤكد البرقيات أن النظام السعودي تعامل مع طلبات اللجوء لبعض السوريين الفارين من الحرب بانتهازية ومزاجية خبيثة، فمن يرى فيه مصلحة ويجد أن لديه معلومات استخباراتية مهمة أو مكانة حساسة داخل النظام السوري يتم قبوله لغرض الاستفادة من تلك المعلومات الاستخباراتية، أما السوريون البسطاء فيتم رفض طلباتهم دون شفقة أو رحمة أو اهتمام بظروفهم. كما عللت السعودية رفض طلبات اللجوء لناشطين سياسيين، بأن بقاءهم في المملكة سيكون له تبعات سياسية في المستقبل.
بل رفضت السعودية السماح بتنظيم حملات لجمع مساعدات للسوريين أو إقامة حفلات خيرية لجمع مساعدات إنسانية للسوريين؛ بحجة أن ذلك سيفتح الباب أمام جنسيات أخرى بطلبات مماثلة، وقد يكون هناك تذمر من حكومات بلادهم.
نظام بديل
وتكشف الوثائق هدف السعودية في سوريا، فهي كانت تسعى لإيجاد نظام بديل للأسد يصب في مصلحته وينسجم مع توجهاته. ولم تفكر في مصلحة الشعب السوري الذي يناضل من أجل التخلص من الديكتاتور الدموي.
وسعت السعودية من خلال استضافتها للمعارضة ومن خلال عقد مؤتمرات الرياض إلى تحويل قادة المعارضة إلى أزلام سرعان ما اكتشفوا خديعتها، فتحولت إلى معارضة فنادق وبدأ النظام السعودي يرغمهم على التفاوض والقبول بوجود الطاغية بشار. وما استقالة رياض حجاب من هذه المسرحية الهزيلة إلا واحدة من العبثية التي تتلاعب فيها السعودية بدماء السوريين.
السعودية تثأر لنفسها
مما يؤشر على عدم صفاء نية السعودية في دعم الثورة السورية وأنها سعت للثأر لنفسها، مراجعة الوضع السياسي القائم بين البلدين قبل اندلاع الثورة السورية، وهو ما تعكسه برقية صادرة بتاريخ 10/12/2009 أبرقت بها السفارة السعودية في بيروت لتحليل كتبه إبراهيم جبيلي في صحيفة الديار اللبنانية بعنوان: هل الاتفاق السوري السعودي يترنح؟، وهو الاتفاق الذي كان يرمز له باتفاق السين سين للاستقرار الإقليمي بتهدئة المقاومة في لبنان الذي شكل خط التماس الوحيد ومسرح المواجهة بين دمشق والرياض، خاصة قضية فتح الإسلام التي استغلها الطرفان أثناء الحرب الباردة بين المحورين.
من الأوراق التي كانت بيد النظام السوري ضد السعودية ورقة المعارضة السعودية والمعارضة البحرينية، حيث تعهدت دمشق بترحيل أو تسليم جميع المعارضين للنظام السعودي، فيما وافقت السعودية على عدم استقبال نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام وعدم استقبال رفعت الأسد وغيرهما من المعارضة السورية، وتعهد سوريا بأن تضع كافة علاقاتها وإمكاناتها واتصالاتها لتحييد الشيعة السعوديين أثناء احتدام المعارك مع الحوثيين في اليمن.
معارضة غير ناضجة
تعاملت السعودية دائماً مع المعارضة السورية باعتبارها غير ناضجة تحتاج إلى مزيد من التواصل وطرح الأفكار والآراء في سبيل ترسيخ سوريا الجديدة ما بعد الأسد والتصميم على بقاء الدولة ومؤسساتها حتى لا يحدث انهيار كما حدث في العراق.
وتشكك برقيات أخرى في جدوى وجود المجلس الوطني السوري وأنه لا فاعلية لوجوده ولا دور له كما تشكك في جدوى دعم مراكز أبحاث سورية وتفضل اقتصار الدعم على الائتلاف السوري.
تأشيرات عمرة
صيغة أخرى اقترحتها إدارة شؤون دول شبه الجزيرة العربية في الخارجية السعودية أوردتها إحدى البرقيات المسربة، حيث يقترح مدير الإدارة على نائب الوزير منح تأشيرات عمرة عن طريق سفارة السعودية في الأردن لعدد من المعارضين للنظام السوري الذين ذكروا أنهم انشقوا على النظام وطلبوا اللجوء إلى السعودية. واقترحت الخارجية منحهم تأشيرة العمرة وذلك تفادياً لأي ملاحظة عليهم وفي حال عدم المصداقية بما ذكر يمكن ترحيلهم من البلد كونهم قادمين لغرض العمرة وليس اللجوء.
وتعكس البرقيات كيف أبقت السعودية الباب موارباً مع النظام السوري وفهم النظام السوري للرسالة تلك، حيث لم يهاجم السعودية بشكل مباشر برغم حديثه عن الدول التي تمول وتسلح المعارضة السورية، وأن الاتصالات السعودية بالعاصمة السورية لم تتوقف وأن الأردن استضافت لقاءات سعودية سورية في هذا الإطار وهو الأمر الذي أوردته إحدى البرقيات نقلاً عن تقرير في صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 8/01/2013.
ملك الرمال
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 سعى المخرج السوري نجدت أنزور لإخراج وإنتاج فيلم سينمائي يتناول سيرة الملك عبدالعزيز آل سعود بعنوان "ملك الرمال" وكان أنزور أحد زبائن قنوات mbc السعودية لكن حدثت بينهما قطيعة تحولت إلى عداوة بعد أن اصطف أنزور مع النظام السوري وجاءت البرقيات حول الفيلم تعكس كيف استنفرت السعودية قواها لمنع عرض الفيلم رغم أنه لم يكن بتلك القوة والرصانة لتنال من حقيقة دور المملكة والملك، حيث تم تكليف مكتب محاماة لمنع عرضه خاصة في بريطانيا.
ثنائيات الكرز
لم يكن "ملك الرمال" وحده المشكلة حيث أفادت برقية من سفير السعودية في لندن للخارجية بأن نجدت أنزور يعكف على إخراج مسلسل تلفزيوني لقناة أبوظبي لعرضه في شهر رمضان 1433 وعنوانه "ثنائيات الكرز" وطلب السفير الإيعاز إلى الإمارات لوقف جميع التعاملات مع المخرج نجدت أنزور لتهجمه على شخصية وتاريخ الملك عبدالعزيز وأن يتم الطلب من دول الخليج منع دخول أنزور لدول المجلس.
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا