الخليج أونلاين-
مع انقضاء العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك تسود حالة من الانتقاد والهجوم لدى الجمهور السعودي على الدراما المحلية وما قدَّمته لهم على مائدتهم الرمضانية، وبشكل عام ما وصلت إليه منذ انطلاقها قبل عقود.
فرمضان هذا العالم جاء مختلفاً؛ بعد أن كان السعوديون خلال الشهر الفضيل ينتظرون الدراما الكوميدية العائلية "طاش ما طاش"، ودروس الداعية علي الطنطاوي، والشيخ عبد العزيز بن باز، ليكونوا على موعد مع دراما هزيلة تشوه تاريخهم، بحسب ما يصف الكتاب والنشطاء على موقع "تويتر".
فعلى مدى خمسة عقود بقي التلفزيون السعودي ملتزماً بكونه محافظاً، يقدّم برامج ومواد إعلامية تمثّل توجه الحكومة السعودية، مع الاهتمام بكونه يبثّ من أرض الحرمين.
وتأتي هذه التطوّرات في أوساط الإعلام الرسمي بوتيرة متسارعة ومتزامنة مع التغييرات التي شملت مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية والأمنية؛ من خلال تغيير المسؤولين والقادة، وذلك مع تولّي محمد بن سلمان ولاية العهد، في حين لم تغب تلك التغييرات عن القطاعين الثقافي والمجتمعي.
وكان أحد أبرز أوجه التغييرات في وسائل الإعلام -لما لها من تأثير كبير في المجتمع، وفي إقناع أفرادها بأفكار وليّ العهد- تعيين الإعلامي المعروف بتوجّهاته العلمانية، داوُد الشريان، رئيساً تنفيذياً لهيئة الإذاعة والتلفزيون، العام الماضي.
وجاءت بصمات الشريان بخطوة أولى دشّنها التلفزيون السعودي، مطلع أكتوبر الماضي، إذ بدأ ببثّ أغاني المطربة الراحلة أم كلثوم، وهو ما أثار جدلاً شعبياً ونخبوياً واسعاً في المملكة بين رفض وقبول.
- تشويه التاريخ
من الأمور اللافته في رمضان هذا العام كان مسلسل "العاصوف"؛ الذي أثار الجدل بسبب أفكاره التي شوّهت تاريخ الآباء والأجداد الذين عاشوا في حقبة السبعينيات.
هذا المسلسل أثار غضب الكثيرين في السعودية، قائلين إنه يصوّر المجتمع السعودي في مرحلة السبعينيات -الفترة التي تسبق ما يسمَّى "الصحوة"- بأنه سكّير كذاب ومنفلت أخلاقياً، وذلك بحسب وصف الكاتب الصحفي السعودي، أحمد عجب الزهراني، في مقال نشرته له صحيفة "عكاظ" السعودية في عددها الصادر الجمعة 25 مايو، تحت عنوان "العاصوف + 18".
يرى الكاتب الزهراني، وهو محامٍ، أن مسلسل "العاصوف" -الذي رأى أنه كان من المفترض أن يكتب عليه "+ 18"- بدلاً من أن يؤصّل التقاليد الكريمة ويرسّخ العادات الخيّرة نجده يطعن المجتمع بقصص لا تعكس صورته الحقيقية، ويُبيح لنفسه، وفي وقت الذروة، التشهير بجيل السبعينيات، وهو يُلصق بهم بمختلف فئاتهم تُهمَ السكر والكذب والانفلات الأخلاقي.
بدوره يقول الدكتور علي القحيص: إنه "من الطبيعي القول إن الحلقات الأولى مع الأسف لم تكن موفّقة، وهذا الرأي ليس من باب التسرّع في الأحكام أو العاطفة في معالجة الأمور كما يحلو للبعض أن يزعموا"، مرجعاً ذلك إلى أن "بعض المشاهد التي احتوتها الحلقات الأولى يمكن وصفها بأنها تمثّل تجنّياً على تاريخ آبائنا وأجدادنا وموروثنا الأصيل".
ويضيف: إنها "تعطي انطباعاً سيئاً عن السعوديين في ذلك الوقت من تاريخ المملكة، رغم أن القائمين على هذا العمل الدرامي يقولون إنه يسعى إلى إظهار الصورة الحقيقية للسعوديين قبل الصحوة، ويكشف المسكوت عنه".
وبيّن أنه "على الرغم من أن البعض يعتقد أن المرامي الفكرية للمسلسل تصبّ في محاربة التطرّف، لكن أحداً لا يمكنه الزعم بأن محاربة التطرّف تبدأ من مهاجمة القيم والمبادئ؛ لأن هذه القيم والمبادئ والعادات كانت وما زالت السياج الحصين بالنسبة للمجتمع، فضلاً عن أن الحديث عن قصص كهذه في وقت تمرّ فيه البلاد بمرحلة حسّاسة من شأنه أن يفتح ثغرات تسمح لكل متطفّل أو أجنبي متآمر للعبور من خلالها، واستغلالها استغلالاً رديئاً من أجل استهداف المملكة والتهجّم عليها وعلى تاريخها ومجتمعها، وتشويه صورة المجتمع والنيل من خصوصيته".
وجاء هذا المسلسل في فترة تشهد فيها السعودية تحوّلات في توجّهاتها السياسية والدينية تحت قيادة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، الذي تعهّد بتدمير ما يراه أفكار التطرّف في المجتمع السعودي.
- سذاجة وقلة خبرة
مسلسلات أخرى طالتها أيضاً سهام النقد، لكن هذه المرة من الجوانب الفنية؛ وذلك بسبب بعض الأخطاء التي لم يلاحظها أحد من القائمين على هذه المسلسلات فأصبحت في النهاية ضحيّة السخرية.
الأبرز كان مسلسل "بدون فلتر"، وذلك بسبب مشهد يظهر فيه البطل عبد الله السدحان وهو يرسم لوحة استغرقت ساعات طويلة، بينما كان يستمع لإحدى الأغنيات عبر إحدى محطات الراديو.
والخطأ أن الأغنية نفسها ظلّت مذاعة طوال فترة رسمه للوحة وكأنها تُبثّ مراراً وتكراراً، وهذا ما يخالف الواقع لأن محطات الراديو تغيّر الأغنيات كل بضع دقائق.
كما انتقدت الناقدة الفنية رجا المطيري، السرعة في إنتاج المسلسلات قبل شهرين أو ثلاثة من بدء الشهر الفضيل، وهو الأمر الذي وصفته بأنه لا يمكن توقّع الكثير منه، لا على مستوى الأفكار ولا على مستوى المنتج النهائي.
وتقول في مقال لها بجريدة الرياض المحلية: "آلية الإنتاج، أو نظام الإنتاج الذي يحكم الدراما السعودية الآن، ومنذ عشرات السنين، هو المسؤول الأول عن تردّي المسلسلات المحلية، ولو جلبت مخرجاً عالمياً كبيراً مثل سبيلبرغ أو تارنتينو ليعمل في ظل هذه الظروف فإنه لن يقدّم لك عملاً ذا قيمة. ولو ذهبت إلى مُنتِج هوليوودي وطلبت منه تنفيذ 30 فيلماً قصيراً في غضون شهرين فإنه في الغالب سيتّهمك بالجنون لاستحالة تنفيذ هذه الأفلام بشكل مقبول".
وانتقد الكاتب عبد الله بن بخيت، قلّة الخبرة لدى صنّاع الدراما السعوديين قائلاً في مقال له في صحيفة "الرياض" أيضاً، إنه شعر بالأسى عندما شاهد دراما هذا العام وأداء الممثلين، خصوصاً ممثّلاً أمضى نحو أربعين سنة من عمره في التمثيل كـ "ممثل مبتدئ".
ولفت إلى أن "المصيبة تكمن إذا كان هذا الممثل هو المنتج وهو المستفيد وصاحب الحقوق كلها، يتّخذ كل القرارات، يحدّد المخرج، يحدّد طبيعة النص وكاتبه، يتعاقد على المواقع بنفسه، يقرر أسماء الممثلين المشاركين، يوزع الأدوار، والأهم من كل هذا يصنع دوره كما يشاء، أخيراً يقدم لنا عملاً تلفزيونياً رديئاً، والمؤسف جداً أن نراه في مسلسله هذا ممثلاً لا يعرف أبجديات الوقوف أمام الكاميرا".
ورغم كل الإمكانات الاقتصادية، لا تزال المملكة تفتقد معاهد تعليم مسرحي ومدن إنتاج كبيرة، اللتين تعزّزان مفهوم الفن وأهميتة مع أهله بشكل غير الذي نراه اليوم.