من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
في الحلقة الخامسة عشرة تتحدث برقيات الاستخبارات السعودية بإسهاب عن الحالة المصرية، وهي البرقيات التي واكبت ثورة 25 يناير، حيث نشطت الاستخبارات السعودية في رصد كل شاردة وواردة عن رئاسة الدكتور محمد مرسي لمصر كأول رئيس مصري منتخب بعد سقوط نظام حسني مبارك، واعتمدت السفارة السعودية على تقارير ومقالات كتبها للسفارة أركان وأتباع النظام السابق خاصة مصطفى الفقي، والتي سعت جاهدة لشيطنة العهد الجديد الذي أزاحهم عن الحكم .
توضح البرقيات انسياق السفير السعودي أحمد القطان خلف أطروحات الفلول ووجد في الأمير سعود الفيصل مؤيدا لما يذهب إليه، حيث كانت المملكة تطرب لسماع أنباء الفوضى في مصر والتي تكللت بمؤامرة سعودية إماراتية لإجهاض الثورة المصرية بالتعاون مع العسكر في مصر.
سعت السعودية مبكرا إلى احتواء صعود الدكتور محمد مرسي للحياة السياسية منذ ترؤسه حزب الحرية والعدالة، حيث اقترحت السفارة دعوته هو وأسرته إلى السعودية لأداء العمرة وترتيب بعض اللقاءات له مع بعض الشخصيات الإسلامية المعتدلة، بناء على لقاء بينه وبين الدكتور خليل بن عبد الله الخليل عضو مجلس الشورى السعودي، كما وثقت المراسلات برقية تعزية بين الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية والملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد ووزيرا للدفاع في وفاة الأمير تركي بن سلطان بن عبد العزيز .
قبول المضطر
وتؤكد البرقيات أن تعامل السعودية مع الرئيس مرسي كان قبول المضطر وهذا ما تكشفه بوضوح برقية وزير الخارجية للقصر الملكي يعرض فيها رغبة الرئيس مرسي في أداء العمرة على هامش حضوره القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة بالرياض ولقاء الملك، وكان رد القصر الملكي بأنه لا بأس من أدائه العمرة أما اللقاء مع الملك "فيعتذر منه بصورة لبقة" .
قلق مفتعل
وكان الخوف من أي تقارب مصري إيراني بعد الثورة هاجسا للسعودية لم يبدده الخطاب الحاد الشهير للرئيس مرسي في طهران، حيث أثار ذكره أبي بكر وعمر وترضيه عليهما في طهران جدلا واستحسنته السعودية، لكنها لم تقتنع وراقبت في برقيات عديدة عن كثب أي تصرفات يمكن أن تفسر على أنها تقارب مصري إيراني، خاصة تأثيره على المملكة، وبحثت عنه الرياض في ثنايا اللقاءات ورصدت زيارات الإيرانيين لمصر وتحركات الملحق الثقافي الإيراني في القاهرة وهو التقارب الذي لم يحدث في مصر إلا بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي .
وتواصل السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان مع الجهات الرسمية في مصر حول الحضور الإيراني المتكرر في مصر على مستويات متعددة ابتداء من زيارات مسؤولين وباحثين وصولا إلى حضور الملحق الإيراني في مصر احتفالات صوفية في القاهرة وأن إيران قد طلبت دعم مصر لاقتراحها بخصوص الشراكة الأفريقية الإيرانية، الذي قدمته للقمة الأفريقية التي عقدت في شرم الشيخ المصرية وترأسها حسني مبارك وأن التخوف المصري من الوجود الإيراني المتكرر في مصر سببه زيادة زيارات الإيرانيين للقاهرة بدعوى البحوث والمؤتمرات، وذكرت السفارة أن هناك دعما إيرانيا غير معلن لجهات بحثية وصوفية والاهتمام بمزارات دينية محبوبة لدى المصريين في مقدمتها مسجد الإمام الحسين ومسجد السيدة زينب وما تردد من قيام الإيرانيين بتغيير كسوة قبة المساجد المهمة من الأخضر "رمز الجنة لدى المصريين - حسب وصف السفارة - إلى اللون الأسود "شعار الشيعة"، وذكرت السفارة في برقيتها أن رئيس بعثة المصالح الإيرانية في مصر طلب من شيخ الأزهر افتتاح معاهد أزهرية في إيران يلتحق خريجوها بجامعة الأزهر.
وجندت الدبلوماسية السعودية أقلاما عديدة للكتابة حول مستقبل مصر في ظل عهد الإخوان، منها كتابات شاركت فيها فرنسا عبر سفيرها في الرياض السيد برتران بوزانسونو، حيث أعدت سفارة فرنسا بالقاهرة التقرير ورفعه بوزانسونو إلى الأمير تركي بن محمد بن سعود الكبير وكيل وزارة الخارجية للعلاقات المتعددة الأطراف، حيث انتهت التقارير إلى القول بوجود حالة من التوتر لدى الطبقة السياسية في مصر وأن هناك أزمة مفتوحة حتمية بين الطرفين ورصدت ذلك في أبريل 2012 أي قبل فوز الرئيس مرسي بالرئاسة في يونيو من نفس العام.
الدولة المباركية
وتشير مجريات الأحداث إلى أن السعودية تعاملت مع الثورة المصرية من منطلق مبدأ أكده روبرت فيسك في تحليل أبرقت به السفارة السعودية إلى الرياض وذكر أن فكرة اختفاء نظام مبارك بالكامل لن تحدث لأن تفكيك المؤسسات القديمة نادرا ما يتحقق ولم تفلح الفكرة في إيران أو العراق وتوقع أن تعم الفوضى مصر إذا جرت محاولة تدمير البيروقراطية وأن عناصر الدولة المباركية ستبقى متأصلة في البلاد وعلى هذا الأساس اهتمت السفارة بمجريات محاكمة مبارك وما رافقها من أحداث.
تعرضت العلاقات السعودية المصرية في تلك الفترة لمواقف عصيبة منها ما رافق اعتقال السعودية لمحام مصري يدعى أحمد الجيزاوي بعد مطالبته بإطلاق سراح سجناء مصريين في السعودية وبدأت وسائل الإعلام تسلط الضوء عليه في ظل موجة كسرت هيبة الدولة السعودية عند المصريين.
تيران وصنافير
كانت محاولات الرياض لترسيم الحدود البحرية مع مصر مؤجلة منذ عهد مبارك وحرص المصريون على بقاء الوضع على ما هو عليه، وحين تم خلع مبارك سعت السعودية إلى إثارة القضية وطالبت الحكومة المؤقتة التي كانت تحت سيطرة المجلس العسكري بترسيم الحدود البحرية لأنها كانت تخشى من مجيء نظام سياسي جديد منتخب وحينها سيحرمهم من هبة تيران وصنافير، وطلبت الحكومة المؤقتة تأجيل البت في القضية لحين انتخاب حكومة جديدة .
بعد فوز الرئيس محمد مرسي بالرئاسة لم يبادر بترسيم الحدود مع السعودية حتى تولى قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الحكم .
ومن خلال البرقيات المسربة يتضح أنه بتاريخ 8/1/2013 اجتمعت لجنتان مصرية وسعودية لبحث الربط الكهربائي بين البلدين عبر خليج العقبة وبناء الجسر المعلق لكن عمل اللجنة توقف بقيام السيسي بالانقلاب في وقت لاحق من العام .
وكانت سفارة اليابان في الرياض أثارت الحديث حول مضيق تيران وبدأ البحث في الوثائق تزامنا مع وجود الإخوان في السلطة وتم التوافق على التنسيق بين اللجنة السعودية المصرية لترسيم الحدود بين الجانبين.
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا