تي آر تي وورلد-
عيد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" كتابة جزء من تاريخ بلاده. ويظهر ذلك في مسلسل "العاصوف" الدرامي الذي يعرض على شاشات التليفزيون عبر العالم الناطق بالعربية.
وعرض "العاصوف"، وهو مسلسل شعبي على شبكة "إم بي سي" المملوكة للسعودية، أحداث حصار مكة والمسجد الحرام عام 1979 عندما احتلت مجموعة من المتمردين بقيادة "جهيمان العتيبي"، المتشدد ذي الجذور البدوية، أقدس موقع في الإسلام.
ولمدة أسبوعين، كانت هناك معركة نارية مكثفة قام فيها القناصة المتحصنون في مآذن المسجد الحرام بتبادل النيران مع الجنود الحكوميين أسفل المسجد. وانتشرت رائحة البارود في الهواء لعدة أيام، وتدحرجت العربات المدرعة، ولطخت الدماء أرض المدينة، التي يُمنع فيها قتل عصفور.
وسقط ما بين 100 و1000 شخص قتلى في معركة استرداد المسجد الحرام من الفرقة المتمردة من الشباب الذين آمنوا بقدوم "المهدي المنتظر" وتنقية الإسلام من "النفوذ الغربي".
ويرجع التفاوت في تقديرات العدد الدقيق للقتلى، حتى بعد مرور 40 عاما، جزئيا، إلى الرقابة الصارمة التي تمارسها السلطات السعودية على أي نوع من المعلومات المتعلقة بالمسألة. فقد ظل الحصار موضوعا محظورا حتى وقت قريب.
ويقول محلل شؤون الشرق الأوسط في "ستراتفور" "ريان بوهل": "هذه هي المرة الأولى التي نشهد فيها قصة توافق عليها الدولة حول هذا الموضوع".
وقال لـ "تي آر تي وورلد": "يتم الآن مناقشة حصار مكة، كجزء من محاولة امتصاص طاقة المؤسسة الدينية الوهابية القديمة".
نقطة تحول
ويصر ولي العهد، البالغ من العمر 33 عاما، على إخبار العالم بأن حصار عام 1979، إلى جانب التطورات الإقليمية الأخرى مثل الثورة الإيرانية، كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ المملكة.
يقول "بن سلمان": "قبل تلك الأحداث كنا نعيش حياة طبيعية للغاية مثل بقية دول الخليج. حيث كانت النساء يقدن السيارات، وكانت هناك دور سينما في المملكة".
وتعد مثل هذه التأكيدات جزءا من السرد الذي يظهر المملكة كمجتمع ليبرالي حتى ذلك العام المشؤوم.
لكن الناس الذين درسوا عن كثب السياسة السعودية يرفضون مثل هذا التفسير. وكان الصحفي السعودي القتيل "جمال خاشقجي"، من بين أول من أشاروا إلى الانقسام حول هذه الرواية.
وفي مقال كتبه لـ "واشنطن بوست"، قبل أشهر قليلة من اغتياله، وبعد أيام قليلة من مقابلة "بن سلمان" مع شبكة "سي بي إس"، كتب أن السعوديات لم يكن يقدن السيارات في سبعينيات القرن الماضي، وأن المسارح كانت تعمل تحت خوف دائم من الشرطة الدينية.
وقال: "يرغب بن سلمان في تقديم سرد جديد لتاريخ بلدي الحديث، وهو سرد يعفي الحكومة من أي تواطؤ في تبني مبدأ الوهابية المتشددة".
ووفقا لرواية "بن سلمان"، لم يكن لدى أسلافه أي خيار سوى تهدئة المتشددين السنة والمسلمين من خلال منحهم سلطة وتنازلات أكبر في محاولة لتجنب تكرار حصار مكة. والآن، يحاول تقليص نفوذهم.
قمع المعتدلين
لكن بدلا من اتخاذ خطوات من شأنها تغيير علاقات المملكة مع الدين، شنت المملكة حملة على رجال الدين المعتدلين، الذين لم يكونوا راضين عن سياسات النظام.
وفي سبتمبر/أيلول 2017، اعتقلت قوات الأمن السعودية "سلمان العودة"، وهو باحث إسلامي شهير، بعد أن دعا للمصالحة مع قطر، التي تواجه حصارا اقتصاديا من جانب الرياض وحلفائها الإقليميين.
وكان "العودة"، البالغ من العمر 63 عاما، مشكلة مزمنة للحكام السعوديين. وكان من أوائل العلماء الذين دعموا الربيع العربي. وفي كتابه "أسئلة الثورة" لعام 2012، كتب: "الناس لا يثيرون الثورات، بل ما يفعل ذلك هو القمع والفساد والتخلف والفقر".
وتم حظر الكتاب لاحقا، مع البرنامج التليفزيوني الذي كان يقدمه.
ويعتبر "العودة" مصلحا، وينتمي إلى حركة "الصحوة" الإسلامية.
وظهرت "الصحوة" في الستينيات من القرن الماضي، عندما فر أعضاء جماعة الإخوان المسلمين هروبا من الاضطهاد في مصر وسوريا إلى الجامعات السعودية، وفقا لـ "توماس هيغهامر"، وهو مؤلف عدة كتب عن الجهاد والتمرد في السعودية.
ومن بين العلماء الآخرين الذين يواجهون غضب الدولة السعودية، "عوض القرني" و"عبدالله الحامد".
ولم يكن لدى "جهيمان العتيبي" وأتباعه علاقة تذكر بالصحوة، بل كانوا نتاجا لـ "الجماعة السلفية المحتسبة".
وأصبح أتباع "المحتسبة" مشهورون عام 1965، عندما تجولوا في المدينة المنورة ودمروا الصور وكان المتشددون منهم يرفضون استخدام الصور على جوازات سفرهم.
وتأثرت "المحتسبة" بالعلماء الوهابيين الذين ترعاهم مما أثار تساؤلات حول سردية ولي العهد.
وكتبت "كيارا بيليجرينو"، الباحثة في مركز الواحة: "حتى الآن، ليس من الواضح من يمكنه تولي مهمة إصلاح الإسلام السعودي، لأن المؤسسة الوهابية ليس لديها مصلحة في الترويج لإصلاح قد تشكك في وضعها، في حين معظم الإصلاحيين المسلمين وأفضلهم موجودون الآن رهن الاعتقال".
وأضافت: "ومع ذلك، من الواضح أن وجود الملكية السعودية يرتبط ارتباطا عميقا بوجود الوهابية".