جاسر الحربش - الجزيرة السعودية-
السقطة الثانية في مسلسل العاصوف كانت تصوير ذلك المجتمع وكأنه فالت وغير محكوم بضوابط رقابية وإدارية كافية، لدرجة أن مؤذن المسجد يأخذ اللقيط معه إلى منزله وينتهي الأمر هكذا بلا تحقيق ولا متابعة.
ألم يكن يوجد في ذلك الزمن توثيق رسمي وشرعي لإلحاق اليتامى ومن لا أهل لهم بدور تتولى أمورهم حتى يتم ربطهم بمن تثبت صلاحيته لرعايتهم في تلك الفترة البعيدة القريبة؟
أما السقطة الثالثة والأسوأ فكانت تقديم الخيانات الزوجية بين الجيران والاستدياث الاجتماعي وتصوير النساء متساهلات في استيقاف الرجال عرضًا وتبادل الأحاديث معهم دون رقيب ذاتي أخلاقي. الحقيقة المنصفة لذلك المجتمع أن هذه الجزئيات بالذات لم تكن من المقبول ولا المسكوت عنه على الإطلاق وإن حدثت تكون نتائجها وخيمة على المرأة وأهل بيتها.
تقديم المسلسل لنساء ذلك الزمن بهذه الصورة الافترائية البهتانية كان كافيًا للرقيب أن يلقي بمخطوط المسلسل في المكان الذي يستحقه ولا يجيزه.في مجتمع ما قبل عواصف الصحوة تمثل وضع المرأة الحقيقي في تمتعها بحريات تشاركية في الفضاء العام، مثل المستشفيات والأسواق للتبضع والبيع والشراء، بملابس مألوفة لا تتيح للرجال التعرف من المرأة على أكثر من الهدف الذي خرجت لأجله، ما عدا ربما في حالات شاذة ونادرة لم يخل منها حتى مجتمع الصحابة والتابعين.
ثم جاء ما نسميه مجتمع الصحوة (العاصوف) فازدادت ملابس النساء كثافة ووضعت المرأة موضع الشك واحتمالات الفساد الغريزي، فألحقت بالتبعية السلطوية الذكورية المطلقة دون حاجة إلى إثبات الكفاءة والتكافؤ بين التابع والمتبوع. السؤال هو هل شهدت فترة التضييق الصحوي تلك للجنسين النسائي والرجالي جنوحًا أكثر نحو الصلاح والتعفف؟ أترك الإجابة للقارئ المحايد.
الخلخلة الحقيقية للمفاهيم الاجتماعية التي أنتجت اللقطاء وصرعات التفحيط والدرباوية وتناول المنشطات والمثبطات بدأت مع التعرض المفاجئ المدعم بالسيولة المالية للاختلاط العشوائي في الخارج والداخل، وفي دكاكين التجميل والمساحيق والعطور وإصلاح الجوالات وخياطة الملابس، أي في تلك الاحترافيات التي لا يديرها ويعرف خباياها سوى الأجانب. الأفلام والمسلسلات عن الجريمة والعلاقات المحرمة في قنوات فضائية عربية وغير عربية أكملت الناقص في تأجيج الغرائز.
باختصار: أعتقد أن مسلسل العاصوف قدم لفترة العاصوف الصحوي خدمة لا تستحقها، فقد كان المجتمع السعودي قبلها محافظاً بطريقة عقلانية، ثم تحول معها إلى غالبية استمرت محافظة بقناعاتها القديمة وليس بالتربية الصحوية، وإلى أقلية تمارس التقية الأخلاقية لا غير. الطفرة المادية الجارفة التي تزامنت مع الصحوة هي التي خلخلت المفاهيم ومكنت لشخصيات لا تستحق أن تتحول إلى رموز اجتماعية في الدعوة والوعظ والرقابة الأخلاقية.