DW- عربية-
تقترب قضية اختفاء الكاتب الصحفي الناقد للسلطات السعودية جمال خاشقجي من إتمام أسبوعها الأول ولا جديد يكشف بجلاء وعلى نحو نهائي مصير الرجل. المعركة الإعلامية، في الفضاء الأزرق الافتراضي أو على وسائل الإعلام التقليدية، محتدمة. مهما يكن من أمر، وسواء تبين أن ما جرى هو "اختفاء أو "خطف" أو "قتل" فإن الثابت حتى اللحظة هو أن "رسالة" ما وصلت للمعارضة السعودية في الخارج.
حتى انهيار المعسكر الاشتراكي
واجهت الدولة السعودية الثالثة منذ تأسيسها على يد عبد العزيز بن سعود عدة تحديات وقفت في وجهها أهمها إمارة آل الرشيد الشمرية، التي استطاع آل سعود أخيراً إخضاعها واحتلال عاصمتها حائل عام 1921. المعارضة السعودية الشهيرة وأستاذة علم الأنثروبولوجيا الديني في قسم اللاهوت والدراسات الدينية بجامعة لندن، مضاوي الرشيد، هي حفيدة آخر حاكم الأسرة، محمد طلال الرشيد.
وفي نهاية العشرينات اشتبك عبد العزيز مع حلفائه السابقين، "إخوان من أطاع الله"، حتى نجح في القضاء عليهم بمعركة السبلة الشهيرة عام 1929.
ومن ثم استتب الأمر للعائلة السعودية، المنحدرة من قبيلة عنزة، حتى الخمسينات حيث برزت معارضة قومية-عربية ويسارية وأسست فيما بعد ما عُرف بـ"جبهة التحرير الوطني العربية" بقيادة "الأمير الأحمر" طلال بن عبد العزيز. واستمرت المعارضة بالنشاط على نهاية الثمانيات وانهيار جدار برلين وضمور المشروعين اليساري والقومي.
وفي هذه المفصل التاريخي شكل ما يقال عن "اختطاف" المعارض السعودي البارز ناصر السعيد عام 1979 من بيروت واختفاء أثره محطة مهمة، حيث اتُهم كادر متقدم بحركة فتح الفلسطينية بعملية الخطف وتسليمة للسلطات السعودية.
وفي هذه الفترة أيضا قتل الملك فيصل عام 1975 بطلقات مسدس ابن أخيه، الأمير فيصل بن مساعد بن عبد العزيز آل سعود. كما حمل عام 1979 معه الاستيلاء المسلح على الحرم المكي بقيادة السلفي جيهمان العتيبي.
أمراء "معارضون"
واختفى، أو "خُطف" على حد تعبير البعض، عدد من الأمراء منذ تولي سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في 2015: عبد العزيز بن فهد وتركي بن بندر وسعود بن سيف النصر، وقبلهم جميعاً الأمير سلطان بن تركي في عام 2003.
وكشف الأمير خالد بن فرحان آل سعود في مقابلة خاصة مع DW عربية أنه تلقى اتصالات من عدة معارضين عبّروا فيها عن "خوفهم" على أنفسهم وأهلهم. وبالنسبة له شخصياً علّق الأمير اللاجئ السياسي في ألمانيا: "أنا شخص مؤمن وأرضى بمصيري مهما كان، ولكني وبلا شك أشعر بخوف منطقي، لأن النظام وببساطة غير عقلاني". وجواباً على سؤال فيما إذا كان قد غير من روتين "حياته اليومية" أو أخذ احتياطات في الأيام القليلة الماضية أجاب :"الدولة الألمانية تؤمن ليّ الحماية على أكمل وجه".
الأكاديمي السعودي وأستاذ الاتصال السياسي والكاتب الصحفي أحمد بن راشد بن سعيّد قال بدوره إنه يتعرض لموجة تهديدات وحملة "إرهاب":
حملة إرهاب يشنّها عليّ سعوديون، متزامنة مع ما حدث لجمال خاشقجي. هذه أمثلة منها، وثمّة أسماء أخرى حقيقية ووهمية تهدّدني باختطاف أو قتل، أو تشتمني كمحمد آل الشيخ، وعبد اللطيف آل الشيخ الذي قال إنني وجمال وآخرين "أوجه لحذاء قذر"، بحسب ألفاظه التي تليق به.
— أحمد بن راشد بن سعيّد (@LoveLiberty) October 6, 2018
رسائل إلى كل من يهمه الأمر. pic.twitter.com/HDaJ7YnLCc
حركة حقوقية
وبرزت في السنوات القليلة الماضية عدة منظمات حقوقية أسسها سعوديون في الخارج، أبرزها "المنظمة السعودية الأوروبية لحقوق الإنسان" في برلين وديوان المظالم الأهلي والمعهد الخليجي في واشنطن، ومنظمة "القسط لدعم حقوق الإنسان" في لندن.
رئيس منظمة "القسط" لدعم حقوق الإنسان يحيى عسيري قال في مقابلة مع DW عربية أن ما حصل "يجب ألا يخيف أحد لأن قمع السلطة كان متوقعاً منذ البداية"، وأردف المعارض المقيم في لندن أنه "يتمنى ألا يؤثر ذلك على العمل الحقوقي والمعارض في الخارج؛ لأن ذلك سيزيد من تغول السلطة". يضاف إلى ذلك الدور الذي تقوم به إنصاف حيدر زوجة المدون المسجون في السعودية رائف بدوي. وتقيم إنصاف في كيبيك الكندية منذ خريف 2013 مع أولادها الثلاثة.
كما ترتفع أصوات نسائية تطالب بحقوق المرأة كالناشطة هالة الدوسري ومنال الشريف.
خاشقجي كصوت "ناقد"
وبرز جمال خاشقجي كصوت ناصح للعائلة الحاكمة ناقداً لبعض السياسات، وغير مطالب بـ"إسقاط" حكم العائلة. ويرى الأمير السعودي خالد بن فرحان آل سعود أن السلطات لا تتسامح مع أي نقد، حتى ولو كان مهذباً و"يغازل" السلطة كما كان يفعل السيد خاشقجي في بعض الأحيان، على حد تعبير الأمير. وذهبت مضاوي الرشيد، المعارضة المعروفة، في نفس الاتجاه مشيرة إلى قرب خاشقجي من السلطات فيما مضى:
مهما كان موقفك من جمال خاشقجي ومن تاريخ جمال يحب ان تستنكر جريمة قتله وتدين الجهة المسؤلة
— Madawi Al-Rasheed (@MadawiDr) October 7, 2018
معارضة "إسلامية"
بعد الاجتياح العراقي للكويت وعملية "عاصفة الصحراء" بدأت معارضة مسلحة جهادية بقيادة القاعدة ومؤسسها السعودي أسامة بن لادن تطل برأسها شاجبة للوجود الأمريكي في الجزيرة العربية. واستهدفت القاعدة عدة أهداف أمريكية وسعودية في الداخل ونفذت في 2011 محاولة اغتيال ضد وزير الداخلية القوي آنذاك نايف بن عبد العزيز.
كما ظهرت تنظيمات إسلامية في الخارج أبرزها "الحركة الإسلامية للإصلاح" بقيادة سعد الفقيه، والتي تدعو لإسقاط آل سعود وإقامة دولة إسلامية على مبدأ الشورى. ويحضر هنا أيضاً "حزب التجديد الإسلامي" بقيادة محمد المسعري، المطالب بإقامة خلافة إسلامية في السعودية وإسقاط النظام القائم.
وعند التطرق لذكر معارضة "إسلامية شيعية" في الخارج لا يعثر المرء على تمظهر واضح في أجسام واضحة المعالم بل نعثر على أفراد وشخصيات فاعلة كحمزة الحسن وفؤاد إبراهيم.
الأمير السعودي خالد بن فرحان آل سعود يعتقد أن السلطات السعودية تريد إيصال رسالتين من خلال استهداف خاشقجي: "الأولى: مستندة إلى علاقتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تقول السعودية للعالم إنه بوسعها فعل أي شيء في أي مكان في العالم وتضرب بالأعراف والقوانين كلها عرض الحائط. والرسالة الثانية هي ترهيب المعارضة في الخارج".
الأمير السعودي طالب من خلال DW عربية المجتمع الدولي بالتحرك الجماعي لمواجهة ما وصفها بـ"الجريمة".