جورجيو كافييرو وكريستيان أولريخسن - إنسايد أرابيا-
في الشهر الماضي، أفاد موقع "ميدل إيست آي" في لندن، بأن 3 من علماء الدين السعوديين، وهم الشيخ "سلمان العودة"، والشيخ "عوض القرني"، والشيخ "علي العمري"، سوف يتلقون عقوبة الإعدام بعد نهاية شهر رمضان، واستشهد التقرير بمصدرين في الحكومة السعودية، وقريب من أحد العلماء المذكورين.
وحاليا، يتم اتهام "عودة" و"القرني" و"العمري" بالإرهاب وهم بانتظار المحاكمة في المحكمة الجنائية في الرياض.
وأثار اعتقال علماء الدين "المعتدلين" في سبتمبر/أيلول 2017 مجموعة من الإدانات من الخارج، بما في ذلك من الأمم المتحدة والعديد من منظمات حقوق الإنسان مثل "هيومن رايتس ووتش" ومنظمة العفو الدولية.
ووقع اعتقالهم قبل شهرين من ملحمة فندق "ريتز كارلتون"، حيث أمر ولي العهد "محمد بن سلمان" باعتقال العشرات من كبار رجال الأسرة المالكة الأثرياء وأصحاب الأعمال والمليارديرات خلال حملة "مكافحة الفساد" الشهيرة.
وقد تم ربط "عودة" و"القرني" و"العمري" بحركة الصحوة، التي استلهمت أفكارها من "الإخوان المسلمين"، ومنذ صعود ولي العهد، دفعت مخاوفه من وصول النشاط الثوري في المنطقة إلى المملكة العربية السعودية السلطات في الرياض إلى شن حملة قمع ضد الإسلاميين المنتسبين للصحوة في المملكة.
ومن وجهة نظر "بن سلمان"، فإن إمكانية أن تخالفه الحركة تمثل تهديدا غير مقبول، ليس فقط للشرعية الإسلامية للنظام الملكي السعودي، ولكن أيضا لبقائه.
وتمت معاقبة "العودة" على تغريدة كان يأمل فيها في حل أزمة قطر بعد فترة وجيزة من اتصال "بن سلمان" بأمير قطر في 8 سبتمبر/أيلول 2017.
وقضى "العودة" نصف عقد التسعينات خلف القضبان لأنه دعا إلى التغيير السياسي في المملكة، وألقى "العودة" مئات المحاضرات، وأصدر مئات المقالات، التي تتناول بشكل أساسي الشريعة الإسلامية، وهو معروف بتعزيز القيم "المعتدلة" الأقرب لـ"الديمقراطية".
و"العودة" هو الأمين العام المساعد للاتحاد الدولي لعلماء المسلمين، وهي مؤسسة مقرها قطر، ينظر إليها على أنها تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين"، التي تصنفها الحكومة السعودية ككيان إرهابي، وقد وجه المدعي العام في المملكة 37 تهمة ضده.
كما وقع "القرني" في مأزق بعد الضغط من أجل التقارب بين الرياض والدوحة، و"القرني" هو واعظ وأكاديمي ومؤلف كان لديه 2.2 مليون متابع على "تويتر" وقت اعتقاله.
وحصل "العمري"، وهو "مذيع" يتمتع بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي، على سمعة بأنه تقدمي بشكل نسبي في القضايا الجنسانية، وكان "العمري" أيضا عضوا في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وبعد إلقاء القبض عليه، اتهمه المدعي العام في المملكة "بتشكيل منظمة شبابية لتنفيذ أهداف جماعة إرهابية داخل المملكة"، إلى جانب 29 جريمة أخرى على الأقل، مع توصية بعقوبة الإعدام.
ومن شأن عمليات الإعدام هذه أن تثبت أن "بن سلمان" يتجاهل الضغوط الخارجية فيما يتعلق بسجل المملكة في مجال حقوق الإنسان.
وكان إعدام 37 مواطنا سعوديا، معظمهم من الشيعة، في أبريل/نيسان، بالون اختبار لقياس استجابة المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى عدم وجود أي ضغط كبير على القيادة السعودية من قبل البيت الأبيض في قضية "جمال خاشقجي"، من المحتمل أن يشعر "بن سلمان" بجرأة على اتخاذ أي إجراءات دون خوف من أي رد فعل عنيف من جانب إدارة "ترامب".
وإذا تم تنفيذ الإعدام بحق "العودة" و"القرني"، و"العمري" أو بحق واحد منهم على الأقل، فإن إعدامهم قد يعزز الصورة الحالية حول كون القيادة الأمريكية الحالية غير مبالية بسجل الرياض لحقوق الإنسان، أو باستهداف الحكومة السعودية للمعارضين في الخارج، مثل "إياد البغدادي" في النرويج.
أبعاد جيوسياسية
وتبقى هناك أبعاد جيوسياسية مهمة لقضية هؤلاء الرجال الثلاثة على وجه التحديد، فـ"العودة" و"القرني" و"العمري" ليسوا معارضين أو ثوريين، ولم يدع أي منهم العائلة المالكة إلى التنحي عن السلطة، وعلى مدار معظم حياتهم المهنية، فقد تجنبوا انتقاد عائلة "آل سعود".
ولكن عندما بدأ "بن سلمان" في تغيير السلوك السعودي داخليا وخارجيا، لم يتلق ولي العهد دعمهم، وبالنظر إلى أن الثلاثة كانوا قد أعربوا عن تعاطفهم مع قطر، أو على الأقل دعمهم للتقارب السعودي القطري، فسوف يكون إعدامهم دليلا قويا على رفض الرياض تخفيف لهجتها فيما يتعلق بالدوحة.
ومن المحتمل أن يكون لمصير هؤلاء العلماء المسلمين تداعيات كبيرة على العلاقات السعودية التركية أيضا، وفي 27 مايو/أيار، نشرت "يني شفق" خطابا مفتوحا للملك "سلمان" كتبه "ياسين أقطاي"، مستشار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".
وقد حذر "أقطاي" العاهل السعودي من إعدام "العودة" و"القرني" و"العمري"، وعلى حد تعبيره: "سوف يجلب إعدام العلماء المسلمين كارثة. فالعلماء هم ورثة الأنبياء، وكل عالِم هو عالَم بمفرده، وكما تمثل وفاة عالِم موتا للعالَم كله، فإن قتل عالِم مثل قتل العالَم بأكمله".
وقد جادل مستشار "أردوغان" أيضا بأن مصير هؤلاء العلماء السعوديين ليس مجرد قضية داخلية للمملكة. حيث قال: "لا تعد مسألة العلماء المسلمين شأنا داخليا، حيث يعد العلماء المعنيون ملكا للمسلمين جميعا وليسوا مجرد رعايا سعوديين".
وقد دعا "أقطاي" الملك "سلمان" إلى استخدام ثروات بلده لتخفيف حدة المشاكل في جميع أنحاء العالم الإسلامي، ودعم مسعى تركيا لمواصلة العدالة في قضية "جمال خاشقجي"، الذي اغتاله عملاء سعوديون في إسطنبول العام الماضي.
وقد خاطب المستشار الملك "سلمان" باحترام، ولكنه لم يوجه الحديث لـ"بن سلمان". وتحاول دائرة "أردوغان" التمييز بين الملك "سلمان" وابنه، على سبيل المثال من خلال التأكيد المبكر في قضية "خاشقجي" على أن الملك "سلمان" لم يكن متورطا، أو عبر تبادل التهاني بين "أردوغان" والملك "سلمان".
ومن خلال مطالبة الملك "سلمان" لتجنب إعدام "العودة"، و"القرني"، و"العمري"، يحاول "أردوغان" استخدام علاقته مع العاهل السعودي لمنع ما يعتبره الكثيرون في العالم الإسلامي السني ظلما كبيرا.
وقد ترغب تركيا في تلطيف الأجواء مع العاهل السعودي، في وقت تطالب فيه وسائل الإعلام السعودية بمقاطعة البضائع التركية.
ويحرص المسؤولون في أنقرة على منع المزيد من التدهور في العلاقات الثنائية التي قد تضر تركيا ماليا بشدة، وإذا تدخل الملك "سلمان" لتجنيب هؤلاء العلماء عقوبة الإعدام، فقد يؤدي هذا التطور إلى تقليل التوترات في علاقة المملكة بتركيا، وإذا لم يحدث ذلك، فقد تشهد أنقرة والرياض زيادة حادة في الاحتكاك.