الخليج أونلاين-
لم تهدأ القيادة السعودية منذ الهجوم النوعي الذي تبنته جماعة الحوثيين على مصفاتي نفط "أرامكو" في بقيق وخريص شرق المملكة، فاتجهت إلى اتهام إيران بشكل مباشر من خلال وزارة الدفاع، مع اتخاذ خطوات غير طبيعية في الشارع، وهو ما قد يعطي مؤشراً على نيتها الدخول بحرب مفتوحة.
لم يتوقف المسؤولون السعوديون عن تهيئة الرأي العام المحلي الدولي، على ما يبدو، لخوض بلادهم حرباً مع إيران، من خلال عرض صور للصواريخ والطائرات المسيرة التي أصابت أرامكو، وتحميل طهران المسؤولية الكاملة عن الهجوم.
ودبلوماسياً، طالب وزير الشؤن الخارجية السعودي، عادل الجبير، المجتمع الدولي باتخاذ "موقف صارم" تجاه إيران، وهو ما يعد تحركاً جديداً نحو تحشيد رأي دولي ضدها، حيث أكد أن إيران "ستتحمل العواقب" إذا ثبت تورطها بالهجوم.
وقال الجبير: إن "استهداف بقيق وخريص بأسلحة إيرانية ليس اعتداءً على المملكة فقط، بل يعتبر اعتداء على العالم من خلال استهداف إمدادات الطاقة للأسواق الدولية".
وتابع: إن "التهاون مع إيران سيشجعها لارتكاب المزيد من الأعمال التخريبية والعدائية، وسيكون لذلك آثار تمتد على الأمن والسلم الدوليين وليس فقط على المنطقة".
محاكمات سريعة
داخلياً، اتخذت السلطات السعودية، الخميس (19 سبتمبر)، خطوة مفاجئة بنقل عدد من المشايخ المعتقلين إلى الرياض تمهيداً لمحاكمتهم، فيما بدأت فعلياً بمحاكمة بعضهم؛ وذلك قبل المواعيد المحددة مسبقاً.
وقال عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل الشيخ سلمان العودة: "اليوم حصلت جلسة للوالد في المحكمة المتخصصة بالرياض، وعند قضاة يختلفون عن الفريق القضائي الذي كان ينظر القضية سابقاً، وقد حددوا الثلاثاء القادم كجلسة قادمة".
وذكر حساب "معتقلي الرأي" المعني بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان بالمملكة، أن "السلطات السعودية نقلت عدداً من المشايخ إلى الرياض، تمهيداً لعرضهم على المحكمة. للتنويه، فإنّ من بين أولئك من تم إبلاغه أن محاكمته ستكون بعد عدة أشهر، ثم تم نقله بشكل مفاجئ اليوم لعرضه على المحكمة".
ومن بين أبرز أسماء الذين نقلوا كل من الشيخ سفر الحوالي، والشيخ عوض القرني، والشيخ محمد موسى الشريف، إضافة إلى العودة، فيما بدا محاولة لتخفيف الاحتقان الشعبي المستاء من سلوك السلطة.
تهيئة الشعب
معنوياً، تعالت أصوات مسؤولين سعوديين عن تاريخ المملكة وقتالها في أيامها الأولى حين تأسيسها، وذلك بالتزامن مع اليوم الوطني الـ89 لتأسيس السعودية.
وقال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية، عبد العزيز بن تركي الفيصل: إنها "مناسبة غالية علينا جميعاً، ونستعيد معها ملحمة تاريخية عظيمة نفخر ونعتزّ بها جيلاً بعد جيل".
وإلى جانب التحركات السعودية دوت صافرات الإنذار في العاصمة الرياض ومحافظات الدرعية والخرج والدلم، ظهر الخميس، وهو ما بث قلقاً واسعاً لدى المواطنين الذين استذكروا أجواء حرب الخليج الثانية.
ونبهت المديرية في وقت سابق سكان المملكة إلى أنها ستطلق صافرات الإنذار؛ "وذلك لإجراءات خاصة تتعلق بالاستعدادات لأي طارئ".
وأوضح المتحدث الرسمي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة الرياض، المقدم محمد الحمادي، أن هذه التجربة مجدولة مسبقاً، وتهدف إلى التأكد من كفاءة أنظمة صافرات الإنذار وجاهزيتها.
تأييد أمريكي
وتأتي الإجراءات السعودية الخارجية والداخلية في وقت قال فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: إن "الحرب هي الخيار النهائي في التعامل مع إيران، وهناك الكثير من الخيارات الأخرى قبل اللجوء إلى ذلك".
ورداً على سؤال في مؤتمر صحفي عن احتمال شن هجوم أمريكي على إيران، قال ترامب: "هناك الكثير من الخيارات، هناك الخيار النهائي وهناك خيارات أقل من ذلك بكثير، وسوف نرى".
وتعد تصريحات ترامب ضوءاً أخضرَ للسعودية لشن حرب على إيران لحفظ ماء وجهها بعد الضربات المتواصلة والموجعة التي تتلقاها من الحوثيين أبرز الداعمين لها في اليمن.
كذلك، أكد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن الولايات المتحدة تؤيد حق السعودية في الدفاع عن نفسها، وذلك عقب اجتماع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض.
وقال بومبيو في تغريدة على تويتر: "لا تسامُح مع سلوك إيران في المنطقة".
وفي مؤشر على وجود نية سعودية على توجيه ضربة ضد إيران، أكد سفير المملكة الجديد لدى بريطانيا، خالد بن بندر آل سعود، أن بلاده سيكون لها رد على من يقف وراء الهجوم على منشآت بلاده النفطية.
وقال خالد في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية معلقاً على الهجمات: "من المؤكد تقريباً أنها مدعومة من إيران ونحن نحاول عدم الرد بسرعة كبيرة لأن آخر ما نحتاج إليه هو مزيد من الصراع في المنطقة".
وبين أن المصنع الذي استُهدف يكرر كميات من النفط أكبر مما تنتجه المنطقة بأسرها تقريباً، لذلك فما حدث ضربة للعالم والاقتصاد العالمي وليس للسعودية وحدها".
تلميح إعلامي
صحيفة "عكاظ" المقربة من الديوان الملكي السعودي ألمحت، خلال مقال للكاتب فيها حمود أبو طالب، أن المملكة لم يعد أمامها خيار آخر للحفاظ على سيادتها وأمنها وسلامة شعبها.
وقال أبوطالب في مقاله: "لا توجد دولة عاقلة ومتزنة ومتحضرة تعلي قيم الحياة والإنسانية وكرامة البشر ثم يكون خيارها الحرب، إلا إذا تم الاعتداء عليها واستنفدت كل الوسائل السلمية الممكنة".
وأضاف أبو طالب: "الحرب خراب ودمار يحصد الأخضر واليابس، ويتضرر منه المغلوب والمنتصر، وفي هذا الوقت بالذات مع التقنيات المتطورة للأسلحة فإن شبح الحرب مخيف جداً، فبالإمكان خلال لحظات وبضغطة زر إبادة كل معالم الحياة في أي مكان".
وتابع: "وحدها الأنظمة المجنونة التي يتحكم فيها المهووسون والمخابيل والمتخلفون هي التي تستسهل إشعال الحروب كما هو حال النظام الإيراني".
وأوضح أن المجتمع الدولي "لو تمكن من إيقاف إيران فيمكن وقف إشعال فتيل المواجهة العسكرية التي إن بدأت فالله وحده أعلم كيف ومتى تنتهي".
وأردف بالقول: "لو تخلت أمريكا عن اللعب على الحبال وخلط الأوراق في الملف الإيراني وأرادت بالفعل خلع مخالب إيران بغير الحرب فهي قادرة على ذلك، وتستطيع بتفاهماتها مع بقية حلفائها الغربيين وشركائها في المصالح الدولية أن تحقق هذه النتيجة وتجنيب المنطقة من مآلات خطيرة".
وشدد أبو طالب على أن من حق بلاده حمايتها ووقف التعدي عليها.