الخليج الجديد-
يوما بعد الآخر، تتزايد الدعوات والمناشدات والمطالبات، للسلطات السعودية، للإفراج عن المعتقلين خوفا من تفشي فيروس "كورونا" المستجد، بين نزلاء السجون.
ويوجد 15 سجنا رئيسيا في المملكة موزعة على المناطق والمحافظات، إضافة إلى العديد من الوحدات والشُعب والأقسام وشؤون النساء والإصلاحيات.
وليست هناك بيانات رسمية حول عدد السجناء في المملكة، لكن تقديرات حقوقية تفيد بوجود أكثر من 60 ألف سجين، بينهم عدة آلاف من السياسيين والمعارضين لولي العهد السعودي، الأمير "محمد بن سلمان".
وفي الوقت الذي أفرجت فيه إيران والبحرين والولايات المتحدة والنرويج عن آلاف السجناء خشية تفشي "كورونا"، فإن المملكة لم تتحرك جديا إلى الآن باتجاه اتخاذ خطوة مماثلة.
أوضاع صعبة
تفيد تقارير حقوقية، بتكدس سجون المملكة، بشكل يصل إلى مشاركة النزلاء نفس الفراش، ونوم العشرات في الممرات، واستخدام أحواض غسل اليدين، وأباريق الماء، ذاتها، في الاستحمام.
وتقول مؤسسة "القسط" (حقوقية مستقلة)، إن سجون المملكة تفتقر إلى مرافق الاستحمام ودورات المياه اللائقة، فضلا عن معاناتها من سوء التهوية، والحرمان من مستلزمات التدفئة من أغطية وملابس، كذلك غياب الرعاية الطبية اللازمة، إضافة إلى تعرض معارضين للتعذيب، والحبس الانفرادي.
يفاقم من خطورة الأوضاع في سجون المملكة، وجود عدد من المعتقلين كبار السن، مثل الداعية البارز "سلمان العودة"، والداعية "عوض القرني"، والداعية "ناصر العمر"، والمفكر "سفر الحوالي"، وآخرين ممن يعانون أمراضا مزمنة، ناهيك عن وجود نساء يخضعن لظروف اعتقال قاسية مثل الناشطة "لجين الهذلول".
وفي يناير/كانون الثاني 2019، توفي الداعية السعودي "أحمد العماري الزهراني"، عميد كلية القرآن الكريم بجامعة المدينة المنورة سابقا، بعد دخوله غيبوبة بسبب ظروف حبسه.
وفي أغسطس/آب من العام ذاته، توفي المعتقل السعودي الداعية "صالح عبدالعزيز الضميري"، داخل محبسه بسجن الطرفية السياسي بمنطقة القصيم (وسط).
وفي الشهر ذاته، فارق الحياة، المعتقل السعودي "أحمد الشايع" في السجن ذاته، إثر تعرضه خلال فترة سجنه لإهمال صحي متعمد وتعذيب جسدي ونفسي.
تدابير احترازية
على الرغم من التحذيرات الحقوقية إزاء خطوة تكدس سجون المملكة، لم تتحرك السلطات السعودية باتجاه تحقيق انفراجة سياسية وحقوقية في البلاد، وإنقاذ نزلاء المعتقلات من الوباء.
وخلال الأسابيع الأخيرة، اكتفت وزارة "الداخلية" السعودية، بتعليق كافة الزيارات العائلية لذوي النزلاء، وكذلك النشاطات الثقافية والرياضية وغيرها.
كذلك تقرر إنشاء وحدات فرز صحية لجميع العاملين والعاملات قبل بوابات الدخول للعنابر، والتعقيم المستمر لجميع المباني السجنية ومرافقها، وعقد العديد من المحاضرات التوعوية للنزلاء لرفع مستوى الثقافة الصحية لديهم.
ووجه النائب العام السعودي، "سعود بن عبدالله المعجب"، برفع معايير الإجراءات الاحترازية والوقائية وتطبيق أفضل الأساليب داخل السجون ودور التوقيف والإصلاحيات.
وشدد "المعجب" على أهمية الكشف الدوري على المسجونين والموقوفين، ضمن الجهود الرسمية الرامية إلى توفير أقصى درجات الحماية والسلامة لأفراد المجتمع، بحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس".
جنسيات مختلفة
وتضم سجون المملكة، المئات من ذوي الجنسيات غير السعودية من العرب والأجانب، من بينهم العشرات على ذمة قضايا ذات صبغة سياسية، لم تراع معايير واشتراطات النزاهة، بحسب منظمات حقوقية دولية.
ويحذر رئيس لجنة المعتقلين الأردنيين السياسيين بالسعودية، "خضر المشايخ"، من تفشي خطر الإصابة بفيروس "كورونا" بين المعتقلين في سجون المملكة بمختلف جنسياتهم، مؤكدا في تصريح صحفي لـ"الأناضول"، وجود حالات اشتباه إصابة بالفيروس.
ويطالب "المشايخ" بحماية المعتقلين، والحيلولة دون إصابتهم بالفيروس، والإفراج عنهم وإعادتهم إلى بلدانهم، مشيرا إلى وجود 30 معتقلا أردنيا في سجون المملكة.
كذلك طالب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، "إسماعيل هنية"، العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، باتخاذ قرار بالإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في السجون السعودية، البالغ عددهم نحو 60 معتقلا فلسطينيا بتهم تتعلق بجمع تبرعات لفلسطين وإقامة أنشطة داعمة للقضية الفلسطينية في السعودية.
انفراجة مأمولة
ويتبنى حساب "معتقلي الرأي" المعني برصد أحوال المعتقلين في المملكة، حملة عبر "تويتر"، تطالب بالإفراج عن المعتقلين في السجون السعودية مع تزايد المخاطر من تفشي فيروس "كورونا".
وقبل أيام، نظم ناشطون وحقوقيون وقفة أمام السفارة السعودية في لندن، للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في سجون المملكة، مع تزايد خطر تفشي فيروس "كورونا".
واتهمت "الحملة الدولية من أجل العدالة" (مقرها لندن)، النظام السعودي، بتعريض معتقلين لكافة أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، مؤكدة احتياج بعضهم إلى رعاية صحية عاجلة.
وارتفع عدد حالات الإصابة بفيروس "كورونا" في المملكة إلى 562 حالة منذ تفشى المرض، ما دفع السلطات إلى تعليق رحلات الطيران، ووقف تأشيرات العمرة، وإغلاق الحرمين، ومنع الصلوات الخمس والجمعة بجميع مساجدها، وفرض حظر تجول ابتداء من السابعة مساء حتى الساعة السادسة صباحا، بالتوقيت المحلي، لمدة 3 أسابيع.
ويأمل مراقبون في أن "كورونا" قد يدفع النظام السعودي لتحقيق انفراجة سياسية في البلاد من ناحية، وإجهاض إمكانية تحول السجون إلى بؤرة تفشي للوباء من خلال الإفراج عن السجناءمن ناحية ثانية، على غرار ما حدث في إيران والبحرين.
على الأقل، يحتم انتشار الفيروس، تحسين الأوضاع الحقوقية داخل سجون المملكة، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة خاصة للمرضى وكبار السن، وإلغاء عقوبة الحبس الانفرادي، ووقف أية ممارسات تعسفية بحق المعتقلين السياسيين.
وربما تمارس منظمة الصحة العالمية، والصليب الأحمر الدولي، والأمم المتحدة، ضغوطا على الدول التي تتكدس معتقلاتها، ومنها السعودية، قبل تفشي المرض بين صفوف المعتقلين، ما قد يتسبب في كارثة صحية.
وخلال العامين الماضيين، سجلت المملكة تراجعا كبيرا في ملف حقوق الإنسان، جراء اعتقال المئات من الدعاة والعلماء والأكاديميين والحقوقيين، وهو ما أضر كثيرا بصورة البلد الذي يعد قبلة للمسلمين ويحتضن المقدسات الإسلامية.