الخليج أونلاين-
بعد الأزمة التي وقعت بها السعودية إثر اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، والتهم التي تلاحق ولي عهد المملكة محمد بن سلمان حول تورطه بالحادثة، بدا للمتابع للشأن السعودي غياب عاهل البلاد عن كثير مما يشكل سياسة الرياض ويصنع سمعتها عالمياً.
فقد اتخذ الملك عدة مرات قرارات تتعارض مع خطط كان قد تبناها ولي عهده وثبت فشلها، من رؤى اقتصادية، وعمليات استخباراتية خارج السعودية، تركت آثاراً كارثية على المملكة، فحاول متأخراً التدخل لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
ودائماً ما ترافق تدخلات الملك قرارات سريعة، تطال العديد من الشخصيات القريبة من ابنه ولي العهد، وهو ما يدل على تقديمها كـ"كبش فداء" بدلاً منه، والتي كان آخرها إقالة مستشاره سعود القحطاني، الرجل الأقرب له في حله وترحاله.
ولم يكتفِ الملك بإقالة القحطاني، بل عمل على الإطاحة بأحد أبرز المقربين من ولي العهد، وهو اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس جهاز الاستخبارات السعودي، بالإضافة إلى إعادة هيكلة هذا الجهاز الذي يتحرك منه ابنه في عملياته.
وجاءت قرارات الملك التي تعد تقليماً لأظافر ابنه في الحكم، بعد اعتراف السعودية بشكل رسمي باغتيال خاشقجي، وتراجعها عن نفي علاقتها بالحادثة التي وقعت في قنصليتها يوم 2 أكتوبر الجاري، وهزّت الرأي العام الدولي، رغم إعلان بن سلمان عدم وجود خاشقجي بالقنصلية.
ولم تكن تدخلات الملك بقضية خاشقجي هي الأولى في محاولة إصلاح وتقليل الضغط الدولي على المملكة من أفعال ابنه الذي أثبت تقرير حديث أنه كان يُعالج في ألمانيا أيام المراهقة من الصرع، واضطرابات نفسية، حسب تقرير ألماني تضمّن السجلّ الطبي لولي العهد السعودي.
وتدخل الملك لوقف طرح شركة النفط العملاقة السعودية "أرامكو"، وهو ما يعد صفعة قوية لـ"رؤية 2030" ولأحلام الأمير، الذي أراد ضم عملاق النفط الأضخم في العالم إلى صندوق الاستثمار السيادي، وطرح نسبة 5% (100 مليار دولار) فقط من الشركة، التي تقدَّر قيمتها بأكثر من تريليوني دولار، للاكتتاب بالبورصة.
ومنذ صعود بن سلمان إلى سدة الحكم بشكل سريع، اتخذ عدة قرارات لم تعهدها المملكة في تاريخها الحديث؛ إذ طرح على السعوديين خطة اقتصادية أطلق عليها اسم "رؤية المملكة 2030"، وتزامنت مع هذا الإعلان حملات إعلامية ودعائية نسبت النجاح والتميُّز إلى هذه الرؤية، قبل الكشف عن محتوياتها وبنودها، رغم الشكوك الكبيرة؛ وبالفعل بدأت تتلاشى مع ما تواجهه من صعوبات، بدا أن ملك البلاد قد لمسها.
- هل ينقذ الملك معتقلي الرأي؟
وفي الداخل، شن ولي العهد حملة اعتقالات غير مسبوقة في تاريخ المملكة ضد أمراء من العائلة الحاكمة، ونشطاء في حقوق الإنسان، وسيدات، ورجال اقتصاد، ودعاة بارزين، كالشيخ سلمان العودة، والداعية المفكر علي العمري، والشيخ عوض القرني، والداعية سفر الحوالي، وجميعهم لهم حضور كبير بين صفوف المسلمين، ويعاني معظمهم ظروفاً قاسية في الحبس.
وكشفت مصادر حقوقية سعودية أن عدد معتقلي الرأي بالمملكة ناهز ثلاثة آلاف معتقل منذ شهر سبتمبر الماضي، من تخصّصات شرعية وقانونية وقضاة وإعلاميين وغيرهم.
وأكدت المصادر في حديث سابق لـ"الخليج أونلاين" أن "السلطات اعتقلت عدداً غير معلوم من النساء بعضهن يحتجزن مع أطفالهن في سجون لا تحترم أبسط مقومات حقوق الإنسان".
وفي 17 من سبتمبر الماضي، قال حساب "معتقلي الرأي" المعني بنشر أخبار المعتقلين السعوديين على "تويتر"، إن "عدد معتقلي الرأي في المملكة وصل إلى 2613، بعد سبتمبر الماضي، وتعرّض عدد من معتقلي سبتمبر إلى التعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق لساعات من الأذرع والسحل بساحات السجن".
وجلبت هذه الاعتقالات حملات انتقادات دولية وحقوقية ضد السعودية، حيث وصفتها جهات دولية بـ"دولة القمع" والاستبداد ضد حقوق الإنسان، وصولاً إلى قطع كندا علاقتها معها بسبب اعتقالها ناشطات في حقوق الإنسان.
ويبدو أن الملك السعودي غير مطلع بشكل كبير على ما يجري داخل السجون التي اكتظت بنخب من المجتمع السعودي، إذ ينتظر العالم قرارات جديدة منه قد تخفف من حدة الاعتقالات ضد هؤلاء.
وبات من المؤكد أن يتخذ الملك قرارات جديدة بحق معتقلي الرأي، خاصةً مع حجم الضغط الكبير على المملكة، وخروج أصوات تطالب بإقالة ولي العهد؛ لكونه متورطاً في مقتل خاشقجي، ومساهماً في تدني حقوق الإنسان في المملكة.
وفي حالة تدخل الملك للمرة الثالثة في القضايا التي ينفذها ولي العهد، وخفف من أوضاع حقوق الإنسان في السعودية، وأقال عدداً من القيادات الأمنية، فسيثبت للعالم بأن ابنه يتصرف بالحكم دون علمه، ويؤكد عبثه في سياسة المملكة.