أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-
يبدو أن "العاصوف" السعودي يسير في ركب الانفتاح الذي وضعه الأمير الشاب محمد بن سلمان في رؤيته "الواعدة" للمستقبل وحنينه إلى الماضي الذي لم يعرفه شخصياً، في محاولة لسحق "حركة الصحوة" التي شهدتها المملكة في ثمانينيات القرن الماضي.
فأحداث المسلسل تدور حول مجموعة من الأفكار التي تتناول التغيّرات الفكرية في العاصمة السعودية الرياض خلال العقود الخمسة الماضية، وتحديداً في حقبة السبعينيات.
"العاصوف" يناقش في حلقاته الثلاثين خلال شهر رمضان المبارك "الحياة البسيطة والمسار الصحيح" الذي كانت تسير عليه المملكة السعودية قبل فترة "الصحوة".
المسلسل الذي أثار جدلاً عقب عرض أولى حلقاته يتناول الطفرة الفكرية والعصرية التي حدثت في السعودية خلال الأعوام الخمسين الماضية، كما يعرض في إطار درامي التغيّرات والمراحل التي طرأت على المجتمع السعودي في مدينة الرياض تحديداً.
ما هو "العاصوف"؟
مسلسل العاصوف مأخوذ عن رواية الكاتب السعودي الراحل عبد الرحمن الوايلي "بيوت من تراب"، ومن إخراج السوري المثنى صبح، ومشاركة عدد من الفنانين السعوديين؛ أمثال عبد الله السناني وحبيب الحبيب.
ويتحدث المسلسل عن حقبة مفصليّة في تاريخ السعودية، والتي ظهر في نهايتها نشاط لافت للتيار الذي عُرف بالصحوة الدينية، التي وضعت رجال الدين في مقدمة قيادة الحياة الاجتماعية بالبلاد.
الممثل السعودي الكوميدي ناصر القصبي صدم متابعيه هذا الموسم بعد خلعه ثوباً اعتادوا رؤيته به، ليخوض تجربة جديدة في الدراما الاجتماعية والتاريخية في العمل المكوّن من 5 أجزاء ستُعرض في السنوات المقبلة.
وفي حوار معه نشرته مجلة "نواعم" يكشف القصبي عن قصة المسلسل وأحداثه، فيقول: إن "بداية العمل تكون مع أحداث اجتماعية لأسرة سعودية تتقاطع معها علاقات شخصيات أخرى".
ويضيف: "حاولنا تبسيط العلاقات الإنسانية بعيداً عن التكلّف، وكنّا حريصين على أن تكون أحداثنا واقعية وشخوصنا طبيعيين، دون تجاهل التحرّك السياسي الذي يسير في خلفيّة العمل ليعطي انطباعاً عن تلك المرحلة الزمنية".
ويلفت القصبي إلى "أنني واكبت مراحل الكتابة منذ البداية، وتحرّكنا باتجاه تقديم فكرة تتكلّم عن حقبة معيّنة من حياة المملكة العربية السعودية هي مطلع السبعينيات".
القصبي الذي وجد صعوبة في التحوّل من العمل الكوميدي إلى الدرامي يضيف أيضاً: "عملنا نحو 5 سنوات لبناء الفكرة وتطويرها، واحتاج اكتمال النص وقتاً طويلاً تبعه تحضير الإنتاج، وباتت الكتابة أكثر صعوبة بعد وفاة الكاتب".
- جدل
ويبدو أن المسلسل -كما ظهر في حلقته الأولى- يحاول بطريقة أو بأخرى إقناع الشارع السعودي بالتغيّرات الانفتاحية التي شهدها عقب تولّي محمد بن سلمان منصب وليّ العهد، في يوليو 2017، والتي لاقت جدلاً واسعاً داخل المجتمع المحافظ.
ومن اللافت أن تأجيل المسلسل الذي كان من المقرّر أن يُعرض خلال رمضان الماضي، وتحوّل القصبي من الإطار الكوميدي إلى التراجيدي الدرامي، لم يكن محض صدفة، إذ إن عرضه تزامن مع "انفتاح" المجتمع المحافظ على يد بن سلمان.
وفي إطار ردود الفعل الأولى تمنّى سعوديون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عودة المملكة إلى تلك الحقبة التي أطلقوا عليها "أيام الطيبين"، معتبرين أنها أفضل بكثير من الوضع الذي تعيشه السعودية حالياً.
وقالت الأكاديمية فاطمة لؤي باعمر في انتقادها للمسلسل: "العاصوف. الهدف هو تحريف تاريخ الأجداد وإظهارهم بالصورة التي تريدها الليبرالية من تبرّج وتخلّف وانعدام الغيرة، وكأن الإسلام أتى بالتبرّج والصحوة أتت بالحجاب".
غير أن آخرين اعتبروا أن المسلسل يمثّل "عودة إلى الصواب واجتثاث الفكر التفكيري"، عقب التغيّرات التي تشهدها المملكة ضمن الرؤية الانفتاحية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان".
- الصحوة السعودية
الصحوة الإسلامية أو الصحوة السعودية أو صحوة بلاد الحرمين؛ هي حركة فكرية اجتماعية إسلامية سلفيّة نشأت بدعم من مجموعة دعاة إبان حراكهم الدعوي "لإيقاظ الناس من غفوتهم".
وهذا المصطلح بدأ في الظهور خلال حقبة الثمانينيات الميلادية، على يد عدد من الأشخاص في ذلك الوقت؛ من أمثال سلمان العودة، وسفر الحوالي، وناصر العمر، وسعد البريك.
وقد لاقت هذه الحركة ما وُصف بأنه دعم كبير من الدولة السعودية فور قيامها وخلال فترة الغزو السوفييتي لأفغانستان، وتأثّرت توجّهات الدولة عموماً بـ "الصحوة" خلال عهد الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود.
لكنها سرعان ما اصطدمت مع الحكومة السعودية في منتصف التسعينيات؛ عند بدء رموز الحركة بمطالبة الحكومة بتغييرات اجتماعية وسياسية؛ من أهمها وقف التعاون العسكري مع الولايات المتحدة إبان حرب الخليج الثانية.
ومع تولّي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز حكم المملكة، وصعود نجله الأمير الشاب محمد بن سلمان على الساحة السياسية، شهدت المملكة عدة تغيّرات انفتاحية فيما تم تفسيرها برغبة السعودية بقطع علاقتها مع أتباع هذه الحركة.
- انفتاح المملكة
ومنذ توليه تحدّث بن سلمان عمّا سمّاه "الحالة غير العادية وغير الطبيعية" التي دخلت على المجتمع السعودي، في إشارة إلى الصحوة وما وصفه بالإسلام غير المعتدل، متعهّداً "بتحريره من تلك الحقبة" وإعادة السعودية إلى ما كانت عليه قبل 30 عاماً.
وفي إطار حربه على "الصحوة"، شنّ بن سلمان منذ وصوله إلى منصب ولي العهد حملة اعتقالات طالت عدداً من كبار المشايخ والدعاة البارزين؛ منهم الشيخ سلمان العودة وعوض القرني وغيرهما.
وسار بن سلمان في طريق "الانفتاح"؛ إذ شهد شهر سبتمبر 2017 اتخاذ السلطات عدة قرارات تستهدف دمج المرأة في المجتمع، والسماح لها بقيادة السيارة.
كما سمحت للمرأة بدخول المدرجات الرياضية، فضلاً عن الحفلات الغنائية، وترخيص دور للسينما، وغيرها من المظاهر الانفتاحية في المجتمع السعودي المحافظ.
وتواصل المملكة حملة "الإصلاح" بنكهة الانفتاح التي يقودها بن سلمان، والتي تهدف في مجملها إلى تغيير العادات التي قامت عليها السعودية والتي ظلت طوال عقود من المحرَّمات التي يصعب الاقتراب منها.