ميشيل سيوفولوتي - معهد دول الخليج العربي في واشنطن-
عاد "العاصوف" إلى شبكة "إم بي سي"، في موسم رمضاني ثان، من بطولة الممثل السعودي الشهير "ناصر القصبي".
وتدور أحداث المسلسل، في منزل نجدي تقليدي، في قلب السعودية، ويعد هذا العرض شاهدا على الأوقات التي كانت فيها الحياة أبسط في المملكة قبل الطفرة النفطية.
ويصور العرض مجتمعا سعوديا تقليديا ولكنه منفتح، في محاولة لإظهار "ماضٍ عصري" أكثر تسامحا قبل عام 1979.
ويعد المسلسل امتدادا للسرد الحالي السائد في الإعلام السعودي، حيث تركز البلاد على تطوير صناعاتها المحلية وخطابها القومي.
ويكمل الموسم الثاني لـ"العاصوف" الموسم السابق، حيث يبدأ مع تنامي حركة "الصحوة" في المملكة مع تطور الأحداث التاريخية بعد عام 1979.
ومع تقدم المسلسل، يتم تصوير بعض أفراد عائلة "خالد" ومجتمعه، تحت تأثير "حركة الصحوة"، حيث تظهر أجهزة التلفزيون المحطمة، والدعوة إلى الجهاد في أفغانستان، ومطالبة نساء الأسر بارتداء القفازات وتغطية أجسادهن بالكامل.
ويصور المسلسل أحداثا تاريخية مثل اغتيال الرئيس المصري "أنور السادات"، في أعقاب معاهدة السلام بين مصر و(إسرائيل)، والثورة الإيرانية وصعود آية الله "روح الله الخميني"، كأسباب للتأثير المتزايد لحركة الصحوة.
وخلال الحلقة الـ15 المحورية، يشاهد الجمهور، "البطل خالد"، يدخل المسجد الحرام في مكة.
وعندما يبدأ في الصلاة، يسيطر المقاتلون فجأة على المسجد، متعهدين باستعادة "الإسلام الحقيقي"، ويتبع ذلك إعادة تجسيد حصار مكة بصورة هوليوودية مرعبة يظهر خلالها "جهيمان العتيبي"، المتشدد الذي قاد الاستيلاء على المسجد الحرام عام 1979.
ويعد الخيط المشترك الذي يظهر طوال العرض، هو أن أيديولوجية "حركة الصحوة"، مع خطابها القوي المناهض للغرب، ووجهات نظرها المحافظة تجاه المرأة، والتعصب، كان لها تأثير عميق ومضر على جيل كامل من السعوديين، والمجتمع السعودي، والمنطقة ككل، وكلها أمور عرفتها المملكة فقط بعد عام 1979.
وانتقد رجال الدين المحافظون مثل "عبدالرحمن الناصر" و"عبدالباسط قاري" العرض، قائلين إنه يعزز "قيما كارثية"، وينشر "الفجور"، بسبب بعض المشاهد التي تصور الخيانة الزوجية والاختلاط بين الجنسين كأمر طبيعي.
ورفض "عبدالرحمن الراشد"، كاتب العمود السعودي البارز في صحيفة "الشرق الأوسط"، النقد، قائلا إن "المتطرفين يعارضون العاصوف لأنهم يعتقدون أنها محاولة لتدمير ما بنوه على مدى عقدين منذ عام 1979"، وكان يعني بذلك حركة الصحوة.
وعلى الرغم من هذا الجدل، إلا أن العرض كان يحظى بشعبية كبيرة، وقد عزز الرواية السائدة داخل المملكة، التي تدين المحافظين وتتهمهم بقيادة البلاد نحو مجتمع أقل تسامحا.
رسائل رمضان
وتعد مسلسلات رمضان الدرامية، جزءا من رسالة إعلامية أوسع تحمّل "حركة الصحوة" كل مظاهر التشدد على مدى عقود في المملكة.
وفي اليوم الأول من شهر رمضان، اعتذر "عائض القرني"، وهو عضو سابق في حركة "الصحوة"، علانية عن ممارسات الحركة.
وصرح "القرني" في مقابلة تلفزيونية، بأنه "يؤيد الآن الإسلام المعتدل الذي دعا إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان"، وأن ذلك هو "ديننا الحقيقي".
بالإضافة إلى ذلك، تراجع "عادل الكلباني"، وهو شخصية دينية بارزة وإمام سابق للمسجد الحرام، علانية عن بعض تعليقاته المثيرة للجدل، مثل تلك التي تدعي أن الشيعة مرتدين.
وفي الواقع، لقد تغير موقفه العلني حول العديد من القضايا بشكل كبير، لدرجة أنه قد ذهب إلى حد القول، إن الفصل بين الجنسين في المساجد أتى نتيجة لرهاب اجتماعي، بدليل أن الرجال والنساء كانوا يصلون معا في وقت النبي "محمد".
وأصبحت العبارات الرئيسية، مثل "الإسلام المعتدل"، والعودة إلى "الدين الحقيقي"، شائعة تحت قيادة ولي العهد السعودي الشاب.
وفي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة"، في مارس/آذار 2018، قال "بن سلمان" إن "المملكة العربية السعودية والمنطقة بأسرها مرت بموجة من التطرف بعد عام 1979، وكل ما نقوم به الآن هو العودة إلى ما كنا عليه، وهو الإسلام المعتدل".
وفي عام 2017، تم سجن العديد من الأعضاء البارزين في "حركة الصحوة"، وتم القبض على رجل الدين السعودي "سلمان العودة" لمشاركته في الحركة عام 1994، رغم أنه غير موقفه العلني فيما بعد وقدم برنامجا تلفزيونيا بارزا على قناة "إم بي سي" تم بثه في جميع أنحاء العالم العربي.
وعلى الرغم من الاعتذار العلني من قبل بعض رجال الدين تحت حكم ولي العهد، كانت رسالة النظام واضحة ألا وهي أن "أولئك الذين شاركوا في حركة الصحوة، قد ضللوا البلاد عن قيمها الدينية الحقيقية، ويجب أن يواجهوا تداعيات ذلك".
ولا يعد استخدام المسلسلات الرمضانية لإبراز الرسائل السياسية أمرا جديدا.
وفي الواقع، كانت المسلسلات الرمضانية الأكثر انتشارا قادمة من مصر، وهي بلد ليس غريبا على استخدام التلفزيون لتعزيز الرسائل السياسية.
وتحت حكم "جمال عبدالناصر" في الستينيات، كانت الأعمال الفنية ذات الطابع السياسي والرسائل الاجتماعية بارزة، وتم استخدام العروض التلفزيونية للترويج لجدول أعمال وطني متماسك.
السعودية أولا
وتتجاوز أهمية "العاصوف" مجرد مكافحة "الصحوة" إلى إطهار الرغبة في الاستثمار في صناعة إنتاج فني محلية مستدامة، وتعزيز المواهب المحلية في المملكة وإنتاج أعمال باللهجة السعودية.
وعلى مدى العقود الماضية، كان المسلسلات التلفزيونية الأكثر شهرة في رمضان يتم إنتاجها في مصر والشام.
وقد دعمت الحكومة السعودية التحول نحو العروض الخليجية من خلال الوزارات الرسمية والمبادرات الممولة تمويلا جيدا.
ويلبي "العاصوف"، الذي تم تصويره باللهجة النجدية، احتياجات السكان السعوديين بشكل مباشر، مع توسيع نطاق اللهجة التقليدية المعزولة جغرافيا عن جميع أنحاء العالم العربي.
وقد ركزت الأجندة القومية لولي العهد السعودي على فتح المزيد من الفرص للمواطنين السعوديين، وخاصة في قطاع الفنون والثقافة.
وقد شكلت قصة "السعودية أولا" صناعة الترفيه، بدءا من مسلسلات رمضان وحتى مع المسرحيات الهزلية السعودية وقطاع الأفلام الناشئ جيد التمويل.
ومع تزايد التوترات بين المملكة وتركيا، عكس التلفزيون المحلي أيضا رسائل الحكومة السعودية. وتاريخيا، كانت الأعمال التركية المدبلجة باللغة العربية شعبية في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي مارس/آذار، قامت شبكات خليجية عملاقة، مثل "إم بي سي"، بإيقاف عرض المسلسلات الشعبية، مثل "إيزل" و"نور"، فضلا عن عروض تركية أخرى، كرد فعل على التوترات السياسية.
ويعد استخدام الأفلام والتلفزيون، أداة قوية لتوسيع القوة الناعمة للمملكة، والبناء على نهضة إبداعية سبقت إعلان ولي العهد عن مبادرته "رؤية 2030".
وقد تم إنتاج أفلام مستقلة، مثل "وجدة" و"بركة يقابل بركة"، من قبل السعوديين، حتى قبل افتتاح دور السينما مؤخرا.
واليوم، تبنت الحكومة صناع الأفلام المحليين، وأقامت مبادرات أفلام متعددة في إطار وزارة الثقافة الجديدة وهيئة الترفيه العامة.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن وزير الثقافة السعودي، الأمير "بدر بن عبدالله"، أن المملكة ستستضيف مهرجان البحر الأحمر الدولي للأفلام في عام 2020. وأنشأت الوزارة أيضا عدة مؤسسات لتمويل ومساعدة الأفلام التي يتم إنتاجها داخل المملكة.
لا تعد السعودية وحدها التي تستخدم التلفزيون في رمضان لتعزيز الحملات الاجتماعية والوحدة الوطنية.
ومع استمرار توسع السينما والتلفزيون داخل المملكة، من المحتمل أن تكون هناك زيادة في البرامج والأفلام السعودية المنتجة باللهجة السعودية.
ومما لا شك فيه أن التوجه نحو أجندة وطنية سعودية سوف ينعكس في مزيد من الاستثمار في الإنتاجات السعودية التي تصور تطلعات السعوديين بطريقة تتفق مع الاتجاه الذي تتباناه الحكومة السعودية.
ويعد التلفزيون ووسائل الإعلام الوسيلة المثلى للتواصل مع الجمهور، وسوف تستخدمهما المملكة للترويج لرسائلها السياسية.