رشود بن محمد الخريف-
بمتابعة ما يطرح من نقد حول المسلسل الرمضاني "العاصوف"، الذي يعرض على قناة "إم بي سي" أشعر بأن المجتمع لم يتغير كثيرا في لغة الحوار، بل لا يزال كثيرون – مع الأسف – يصنفون الذين يبدون آراءهم بصرف النظر عن طبيعتها المعارضة أو المؤيدة، بأنهم إما "متطرفون صحويون" وإما "ليبراليون"، وكأن فئات المجتمع تختزل في هاتين الفئتين! لا ينبغي الهجوم الشرس على من يختلف معنا في الرأي، بل من أدب الحوار عرض وجهة نظرنا مع احترام وجهات نظر الآخرين؛ لأن القناعات تتغير والآراء تتبدل حسب المعطيات وزوايا النظر والرؤية لأي قضية.
ولا شك أن وجهات النظر حول هذا المسلسل متنوعة، وكل وجهة نظر لديها مبرراتها ومنطلقاتها، وسأحاول في هذه المقالة القصيرة طرح الموضوع من أبعاد مختلفة، بعيدا عن التشنجات والاتهامات التي ينبغي أن نتجاوزها، وأن نسمو بحوارنا في وسائل التواصل والإعلام إلى أخلاق عالية تليق بنا وبالمستويين التنموي والحضاري الذي حققته بلادنا بحمد الله.
من الناحية الفنية، المسلسل مبهر من حيث الإمكانات والقدرة على تصوير بيئة مدينة الرياض العمرانية والاجتماعية بجميع مكوناتها من ملابس وسيارات ومبان وطرقات بمحاكاة دقيقة إلى حد ما، بل إن هناك من يرى أن مستوى التصوير يتجاوز مستوى مسلسل تلفزيوني، ويرقى إلى مستوى تصوير سينمائي مميز، وهذا الإنجاز ليس غريبا على فنان مميز وقدير مثل ناصر القصبي. والرؤى والآراء متفاوتة ما بين من يرى أن المسلسل لا يعرض الوضع الاجتماعي في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي بدقة وأمانة، وهناك من يعترف بوجود بعض السلوكيات والتجاوزات الأخلاقية التي تحدث في جميع المجتمعات خاصة ممن عاشوا تلك الفترة، ولكنه يرى أنها ليست شائعة لدرجة تستحق الذكر، وهناك من يرى أن كثيرا من أفراد المجتمع السعودي لم يتعودوا النقد الاجتماعي أو الأعمال الفنية المتنوعة، التي تطرح القضايا من زوايا مختلفة، خاصة مع تكريس نمط التفكير الأحادي النظرة الذي لا يسمح ولا يتسامح مع وجود آراء مختلفة! ويستشهد من يرى ذلك بما يحدث في المجتمعات الأخرى التي تعرض فيها أعمال فنية تعزز الاعتزاز بالهوية الوطنية والمجتمع، وأخرى تحمل نقدا لاذعا كما يحدث في المجتمع الأمريكي من خلال عرض فيلم "الجذور"- على سبيل المثال- مقابل كثير من الأعمال التي تعزز "التفوق الأمريكي" مثل أفلام "رعاة البقر" وغيرها. وبناء عليه، يرون أن أي عمل فني درامي يتطلب عنصر التشويق والإثارة لكسب عدد كبير من المشاهدين.
وهناك من يرى أن المشاهد والسلوكيات التي صورها المسلسل من تجاوزات أخلاقية ودينية تحدث في جميع المجتمعات، ولكن معدلات حدوثها تتفاوت من مجتمع إلى آخر، ولا يعتقد أنها شائعة في المجتمع السعودي، بما يستحق تسليط الأضواء عليها. والسؤال: هل من المناسب إبرازها في مسلسل رمضاني يعرض في وقت الذروة، أم أنها مناسبة لصناعة فيلم سينمائي يعرض هذه القضايا وغيرها من الجوانب الإيجابية والسلبية في المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات البشرية؟! وفي استطلاع محدود عبر "تويتر" - اعترف أنه لا يمثل المجتمع السعودي - حول السؤال: هل ترى أن مسلسل "العاصوف" يعكس الحياة الاجتماعية السائدة بدقة وأمانة معقولة؟ فجاءت الإجابات على النحو التالي: 19 في المائة يرون أن المسلسل أمين في الطرح، مقابل 44 في المائة يرون أنه يشوه الماضي، في حين أن 37 في المائة من المشاركين في الاستطلاع ذكروا أنهم لم يطلعوا على المسلسل.
وأخلص إلى القول إن الحوار والنقد ينبغي أن يكون أرقى وأسمى من الاتهامات والتخوين أو التصنيف ما بين "صحوي" و"ليبرالي". ولا بد أن يكون هناك تسامح في طرح القضايا الاجتماعية بشفافية معقولة، ولكن يبقى التساؤل قائما حول مدى مناسبة عرضها بعد الإفطار في أيام رمضان، في ذلك الوقت الذي يجتمع جميع أفراد الأسرة بمن فيهم الأطفال؟!